دخل رائد الفضاء الإماراتيّ سلطان النيادي التاريخ من بابه العريض بعدما أصبح أوّل عربيّ يسير في الفضاء. قبل ساعات قليلة على خروجه من محطّة الفضاء الدوليّة، غرّد النيادي كاشفاً عن خوضه "تدريبات مكثّفة لأكثر من 3 سنوات تحضيرًا لهذه المهمة التي تتطلب تركيزًا عاليًا، ودقة".
بالفعل، خاض النيادي إلى جانب مواطنه هزاع المنصوري تدريبات في أكثر من دولة: مركز يوري غاغارين لتدريب روّاد الفضاء في موسكو، وفي هيوستن الأميركيّة وكولونيا الألمانيّة. وأمضى النيادي خمسة أعوام وهو يستعدّ لخوض رحلات فضائيّة طويلة المدى حتى أصبح رائد فضاء بشهادة من وكالة "ناسا".
غالباً ما يعدّ السير في الفضاء تجربة مذهلة بندرتها وجمالها وهي كذلك. لكن غالباً ما يتمّ أيضاً تناسي حجم المخاطر المترتّبة على تلك المغامرة.
"المشي في الفضاء هو على الأرجح أخطر شيء نقوم به"، بحسب ما قاله رائد الفضاء الذي يعمل مع "ناسا" مايك فينكه في حديث إلى شبكة "سي أن أن" الأميركيّة. ثمّة ميلٌ شبه حدسيّ لاعتبار أنّ انطلاق المركبة الفضائيّة وعودتها إلى الأرض هما الأكثر خطورة طوال الرحلة. لكنّ هذا ما لا يوافق فينكه (وآخرون) عليه: "أعتقد أنّه أكثر خطورة من الإطلاق والهبوط، على الرغم من أنّ هذه أشياء صعبة حقاً. إذا انفصلنا عن محطة الفضاء الدوليّة فهذا أمر خطير للغاية".
وثمّة أيضاً حاجة إلى التركيز الذهنيّ لتنسيق المهامّ بين روّاد الفضاء ومركز القيادة على الأرض، كما أنّ هناك جهداً بدنيّاً مطلوباً للتعامل مع بذلة فضائيّة يبلغ وزنها نحو 150 كيلوغراماً. صحيح أنّ الجاذبيّة الضعيفة تجعلها أكثر قابليّة للتحكّم، لكن يجب عدم نسيان أنّ هذه البذلة عبارة عن مركبة فضائيّة مصغّرة لها نظامها الكهربائيّ والحراريّ والتنفّسيّ وهي تحتاج للانتباه التفصيليّ.
يمضي فينكه فيقول: "عليكم أن تتذكّروا الكثير من الأشياء، عليكم أن تحفظوا الكثير من الأشياء، عليكم أن تفكّروا في الوقت الفعليّ، وبالمناسبة، أنتم تنقلون قطعة بوزن 300 رطل من المعدّات حول جسمكم وكلّ حركة تقومون بها تتطلّب جهداً بدنيّاً". خلال أوّل عملية سير في الفضاء لفينكه، لم ينغلق الصمّام في بذلته بشكل جيّد ممّا تسبّب بفقدان الأوكسيجين سريعاً وأوقفت مهمّته: "لو كنت أصغي أو أفهم بذلاتي أكثر لكان بإمكاني فعلاً سماع تسرّب الأوكسيجين بمعدّل أعلى بقليل".
ما ذكره فينكه هو في الواقع جزء بسيط من المخاطر التي يواجهها رائد الفضاء وهو يسير خارج مركبته. استعرض تقرير لشبكة "بي بي سي"، بشكل مفصّل أبرز الأخطار التي واجهت ويمكن أن تواجه روّاد الفضاء في المستقبل.
