مرت ثلاث سنوات على ما يمكن وصفها بأكبر فضيحة سياسية في التاريخ الأميركي في الألفية الجديدة، وإلى الآن لم يسأل الرئيس السابق باراك أوباما بعد عن دوره في تنسيق الحيلة الدولية التي قادت للتواطؤ على حملة دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية 2016.
هذا السؤال طرحته المعلقة السياسية والكاتبة الأميركية جولي كيلي في مقال كتبته بموقع AMERICAN GREATNESS. وأضافت أنه لم يقم أي صحافي بتوجيه سؤال واحد إلى أوباما حول ما يعرفه المسؤولون في البيت الأبيض - أو متى عرفوا ذلك - على الرغم من التحقيقات المستمرة العديدة التي أجرتها وزارة العدل وفي الكابيتول هيل.
وقالت المعلقة الأميركية إن التغطية الإعلامية حول عهد الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدة الأميركية لن تستمر، وأن المدعي العام الأميركي وليام بار قد يقوم بالعمل الذي ترفضه وسائل الإعلام.
وأشارت إلى أن بار ذكر في مقابلة مع مضيفه بيل هيمر في فوكس نيوز يوم الجمعة، بأن مكتبه يبحث في "بعض التطورات الغريبة جداً" التي حدثت بين الانتخابات ويوم تنصيب ترمب.
قصة الكمين
وبحسب بار فإن واحدة من الأحداث التي ينبغي التوقف عندها، كان الاجتماع الذي عُقد في 6 يناير 2017 بين الرئيس المنتخب ترمب وفريقه الانتقالي مع كبار قادة الاستخبارات في عهد أوباما، بمن فيهم مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق جيمس كومي، والمدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية جون برينان، والمدير السابق للوكالة الوطنية للاستخبارات جيمس كلابر والمدير السابق لوكالة الأمن القومي مايك روجرز.
وقد كان أحد الأسئلة التي يجب على وليم بار وفريقه التركيز عليها هو: لماذا أعطى الرئيس أوباما، في اجتماع عقده في اليوم السابق مباركته لمدير مكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي لتحذير الرئيس القادم بشأن أكثر الاتهامات الغريبة الواردة في ملف ستيل، وهو أمر لم يثبت بعد إلى هذا اليوم.
ومضت جولي كيلي تتساءل عن أن هذا الموضوع والتفكير فيه "قد يؤدي إلى المزيد من الأسئلة حول كيفية التعامل مع الملف في البيت الأبيض في الأيام الأخيرة لأوباما قبل أسابيع من أداء دونالد ترمب اليمين الدستورية كرئيس".
لقد كان يوم 5 يناير 2017 مشحوناً بالأسرار، ففيه اجتمع أوباما مع كومي وكلابر وفريقه الرفيع المستوى - بما في ذلك مستشارة الأمن القومي سوزان رايس، ونائب الرئيس جو بايدن ونائب المدعي العام سالي ييتس - وذلك في المكتب البيضاوي.
أجندة أخرى
كان الغرض الظاهري للاجتماع هو مراجعة تقرير مجتمع الاستخبارات الذي تمت صياغته حديثاً والذي ادعى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد تدخل في انتخابات عام 2016 "لتشويه سمعة الوزيرة كلينتون، والإضرار بانتقائها ورئاستها المحتملة"، وخلص التقييم أيضاً إلى أن بوتين كان لديه "تفضيل واضح" لترمب.
ولكن كانت هناك أجندة أخرى قيد التنفيذ، بصياغة خطة لإخبار ترمب في اليوم التالي بأن الروس لديهم دليل على تورطه في سلوك جنسي ضار أثناء زيارته لتلك الدولة قبل سنوات قليلة.
