كتبت صحيفة "الجمهورية": يعتقد ديبلوماسي خبير في السياسة الخارجية الاميركية، أنّ المنطقة تقف على ابواب مرحلة من المفاوضات لإنتاج تسويات للأزمات التي تعصف بها، ولكنها ستشهد من حين الى آخر أحداثاً ومناوشات، يُراد منها رفع سقوف المواقف في المفاوضات، علّ اصحابها يحققون المكاسب التي يطمحون اليها ضمن تلك التسويات.
يقول هذا الديبلوماسي، إنّ الهجوم على منشآت شركة «ارامكو» السعودية، على الرغم من خطورته بالنسبة الى المملكة العربية السعودية واقتصادها او على المستويين الاقليمي والدولي، لما تمثله هذه الشركة العملاقة من ثقل في الاقتصاد العالمي وفي عالم النفط، هو واحد من هذه الحوادث والمناوشات التي بدأت تشهدها المنطقة.
ويتوقع الديبلوماسي نفسه، ان يكون هناك ردّ سعودي ـ اميركي على هذا الهجوم، ولكن هذا الردّ لن يرقى الى مستوى ان يكون بداية لحرب شاملة في المنطقة، لأنّ لا مصلحة لأحد في نشوب مثل هذه الحرب، لا الاميركيين ولا السعوديين وحلفائهم ولا الايرانيين وحلفائهم ايضا. فالردّ المتوقع على الهجوم الذي استهدف شركة «أرامكو» سيكون «رداً مدروساً» على غرار ردود سابقة، غالباً ما حصلت بناءً على اتفاقات غير مكتوبة.
ويستدلّ هذا الديبلوماسي في فرضيته بعدم نشوب حرب شاملة، الى موقف الرئيس الاميركي دونالد ترامب، الذي يخوض معركة انتخابية طامحاً للفوز بولاية جديدة في البيت الابيض، حيث لا مصلحة له في شن أي حروب، سواء في منطقة الخليج او في غيرها، يمكن ان تكون قفزة في المجهول، وتنعكس خسارة عليه في الانتخابات، علماً انّه لا يستطيع الذهاب الى مثل هذه الحروب مخالفاً سقف وعوده للاميركيين بأنّه سيسحب الجيش الاميركي من خارج الولايات المتحدة الاميركية، وهو يحاول منذ بداية ولايته الحالية سحب هذا الجيش من افغانستان ولكنه لم يفلح بعد.
والى ذلك، وطالما أنّ ترامب يلتزم هذا الموقف غير المؤيّد شن حروب جديدة، فإنّه سيكون من الصعب على أي من حلفائه إقناعه أو إجباره على شن حرب معهم على اي جبهة من جبهات العالم.
على انّ الانتخابات الاسرائيلية بنتائجها دلّت هي الأُخرى الى انّ اسرائيل لا يمكنها شن أي حرب لطالما لوّحت بها وهدّدت منذ حرب العام 2006 وحتى الآن، سواء على الجبهة اللبنانية ـ السورية او على الجبهة الخليجية ضدّ ايران، رغم تحريضها الدائم للولايات المتحدة الاميركية على مثل هذه الحرب، لاعتقادها انّ ايران هي مصدر الخطر الاستراتيجي على أمن الدولة العبرية، لأنّها، اي إيران، تسعى، في اعتقاد تل ابيب، الى امتلاك السلاح النووي الذي ليس هناك دولة في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا تملكه غير اسرائيل.
وفي رأي الديبلوماسي نفسه، انّ ما سيكون عليه الموقف الاسرائيلي ازاء التطورات الجارية في المنطقة متوقف على من سيتولى رئاسة الحكومة الاسرائيلية الجديدة، بنيامين نتنياهو أم بيني غانتس. ويقول الديبلوماسي، انّ عودة نتنياهو الى رئاسة الحكومة صعبة، وانّ مصيره سيكون الدخول الى السجن لأنّه يواجه اربع دعاوى، كل منها تُدخله السجن 10 سنوات. علماً انه قد يكون مستحيلاً قبول غانتس التناوب معه على تولّي رئاسة الحكومة، لأن غانتس لا يمكنه قبول ان يكون نائباً لنتنياهو في هذا الموقع ولو لفترة وجيزة، فيما هو يعرف طبيعة الملفات والقضايا التي يُلاحق نتنياهو فيها قضائياً والمتوقع ان تودي به الى السجن.
وفي ظل هذا الواقع، لن يكون في امكان اسرائيل شنّ اي حرب كان كثيرون يتوقعونها، خصوصاً في الآونة الأخيرة بعد هجومها بطائرتين مسيّرتين على الضاحية الجنوبية لبيروت، وكذلك هجومها على موقع لـ«حزب الله» قرب دمشق، وما تلاه من ردّ للحزب في مستعمرة افيفيم ومن ثم إسقاط طائرة مسيّرة قرب بلدة رامية على حدود لبنان الجنوبية. فليس هناك رئيس حكومة في اسرائيل الآن في امكانه إتخاذ قرار بشنّ حرب في لبنان وفي اي مكان، فيما الاسرائيليون يقفون امام ازمة حكومية يُتوقع ان تدوم اسابيع بل أشهراً على الأقل، حتى يتم اتفاق القوى السياسية الاسرائيلية على تأليف حكومة جديدة.
ويلتفت الديبلوماسي ناحية الوضع السوري، فيؤكّد انّ الحل الاستراتيجي للأزمة السورية لا يزال متأخّراً، على رغم من انّ كثيرين في لبنان والخارج، من دول وشركات عالمية، بدأوا يستعدون للمشاركة في ورشة إعادة اعمار سوريا، التي يقدّر البعض فاتورتها بقيمة 500 مليار دولار. ويقول هذا الديبلوماسي، انّ هذا الحل الاستراتيجي لسوريا يتطلب حصول اتفاق بين الولايات المتحدة الاميركية وروسيا، فيما لم نشهد في هذه المرحلة بعد انعقاد اي لقاء بين وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو ونظيره الروسي سيرغي لافروف، يُفترض ان يُمهّد للقاء قمة بين الرئيس الاميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين. فالمطلوب للحل في سوريا أولاً أن يتفق اللاعبون الاساسيون ثم يأتي دور اللاعبين الثانويين، مثل ايران وتركيا وغيرهما، بحيث تُمارس عندها ضغوط على هؤلاء لكي يسهّلوا نفاذ الحل الاستراتيجي..
والملاحظ، حسب هذا الديبلوماسي، انّ الافرقاء المعنيين يبدون مرتاحين في هذه المرحلة الى تقسيم منطقة ادلب والشمال السوري، تركيا من الشمال والاميركيون شرق الفرات والنظام وحلفاؤه في الجنوب والغرب. وهذا الواقع قد يدوم الى حين إنجاز الحل الاستراتيجي الموعود.