الغرق في الفضاء
سنة 2013، بدأت خوذة رائد الفضاء الإيطاليّ لوكا بارميتانو تمتلئ ماءً حين كان يسير في الفضاء. بما أنّ السائل لا يتدفق تحت تأثير الجاذبية الصفريّة، غطى السائل عينيه وأذنيه وسدّ فتحتي أنفه. بعدما واجه خطر الغرق اضطر إلى قطع سيره في الفضاء. لقد شعر بارميتانو بأنّه معزول لأنّه لم يعجز عن الرؤية وحسب، بل عجز عن التواصل مع مركز التحكّم أيضاً. بدلاً من التركيز على المشكلة وهي أنّه سيغرق قريباً بدأ بالتفتيش عن الحلّ. تمكّن أخيراً من العودة إلى غرفة معادلة الضغط متجاوزاً منطقة شديدة الخطورة من محطّة الفضاء الدوليّة بسبب قدرتها على تمزيق بذلته.
في أوّل سير له في الفضاء سنة 2001، عانى رائد الفضاء الكنديّ كريس هادفيلد من مشكلة مشابهة حين بدأت عينه اليسرى تذرف دمعاً بسبب مضادّ للتعفير (اكتُشف لاحقاً) داخل خوذته سرعان ما انتقل إلى العين اليمنى. نصحت المراقبة الأرضيّة هادفيلد بإطلاق الهواء لإزالة ملوّثات محتملة، وهو أمر يتعارض مع كلّ غرائز البقاء على قيد الحياة، لكنّه نجح بإنقاذه إذ تمكّن من الرؤية مرة أخرى حتى أوقف التخلّص من الأوكسيجين.
الانفصال عن المحطة
في عملية نادرة سنة 1984، استخدم الأميركيّ بروس ماكاندليس حقيبة نفّاثة للسير على بعد نحو 100 متر من مركبته الفضائيّة. يصنّف هادفيلد هذا الأمر على أنّه خوفه الأوّل، حتى قبل الخوف من مشاكل الإقلاع أو الاحتراق عند العودة. يكون استخدام هذه الحقيبة احتياطياً في حال انفصل الحبل الفولاذي (26 متراً) لرائد الفضاء (عادة ما يكونان رائدين عند السير خارجاً). حين دفعت المركبة رائدي الفضاء بيتيه كونراد وجو كروين عن محطة "سكايلاب"، لم تكن الحقائب النفاثة قد أتيحت بعد. لكنّهما تمكّنا من النجاة بفعل صمود الحبال وتقول الروايات إنّهما عادا ضاحكين إلى "سكايلاب".
يمضي فينكه فيقول: "عليكم أن تتذكّروا الكثير من الأشياء، عليكم أن تحفظوا الكثير من الأشياء، عليكم أن تفكّروا في الوقت الفعليّ، وبالمناسبة، أنتم تنقلون قطعة بوزن 300 رطل من المعدّات حول جسمكم وكلّ حركة تقومون بها تتطلّب جهداً بدنيّاً". خلال أوّل عملية سير في الفضاء لفينكه، لم ينغلق الصمّام في بذلته بشكل جيّد ممّا تسبّب بفقدان الأوكسيجين سريعاً وأوقفت مهمّته: "لو كنت أصغي أو أفهم بذلاتي أكثر لكان بإمكاني فعلاً سماع تسرّب الأوكسيجين بمعدّل أعلى بقليل". ما ذكره فينكه هو في الواقع جزء بسيط من المخاطر التي يواجهها رائد الفضاء وهو يسير خارج مركبته. استعرض تقرير لشبكة "بي بي سي"، بشكل مفصّل أبرز الأخطار التي واجهت ويمكن أن تواجه روّاد الفضاء في المستقبل. الغرق في الفضاء سنة 2013، بدأت خوذة رائد الفضاء الإيطاليّ لوكا بارميتانو تمتلئ ماءً حين كان يسير في الفضاء. بما أنّ السائل لا يتدفق تحت تأثير الجاذبية الصفريّة، غطى السائل عينيه وأذنيه وسدّ فتحتي أنفه. بعدما واجه خطر الغرق اضطر إلى قطع سيره في الفضاء. لقد شعر بارميتانو بأنّه معزول لأنّه لم يعجز عن الرؤية وحسب، بل عجز عن التواصل مع مركز التحكّم أيضاً. بدلاً من التركيز على المشكلة وهي أنّه سيغرق قريباً بدأ بالتفتيش عن الحلّ. تمكّن أخيراً من العودة إلى غرفة معادلة الضغط متجاوزاً منطقة شديدة الخطورة من محطّة الفضاء الدوليّة بسبب قدرتها على تمزيق بذلته. في أوّل سير له في الفضاء