تحوّل اللقاء التكريمي الذي أقامه رئيس جمعيّة المصارف الدكتور جوزف طربيه لنقيب محرّري الصحافة جوزف القصيفي وأعضاء مجلس النقابة الجديد، إلى حوار إقتصادي مالي والسبل الآيلة لحمايّة لبنان من خطر الأفلاس وكيفيّة إنقاذ الصحافة الورقيّة في لبنان والتحديّات التي تهددها بالإقفال.
مأدبة التكريم شارك فيها أمين صندوق نقابة الصحافة الزميل جورج بشير ممثلًا النقيب عوني الكعكي الموجود خارج لبنان وعدد من المصرفيين، ثم ألقى طربيّه كلمةً هنأ فيها المجلس الجديد على ثقة زملائهم بهم، وقال إنّ مهنتكم تحاصرها التحديات، وتطوقهّا المعوقات، حتى تكاد تختنق، لئلا نقول تندثر كليّاً.
وإذ اعتبر أن محنة الصحافة المكتوبة والإعلام تخفي أخطاراً وجودية، في ظل احتجاب صحف وصرف محررين، أشار طربيه إلى مسؤولية الدولة والقطاع الخاص، وفي مقدمه القطاع المصرفي في معالجتها. وقال: يعيش الصحافيون والاعلاميون أسوأ الاوقات بعدما باتوا مهددين بلقمة عيشهم. واني من موقعي كرئيس لجمعيّة المصارف أرحب بأيّ حوار بين نقابة محرري الصحافة اللبنانية والجمعية لبحث سبل وامكان إجتياز هذه الضائقة وكذلك التعاون مع نقابة الصحافة لتعزيز وسائل مساعدة الصحف ووسائل الاعلام الاخرى.
واضاف: إن الصحافة مطالبة - خصوصاً في هذا الظرف الدقيق - بأن تكون على قدر عالٍ من الوعي والمسؤولية، لا سيما عندما يتعلق الأمر بمصالح لبنان العليا التي يأتي في مقدمها الاستقرار المالي والنقدي، والثقة بالقطاع المصرفي ليبقى المرفأ الامن لمدخرات اللبنانيين، والممول الاساسي للاقتصاد اللبناني، وكذلك للدولة اللبنانية التي لا يمكنها ان تستمر في وظائفها الاساسية من سلطات حكومية وادارة وامن ودبلوماسية وخدمات صحية واجتماعية وثقافية، لولا التمويل المصرفي.
وردّ النقيب القصيفي بكلمة شكر فيها الدكتور طربيه على عاطفته وتقديره لدور الصحافة في بناء الأوطان والمجتمعات ومما قاله: ان نقابة المحررين تحمل هموم الصحافيين والاعلاميين، خصوصا في هذه الايام العجاف التي تشهد احتضار الصحافة الورقية التي كانت وما تزال في خط الدفاع الأول عن الحرية والديموقراطية. الصحافة اللبنانية المنذورة للحرية، والضاربة بسيفها والتي تخطى تأثيرها تخوم الوطن، كانت من العناصر الرئيسة في ازدهار لبنان وقطاعاته الخدماتية والانتاجية ، ووثقت ذاكرته الجمعية، وخطّت مسودة تاريخه الحديث، وهي كانت الحاضن لثقافته الوطنية وابداعات ابنائه. كما كان فرسانها في طليعة من قدموا ارواحهم من العام ١٩١٦ حتى الأمس القريب لكي يبقى لبنان متألقا بقيمه.
وقبيل تحوّل اللقاء إلى حوار إقتصادي- مالي- معيشي ردّ فيها طربيه على استفهامات الصحافيين، وقال طربيّه ردًا على سؤال: ما نراه يحصل بحقّ المودعين في المصارف في لبنان وبحق السيولة في وطننا وبحق عملتنا الوطنيّة هو ظلم كبير. ونحن لسنا نطلب من أهل الإعلام والصحافة، ألا يقولوا الحقيقة أو أن يغضوا النظر عن ما هو سيء، لا سمح الله، الأوضاع الماليّة العامة في لبنان سيئة نتيجة الهدر الحاصل وعدم ترشيد الإنفاق وعدم وجود سياسة إقتصاديّة واضحة وعدم وجود سياسة عليا، تتنبّه للشأن الإقتصادي وتجعله من مرتكزات مقومات السياسة العليا للوطن. ماذا ينفع لبنان لو نجح في كلّ سياساته ولم يتنبّه للأضرار التي تلحق بسياسته النقديّة وسياسته المصرفيّة. أقول هذا في ظلّ حصار كامل للبنان ولكنّ هذا الحصار لم يقلل من قدرة لبنان. وكما تعرفون إن القطاع المصرفي في لبنان وخارجه هو رهينة العقوبات الدوليّة، وعليه العمل دائمًا لتجنبها. وهنا أتحدّث عن العقوبات على "حزب الله" وسوريا وإيران وداعش. كذلك العقوبات بالسياسة. كلّ هذه العقوبات هي أضرار رئيسيّة على القطاع المصرفي المستهدف، لأن الدول الكبرى اليوم، تفضّل الحرب الناعمة التي تدّمر الإقتصاد وتدّمر حياة الشعوب وإمكاناتها الماديّة وإداراتها، بدلًا من الحروب العسكريّة. لأن الحرب الإقتصاديّة والنقديّة تقتل من دون أن تجرح. لبنان إستطاع تجاوز كلّ هذه الصعوبات، نتيجة تحييد القطاع المصرفي نفسه ونتيجة تمتعه بقواعد الإمتثال بشهادة العالم بأسره. نحن لا نأخذ شهادات لا من إدارة حكوميّة خارجيّة ولا من مجتمع دولي، بل من المصارف الدوليّة المراسلة التي نتعاطى معها.
