كتب بول شاوول

ولماذا لا تصافح الشعب وتتصالح مع معاناته؟

تم النشر في 10 آب 2019 | 00:00

هل تمت حقاً المصافحة والمصالحة بين الزعيم الوطني الكبير وليد جنبلاط والنائب طلال إرسلان؟  أم أنها تبويس لحى، بلا لحى، وتبويس بلا تبويس ومصافحة بلا صفح؟.  لكن مع ذلك فلقد سلكت القضية طريق القضاء ومجراه وكأنها كانت كل يوم تشق مجراً جديداً.  إنها العدالة، وتعني المساواة في الحقوق عند كل اللبنانيين.  والمساواة تعني التعامل مع الجميع بما يقضيه القانون والواجبات ومسار الامور والتحقيقات الميدانية.   لكن الناس انفرجت.  هدأت مخاوفها وهواجسها لاسيما عندما اعلن الرئيس الحريري موعداً لانعقاد مجلس الوزراء، بعد تعطيل دام نحو خمسة أسابيع.  وضع اللبنانيون ايديهم على قلوبهم، فذكرى حروب الجبل فظيعة سواء تحولت إلى صراع درزي – درزي او كما حولت اخيراً بقدرة قادر إلى صراع بين مسيحي ودرزي، اديرت في استفحالها خطوة خطوة، وموقفاً موقفها ومناورة مناورة لكي تصبح على حافة الهاوية.  لكن عندما وصلت إلى هذا الحد اكتشف الجميع فداحة ما قد يحدث، وفداحة عدم السيطرة عليه.  ليس بالمعنى الحربي القتالي (فلا احد قادراً على خوض حروب الان)  بل بالمعنى السياسي والاداري والاقتصادي ايضاً.  "فالمركب السكران على قول الشاعر رامبو" يغرق المتيقظين والمعتدلين والمنتشين بانتصارات وهمية.  فالناس احتقنت في الوقت الذي كان بعضهم منشرحاً لفوز ما بنسف قواعد ومبادىء الدستور، والحكومة والصلاحيات.  نعم لم تكن الناس ولم تعد مهيأة ولا مستعدة لتقبل الجنوح والتطرف فأمورها هي فعلاً على حافة الهاوية، عيشها مستقبلها شبابها لقمتها.  فكل ما حولها يكاد يكون خراباً:  الكهرباء، الماء، الفضائح المالية، الفساد المعمم، البطالة، الطرقات والخدمات العامة والمؤسسات وخصوصاً الموازنة. بل آمالهم ايضا بالمساعدات المقترحة على لبنان من سيدر وسواه بدت وكأنها مهددة... في انتظار السقوط الكبير: الليرة الفوضى الاقتصادية والاجتماعية وطبعاً الفوضى المذهبية التي تغذى من بعضهم لنبش الماضي واستعادة ما دمر البلاد والعباد.


لكن ليس مستغرباً ان تتصاعد المخاوف عند الناس من الحاضر والمستقبل بل لان لغة الماضي عادت تحل محل هذا الحاضر بوعوده، والمستبقل بانتظاراته.  قرأنا في بعض الصحف الاجنبية عن استغراب جهات خارجية تسعى إلى مساعدة لبنان وكيف يريد بعض اللبنانيين من هم في صلب السلطة اهدار الفرص المتاحة لحل مشاكلهم الامنية والاقتصادية.  فالاخرون البعيدون غيارى على مصلحة البلد وبعض اهله يريدون ان يعطلوا كل ما من شأنه تحسين اوضعاهم!  يا للغرابة نحن نفتك بكل ضوء يلمع في آخر النفق وبعضهم يطفئه.  نعم حصل ذلك في الماضي عندما دمرت الاحزاب والميليشيات المذهبية بلدها لمصلحة الخارج:  تحولت الميليشيات دولاً وجيوشاً او تحولت الدولة والجيش ميليشيات.  فهل انتهت ذهنية الميليشيات عند بعضهم والتي تعمل على تعميق التقسيم الجغرافي والسياسي؟  أم ان هؤلاء لم يشبعوا من افتعال أزمات واشكال تفكك وتلاعب بمصير البلد؟  


لكن سواء تمت المصالحة فعلياً ام شكلياً، في انتظار ظروف مناسبة لتحقيق غايتهم من خلال خلط الاوراق في السياسة والدستور والقوانين والقضاء.  فحالياً على الاقل اتفق الجميع على ترك مسألة الجبل للمسار القضائي.  ولو تمّ ذلك من قبل لما حدثت هذه الازمات.


من هذه المنطلقات ليس لنا سوى التمني ان تعود الامور بوتائر مرنة وتتاح الفرص، بانهاء ميزانية 2019 و  2020 وتتم الاصلاحات بشكل مقبول لكي نعبر بكل ذلك ونحصل على المساعدات ويتم تطبيق ما جرى الاتفاق عليه في المجالات كافة وبشكل عادل لكي يتجاوز البلد ازمته الاقتصادية، والتي لم يعرف نظيرها إلا في اوقات الحروب في نهاية السبعينات والثماننيات.


فهل يصحو هؤلاء الكامنون وراء الكواليس ويحسون مع الناس واوجاعهم وحاجاتهم وفقرهم وبطالة ابنائهم؟