سنة 2001، عانى رائد الفضاء الكنديّ كريس هادفيلد من مشكلة مشابهة حين بدأت عينه اليسرى تذرف دمعاً بسبب مضادّ للتعفير (اكتُشف لاحقاً) داخل خوذته سرعان ما انتقل إلى العين اليمنى. نصحت المراقبة الأرضيّة هادفيلد بإطلاق الهواء لإزالة ملوّثات محتملة، وهو أمر يتعارض مع كلّ غرائز البقاء على قيد الحياة، لكنّه نجح بإنقاذه إذ تمكّن من الرؤية مرة أخرى حتى أوقف التخلّص من الأوكسيجين. الانفصال عن المحطة في عملية نادرة سنة 1984، استخدم الأميركيّ بروس ماكاندليس حقيبة نفّاثة للسير على بعد نحو 100 متر من مركبته الفضائيّة. يصنّف هادفيلد هذا الأمر على أنّه خوفه الأوّل، حتى قبل الخوف من مشاكل الإقلاع أو الاحتراق عند العودة. يكون استخدام هذه الحقيبة احتياطياً في حال انفصل الحبل الفولاذي (26 متراً) لرائد الفضاء (عادة ما يكونان رائدين عند السير خارجاً). حين دفعت المركبة رائدي الفضاء بيتيه كونراد وجو كروين عن محطة "سكايلاب"، لم تكن الحقائب النفاثة قد أتيحت بعد. لكنّهما تمكّنا من النجاة بفعل صمود الحبال وتقول الروايات إنّهما عادا ضاحكين إلى "سكايلاب". غليان الدم تابع تقرير "بي بي سي" أنّ البشرة تتوسّع في الفراغ إلى ضعف حجمها. لذلك إنّ تمزّق البذلة قد يؤدّي إلى عواقب وخيمة. إذا انخفض ضغط البذلة سريعاً في الفضاء فسيموت الرائد بعد نحو 15 الثانية، أي الوقت الذي يستغرقه الجسم لاستنفاد الأوكسيجين. هذا ما حصل مع أحد الأشخاص الذين خضعوا للاختبار في وكالة "ناسا" بعدما تعرّض لظرف شبه فراغيّ في حادث بهيوستن سنة 1955. وتحدث الشخص عن شعور بلعاب على لسانه قبل فقدان وعيه. في الفضاء، من دون ضغط البذلة، ستغلي سوائل الجسم مع تمدّد الغازات الموجودة فيها. وواجه عدد من رواد الفضاء تمزّق البذلة بدرجات خفيفة متفاوتة لكنّهم خرجوا سالمين. المشكلة الأخرى في الفضاء هي وجود جزيئات من الصخور تزن أقلّ من غرام واحد. لكنّ سرعتها بالنسبة إلى محطّة الفضاء الدوليّة قد تصل إلى أكثر من 36 ألف كيلومتر في الساعة. تتعقّب "ناسا" أكثر من نصف مليون قطعة من النفايات الفضائية البشريّة وثمة نحو 20 ألف عنصر منها بحجم برتقالة على الأقلّ. الإرهاق يتحدّث هادفيلد عن مقاومة متضخّمة في الفضاء. فبدون الجاذبيّة، ينبغي على روّاد الفضاء بذل جهد مضاعف في أيّ حركة. إذا أداروا مفتاح ربط على سبيل المثال، فإن جسمهم يحاول الدوران في الاتّجاه المعاكس. لذلك يتعيّن عليهم بذل مجهود أكبر لمجرد البقاء في مكانهم أثناء العمل عبر استخدام عضلات أخرى للموازنة. عندما يتعب الناس يمكن أن يرتكبوا أخطاء. إذا تعثّرتم أثناء استخدام مثقاب كهربائيّ في المنزل فقد ينتهي بكم الأمر في المستشفى. ولكن إذا كنتم تدورون حول الأرض على ارتفاع 400 كيلومتر، فإنّ استدعاء سيارة إسعاف ليس خياراً. المجهول الأعظم منذ أن سار أوّل شخص في الفضاء، وهو الرائد السوفياتي أليكسي ليونوف (1965)، تقلّصت كثيراً قائمة النقاط المجهولة التي يمكن أن تفاجئ روّاد الفضاء. لكنّ القائمة لا تزال موجودة. يقول هادفيلد إنّ رواد الفضاء يبدون قلقهم مسبقاً: "نحاول ونقضي سنوات في القلق بشأن كلّ التفاصيل الصغيرة من كلّ ما يمكن أن يحدث بشكل خاطئ، حتى لا تكون مشلولاً بفعل الخوف عند وصول اليوم الفعليّ". وختم: "لا أحد يريد حقاً رائد فضاء خائفاً ومتفاجئاً".