وشكلت هذه المادة "المرحة" كما سمّاها كومي لاحقاً، جزءاً جيداً من الدفعة الأولى من ملف ستيل، وهي عبارة عن مجموعة من المزاعم التي لا أساس لها من الصحة التي أصدرها كريستوفر ستيل، وهو ناشط سياسي دفعته اللجنة الوطنية الديمقراطية وحملة هيلاري كلينتون لتشويه سمعة دونالد ترمب.
وهنا من المهم ملاحظة أن لجنة العمل السياسي لأوباما دفعت لـ"بيركنز كوي"، وهي شركة المحاماة التي تم استخدامها لتمرير أبحاث ضد ترمب من قبل حملة هيلاري كلينتون واللجنة الوطنية في الحزب الديمقراطي، حوالي 800 ألف دولار في عام 2016.
وقد أوضح جيمس كومي في مقابلة في ديسمبر 2018 مع مضيفته نيكول والاس في قناة MSNBC بأنه قام بإعلام أوباما عن خطته لتقديم الأخبار المثيرة إلى ترمب في 6 يناير، وذلك ببرج ترمب في نيويورك.
وبحسب كومي فإن كلابر قال لأوباما: "هناك بعض المواد الإضافية ذات الطبيعة الصعبة، وقد قررنا أن نطلع الرئيس الجديد عليها".
ادعاءات جنسية
وأضاف قائلاً لأوباما، أن هذه المواد: "تنطوي على ادعاءات جنسية، وهو ادعاء تورط فيه مع عاهرات في موسكو، حيث قام روس بالتقاط صور لذلك، حتى يكونوا في وضع يسمح لهم بإكراه الرئيس الجديد ونعتقد أنه يتعين علينا إخبار الرئيس القادم بهذا الأمر".
وقد كان كلابر يشير إلى ادعاء ستيل المزعوم بأن الروس لديهم "كومبرومات" – تعبير روسي يراد به مجموعة مواد تدين شخص مرموق - والتي يمكن استخدامها لابتزاز ترمب.
زعم ستيل أن ترمب قد استأجر جناحاً في فندق ريتز كارلتون في موسكو في عام 2013 واستأجر "عاهرات لأداء" ما يعرف بالاستحمام الذهبي وهو سلوك يتضمن ممارسات شاذة منها التبول بطريقة غريبة، وأن تسجيلات هذه "الفضيحة" كانت في أيدي الروس.
عندما سأل أوباما من سيخبر ترمب بما يسمى بـ "شريط التبول"، أشار كلابر إلى كومي وقال: "جيم – جيمس - سيفعل ذلك".
من ثم تحول الرئيس أوباما إلى كومي، وورد أنه قام برفع حاجبيه ثم خفضهما كما يفعل الكوميدي الأميركي غروتشو ماركس، وعقبها سمع كومي كلاماً تخيله في رأسه، عما سيحدث بعدها من تفاصيل، وهو ما رواه في كتابه الذي أصدره وذكر فيه هذا الموضوع بعنوان "ولاء أكبر"، تخيل مثلاً أن ترمب سيرد عليه بعد أن يسمع الحكاية بالقول "أيها الوغد الفقير".
فبركة وقت التهديدات
ترى المحللة الأميركية جولي كيلي بأن ذلك كان يدور، في الوقت الذي تواجه فيه الولايات المتحدة وقتها تهديدات أمنية حقيقية من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك إيران وكوريا الشمالية، وكانت الحرب في سوريا تسبب أزمة اللاجئين الدولية، فقد قتل إرهابيون مرتبطون بتنظيم داعش عشرات الأشخاص في مهرجان عيد الميلاد في برلين، كما أصدرت وكالة كومي تحذيراً قبل أيام قليلة من عيد الميلاد من هجمات داعش الإرهابية المحتملة على الكنائس الأميركية.
علاوة على ذلك، كان مكتب التحقيقات الفيدرالي يحقق مع أربعة من أتباع حملة ترمب الانتخابية، بمن فيهم مستشار الأمن القومي المقبل مايكل فلين، وسط شكوك بأنهم يتآمرون مع روسيا لفوز ترمب في الانتخابات.