وأضاف طربيه: الموارد الماليّة للبنان هي موارد مهمة، ومعظمها من اللبنانيين المنتشرين في كلّ العالم. لا تصدقوا أن الموارد التي تأتي إلى لبنان هي من مستثمرين دوليين. ومن هنا أن المودع في المصارف اللبنانيّة يشعر بالأمان لأن القطاع المصرفي لم يتدخل لا بالحروب الداخليّة ولا بالحروب الخارجيّة. نعم القطاع المصرفي يتمتع بثقة اللبنانيين لأنه أمين على مدخراتهم.من هنا أستطيع القول أن لبنان ليس مفلسًا. لبنان لديه 240 مليار دولار في ميزانيات المصارف. القطاع المصرفي في لبنان ومنذ عام 1975 أنقذ البلاد وجعل كيانها مستمرًا، بعكس ما حصل في الكثير من الدول المتعثرة وعلى سبيل المثال الصومال.
وتابع قائلًا: تسألون كيف ما زال لبنان مرفقًا ماليًا آمنًا والدولة اللبنانيّة مدينة له ب 82 مليار دولار. لقد سمعنا مسؤولين كبارًا مدنيين وروحيين وإعلاميين يقولون أن لبنان دولة مفلسة ودعا البعض المصارف إلى عدم تمويل الدولة. المدين يكون مفلسًا عندما يستحق عليه ما يجب تسديده ولا يسّدده. استحقاقات الدين العام على لبنان هي استحقاقات طويلة الأجل ولا يوجد إستحقاق في المدى المنظور لا تستطيع الدولة تسديده، نتيجة الإحتياط الموجود في مصرف لبنان ونتيجة الدعم الدولي الآتي عن طريق برنامج "سيدر" الذي إذا إلتزمت الدولة اللبنانيّة بشروطه سيساعد على إعادة النهوض بالإقتصاد وإعادة الثقة بلبنان.
وقال: نحن لا ندير لعبة خطرة بل ندير سوقًا ماليًا وفقًا للقواعد العامة للسوق الماليّة. ونحن إذا قررنا، لا سمح الله، معاقبة الدولة وعدم الإكتتاب بالسندات التي تتوجب عليها شهريًا، نكون أوقعنا الدولة بما لا أحد يريده. هناك مصالح مشتركة بين الدولة اللبنانيّة والشعب اللبناني بأن تبقى المسيرة الماليّة مستمرة مع الضغط على الدولة لتصحيح مسارها المالي وعدم إرتكاب الأخطاء كأن تقول أنني لا أريد جدولة الدين. هناك أمل بإعادة إحياء الثقة على أساس أن تنظم الدولة أوضاعها، لا أن تقع في مطبّات التوظيفات العشوائيّة التي هي ضد قانون الموازنة. علينا معرفة مَن الذي يضرّ بالأوضاع الماليّة الدقيقة في لبنان، ولكن ليست أوضاعًا ميؤسًا منها أو على شفير الأفلاس كما يعتقد البعض.
وختم طربيه: لذلك إننا نعتبر ان الحملات الداخلية التي يتعرض لها القطاع المصرفي احياناً تدفع في اتجاه الايذاء المجاني الرامي الى الاضرار بسيولة البلاد عن طريق اخافة المودعين وحملهم على الخروج من الليرة اللبنانية مع ما يستتبع ذلك من تهديد للاستقرار النقدي وما يجره تراجع سعر الليرة من اضعاف للقوة الشرائية للرواتب والاجور. لذلك فإن اي جنوح أو خطأ في ايراد الانباء وتسويقها، أو التحليلات المفتقرة الى الصدقية يفضي إلى عواقب تطاول جميع الفئات دون استثناء. فالوضع حساس ولا يحتمل أيّ مغامرة، من نتائجها إتساع عدم الثقة بلبنان من خلال القطاع المصرفي الذي نجح في الحفاظ على تماسكه، واثبت قدرة في مواجهة الرياح العاتيّة، والتقلبات السياسية والاقتصادية. فعسى أن يقوم بيننا تعاون، لا يلغي حريّة الصحافي والاعلامي، بل يعززّ مناخات الثقة ويدفع الامور في الاتجاه الصحيح.