النهار العربي - رندة تقي الدين
كثرت التساؤلات والتأويلات بشأن تعيين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وزير الخارجية الأسبق جان - إيف لودريان مبعوثاً خاصاً للبنان. التساؤلات تدور حول سبب هذا التعيين وتوقيته.
لودريان الذي كان وزيرَ دفاع ناجحاً في عهد الرئيس الاشتراكي الفرنسي فرانسوا هولاند تولى الخارجية الفرنسية لخمس سنوات في العهد الأول لماكرون. رغب الأخير بتغييره في العهد الثاني للتجديد واختار كاترين كولونا، وهي سيدة دبلوماسية بارعة عملت مع الرئيس الراحل جاك شيراك لمدة طويلة وكانت ثقة شيراك بها كبيرة. لودريان كان يرغب بالاحتفاظ بمنصبه وزيراً للخارجية، ولكنّ ماكرون ارتأى غير ذلك. وكان لودريان مرشحاً لرئاسة معهد العالم العربي مكان جاك لانغ الذي كان متوقعاً أن يترك هذا المنصب بسبب تقدمه في السن، ولكن ماكرون يأخذ وقته في تعيين بديل قد يكون سيدة كما يقال.
والسؤال اليوم هل أن تعيين لودريان هو بمثابة جائزة ترضية لصديق الرئيس، وهو مسؤول مهم في الحزب الاشتراكي، أم أنه مسعى من ماكرون إلى أن يحرز عبر وزيره السابق نجاحاً في لبنان؟
قالت الرئاسة إن لودريان له خبرة في الأزمات ويعرف لبنان من خلال مناصبه الوزارية. وهو يتولى حالياً تشكيل فريق عمل من دبلوماسيين في الخارجية الفرنسية، وتعيينه لا يعني إطلاقاً أن باتريك دوريل، المسؤول عن الشرق الأوسط في الخلية الدبلوماسية للرئيس ماكرون، ورئيسها السفير إيمانويل بون، توقفا عن متابعة الملف. بالعكس، يعمل الإثنان يومياً مع الرئيس وهما على تواصل مستمر معه، ويطلعانه دوماً على تفاصيل اتصالاتهما والملفات التي يتابعانها، تماماً مثلما يفعل لودريان والوزيرة كولونا.
ولم يتم بعد تحديد موعد زيارة لودريان الذي تربطه علاقة جيدة بالسعودية ودول الخليج، حتى أنها كانت إحدى الحجج التي قدمها عندما تحدث عن نيته للترشح لرئاسة معهد العالم العربي في باريس. ويدرك ماكرون أهمية موعد وصول لودريان إلى لبنان، وهو متوقع بسرعة لأن الموضوع مهم جداً، لكن سرعة الوصول لا تعني أن ذلك سيؤدي الى انتخاب رئيس لبناني خلال الجلسة المرتقبة في 14 حزيران (يونيو) الجاري. فماكرون ولودريان وكولونا والفريق الرئاسي مدركون أن التوافق في البرلمان اللبناني بالغ الصعوبة، والمطلوب من لودريان أن يذهب إلى لبنان ويستمع إلى الجميع ويبقى على الأرض لمدة أطول من يوم، ثم العودة الى الرئيس ووزيرة خارجيته بنتيجة زياراته وبتقرير مع اقتراحات بشأن ما هو الممكن للحل.
فرنسا - عكس ما يقال - لا تؤيد أياً من المرشحين، إذ ترى لكلّ من سليمان فرنجية وجهاد أزعور مزايا وسيئات. فالسيئات هي في عدم إمكانية أيّ منهما الحصول على توافق على اسمه، وما يهم ماكرون أكثر من الإسم هو أن يُنتخب في لبنان رئيس يعيّن رئيسَ حكومة يتمكن من العمل ولا يتم تعطيله لتنفيذ الإصلاحات. لقد سبق للودريان أن زار لبنان مرات عدة دون النجاح في مثل هذه المهمة الصعبة، حتى أن ماكرون نفسه اعتقد أن في إمكانه أن يحصل على تعهدات الأحزاب ولم يتم ذلك. لذا ثمة شكوك بشأن إمكانية نجاح لودريان، إذ سبق وقام بمهمات مماثلة في لبنان وإن كانت لوقت أقصر، لأنه كان منشغلاً بملفات عديدة.
السؤال الآن ماذا وراء تعيينه؟ رفع الاهتمام الى مستوى وزاري وتنسيقه مع دول الخليج. سينتقل لودريان من لبنان إلى دول المنطقة للسعي إلى نيل اهتمامهم بمهمته. علاقة فرنسا حالياً بإيران ليست جيدة. الدبلوماسيون الفرنسيون أكدوا أن إيران مستمرة في زعزعة استقرار المنطقة رغم عودة علاقتها مع السعودية. فهل في إمكانه التفاوض وإقناع "حزب الله"؟
الأمل أن تكون مهمة لودريان مفيدة للخروج من الأزمة، وألا تكون نوعاً من مكافأة وتقدير للوزير الاشتراكي الصديق وألا تكون جائزة ترضية. فالشكوك مشروعة حيال احتمال نجاحه في وضع لبناني معقد وأوضاع إقليمية منشغلة بغير لبنان، ولكن لودريان شخصية تحظى باحترام كبير في أكثر من دولة في المنطقة، إذ أن لديه قدرة كبيرة على التواصل مع الجميع، ولكن هذا لا يعني حتمية نجاحه في السعي الى تسهيل التوافق بين الأطراف اللبنانية، وخصوصاً أنه سبق له أن خاطب قياداتها بلهجة قاسية وتوقع غرق لبنان كـ"التيتانيك" Titanic.
وتجدر الإشارة إلى أن السعودية تترك لفرنسا هامش تحرك كبيراً في الأزمة الرئاسية في لبنان، علماً أن المملكة لا تزال متحفظة إزاء المرشح سليمان فرنجية. ولكن نظراً إلى أن لدى المملكة انشغالات غير لبنان فهي تترك لفرنسا تكريس الاهتمام به، مع الأخذ في الاعتبار أن علاقة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بالرئيس ماكرون جيدة.