تقول الكاتبة: "بدلاً من أن يناقش فريق أوباما كيفية تحضير الرئيس الجديد بشأن أي من هذه الأمور المتوقعة، والتصرف بما يحقق المصلحة العليا للبلاد، فقد كان كومي يخطط ويقاتل ترمب عمداً بتهمة زائفة من الانحراف الجنسي من قبل عميل بريطاني كان قد تمّ استئجاره من قبل أعداء ترمب السياسيين.. وقد ترك أوباما كومي يمضي في الأمر".
ولم يستغرق من وقت طويل لتكون حبكة كومي وربما أوباما قد تمت، حيث تم تسريب تفاصيل هذا الاجتماع على الفور إلى شبكة CNN التي بثت قصة متفجرة في 10 يناير 2017، وقام كبار مسؤولي المخابرات بتحذير الرئيس المنتخب من أن "عملاء روساً يزعمون أن لديهم معلومات شخصية ومالية" عن ترمب.
وقد ذكر المدعي العام بار في مقابلته مع فوكس نيوز أنه "يحقق أيضاً في تسريبات إلى وسائل الإعلام ذات صلة بهذا الموضوع".
يبقى السؤال المطروح.. لماذا أعطى الرئيس أوباما الضوء الأخضر لمدير مكتب التحقيقات الفيدرالي لتنبيه الرئيس الجديد بحكايات زائفة عن بائعات الهوى الروسيات والاستحمامات الذهبية؟ خاصة أن هذا كله يتضح أنه لا علاقة له بأي تهديد للأمن القومي الأميركي.
وفي فبراير 2018 قال محامي سوزان رايس في رسالة للكونغرس بأنه "لم يكن هناك نقاش حول كريستوفر ستيل أو ملف ستيل في ذلك الاجتماع المذكور بتاريخ 6 يناير 2017"، ويطرح نبش الموضوع الآن إشكالات قانونية لرايس التي كانت مستشارة الأمن القومي لأوباما وقتها.
أوباما وكومي
ويطرح سؤال هنا لماذا لم يقم أوباما بإيقاف كومي عند حده؟
ربما يكون السكرتير الصحافي لأوباما، جوش إرنست، قد كشف السبب في مؤتمر صحافي بعد يوم من بث قناة سي إن إن للقصة الملفقة، ومن ثم نشر موقع BuzzFeed الملف بالكامل.
فقد أخبر إرنست الصحافيين بالبيت الأبيض يوم 11 يناير 2017 قائلاً: "إن الرئيس المنتخب وفريقه يقترحون أن الاتهامات الموجهة لا أساس لها من الصحة تماماً".
وأضاف: "إن الرئيس – يعني أوباما - تعرض لانتقادات بطريقة زائفة لا أساس لها من الصحة، وأنا، بالطبع، أشير إلى مسقط رأس الرئيس. فقد كانت هناك مجموعة واسعة من منتقدي الرئيس الذين كانوا يقترحون وينشرون نظريات المؤامرة حول أن أوباما لم يولد في الولايات المتحدة بطريقة أو بأخرى".
وكان يشير إلى ادعاءات ترمب وقتها وحملته ضد أوباما بأنه ليس من مواليد الولايات المتحدة الأميركية.
تطرح الكاتبة هنا سؤالاً: "هل من المحتمل أن يكون كمين يوم 6 يناير 2017 من قِبل كومي هو انتقام أوباما لتعليقات ترمب؟ هل هناك احتمال أن خدعة ترمب وروسيا برمتها وقضية التواطؤ بمثابة رد على ترمب؟".
وتقول: "هل سيكون هذا التساؤل مزعجاً لأي صحافي؟" ثم تجيب على الأغلب لا، لكن ربما سيكون الأمر مزعجاً مع وليم بار.