غليان الدم
تابع تقرير "بي بي سي" أنّ البشرة تتوسّع في الفراغ إلى ضعف حجمها. لذلك إنّ تمزّق البذلة قد يؤدّي إلى عواقب وخيمة. إذا انخفض ضغط البذلة سريعاً في الفضاء فسيموت الرائد بعد نحو 15 الثانية، أي الوقت الذي يستغرقه الجسم لاستنفاد الأوكسيجين. هذا ما حصل مع أحد الأشخاص الذين خضعوا للاختبار في وكالة "ناسا" بعدما تعرّض لظرف شبه فراغيّ في حادث بهيوستن سنة 1955. وتحدث الشخص عن شعور بلعاب على لسانه قبل فقدان وعيه. في الفضاء، من دون ضغط البذلة، ستغلي سوائل الجسم مع تمدّد الغازات الموجودة فيها. وواجه عدد من رواد الفضاء تمزّق البذلة بدرجات خفيفة متفاوتة لكنّهم خرجوا سالمين.
المشكلة الأخرى في الفضاء هي وجود جزيئات من الصخور تزن أقلّ من غرام واحد. لكنّ سرعتها بالنسبة إلى محطّة الفضاء الدوليّة قد تصل إلى أكثر من 36 ألف كيلومتر في الساعة. تتعقّب "ناسا" أكثر من نصف مليون قطعة من النفايات الفضائية البشريّة وثمة نحو 20 ألف عنصر منها بحجم برتقالة على الأقلّ.
الإرهاق
يتحدّث هادفيلد عن مقاومة متضخّمة في الفضاء. فبدون الجاذبيّة، ينبغي على روّاد الفضاء بذل جهد مضاعف في أيّ حركة. إذا أداروا مفتاح ربط على سبيل المثال، فإن جسمهم يحاول الدوران في الاتّجاه المعاكس. لذلك يتعيّن عليهم بذل مجهود أكبر لمجرد البقاء في مكانهم أثناء العمل عبر استخدام عضلات أخرى للموازنة.
عندما يتعب الناس يمكن أن يرتكبوا أخطاء. إذا تعثّرتم أثناء استخدام مثقاب كهربائيّ في المنزل فقد ينتهي بكم الأمر في المستشفى. ولكن إذا كنتم تدورون حول الأرض على ارتفاع 400 كيلومتر، فإنّ استدعاء سيارة إسعاف ليس خياراً.
المجهول الأعظم
منذ أن سار أوّل شخص في الفضاء، وهو الرائد السوفياتي أليكسي ليونوف (1965)، تقلّصت كثيراً قائمة النقاط المجهولة التي يمكن أن تفاجئ روّاد الفضاء. لكنّ القائمة لا تزال موجودة. يقول هادفيلد إنّ رواد الفضاء يبدون قلقهم مسبقاً: "نحاول ونقضي سنوات في القلق بشأن كلّ التفاصيل الصغيرة من كلّ ما يمكن أن يحدث بشكل خاطئ، حتى لا تكون مشلولاً بفعل الخوف عند وصول اليوم الفعليّ".
وختم: "لا أحد يريد حقاً رائد فضاء خائفاً ومتفاجئاً".