تتوالى خيبات إيران الاقتصادية واحدة تلو الأخرى، مع تشديد الولايات المتحدة قبضة العقوبات عليها، ليكون آخر صدماتها انسحاب شركة النفط الحكومية الصينية من صفقة تطوير حقل بارس الجنوبي الذي يوفر معظم الغاز الطبيعي الإيراني.
وقال وزير النفط الإيراني، بيجان زنغنه، إن شركة النفط الوطنية الصينية (CNBC) "لم تعد طرفا في المشروع"، الذي تصل تكلفته إلى 5 مليارات دولار، في الحقل الأكبر في العالم بجملة احتياطي يبلغ 51 تريليون متر مكعب.
وكانت شركة "توتال" الفرنسية، قد انسحبت هي الأخرى من الصفقة في أيار 2018، بسبب العقوبات الأميركية. وتضمنت الخطة الأولية لتطوير الحقل، حفر 20 بئرا ومنصة لرأس البئر، لتصل الطاقة الإنتاجية للمشروع إلى ملياري قدم مكعب من الغاز الطبيعي يوميا.
وبموجب الشروط الأولية للصفقة، كانت توتال ستحصل على حصة 50.1 بالمائة، مع حصول شركة النفط الوطنية الصينية على 30 المائة، وشركة "بتروبارس" الإيرانية على 19.9 بالمائة.
ومع انسحاب "توتال"، استحوذت الشركة الصينية على حصة الشركة الفرنسية، والآن بعد أن وجدت إيران وحدها في الصفقة الضخمة، خرج مسؤولوها بتصريحات مثيرة للسخرية، للتأكيد على أن بلادهم ستطور قطاعا من حقل نفط بارس الجنوبي وحدها.
وما جعل هذه التصريحات "مثيرة للسخرية"، هو أن إيران غير قادرة على معالجة وتطوير بنيتها التحتية فيما يتعلق بالنفط والغاز، بحسب الكاتب الاقتصادي المتخصص في الطاقة عماد الرمال.
وقال الرمال لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن "إيران لن تكون قادرة بالطبع على تطوير الحقل بمفردها، فعلى مدار 40 عاما لم تستطع أن تطور حقول البنية التحتية للغاز والنفط، فمن المعروف أنها تواجه مشكلة كبيرة في هذا المجال".
واستطرد في شرحه قائلا: "نرى أن إيران لديها وفرة من الغاز في جنوب البلاد، لكن بسبب رداءة بنيتها التحتية فإنها غير قادرة على توفير الغاز في شمال البلاد".
أضاف: "لهذا فإن غاز الشمال يتم استيراده من تركمانستان، وهذا أمر غريب جدا فهي ثالث أكبر دولة في احتياطي الغاز لكنها تستورده أيضا. هذا دليل على أن لديها بنية تحتية مهترئة وهي غير قادرة على تطويرها على مدار 40 عاما، فكيف لها الآن أن تطور حقلا ضخما كهذا بمفردها؟".
أزمة في اقتصاد متأزم أصلا
وجاءت خطوة الانسحاب الصيني من تطوير حقل بارس الجنوبي، لتزيد الطين بلة، فاقتصاد إيران يختنق أساسا تحت وطأة قضايا الفساد وسرقة ثروات الشعب من مسؤوليها فضلا عن العقوبات الأميركية، والآن فإن إنتاجها من النفط والغاز قد يتأثر أيضا.
فبعد انسحابها من الاتفاق النووي في الثامن من أيار 2018، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على إيران تمنعتها من بيع نفطها في الخارج، مما أدى لشل اقتصاد البلاد.
وفي أواخر أيلول الماضي، فرضت واشنطن عقوبات على شركات شحن صينية، قالت إنها تنقل النفط الخام الإيراني.
ومنذ ذلك الحين، بدأت إيران في خرق شروط الاتفاق، وشنت سلسلة هجمات في الشرق الأوسط، حتى وصلت التوترات إلى ذروتها في 14 أيلول، عندما استهدف هجوم مواقع نفطية سعودية مهمة.
وبينما أعلن المتمردون الحوثيون مسؤوليتهم عن الهجوم، أظهرت التحقيقات أن "الهجوم كان بلا شك تحت رعاية إيران".
وإن كانت تلك الهجمات تدل على شيء، فهي تدل على أن إيران تتخبط وتصارع لالتقاط أنفاسها خلال سباحتها المستمرة عكس التيار، كما أنها تؤكد أن اقتصادها المترنح يزداد تأزما، بحسب المحللين.
في هذا السياق، قال الخبير في الشأن الإيراني هاني سليمان لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن انسحاب شركة النفط الوطنية الصينية "يشكل نقطة تحول مهمة وضربة إضافية للاقتصاد الإيراني، خاصة في هذا التوقيت الصعب، نظرا لنجاح الضغوط التي تمارسها واشنطن من خلال العقوبات، والقيود التي تفرضها على الشركات العاملة في طهران".
وذكّر سليمان بالنتائج الكارثية التي ترتبت على انسحاب توتال في السابق من الاتفاق، إذ أدى ذلك إلى هبوط صادرات المكثفات الغازية إلى "شبه الصفر"، بعدما كانت تنتج طهران حوالي 17 مليون طن مكثفات غازية بقيمة 7 مليار دولار، وتحديدا في الفترة بين نيسان 2017 حتى نيسان 2018، بإجمالي 650 ألف برميل يوميا يستهلك منها محليا 400-450 ألف برميل.
وأوضح أن قطاع النفط تأثر وتقلصت صادراته بنسبة 80 بالمئة مع القيود المفروضة، ومع رفع الإعفاءات على الدول الـ8 المستثناة من العقوبات بعد ذلك.
وتابع: "شكل هذا مأزقا كبيرا خاصة مع وصول العقوبات إلى قطاع البتروكيماويات والمعادن – الذي يشكل 10 بالمئة من الصادرات - المرتبطة بقطاع النفط، مما جعل وزير النفط يرفع الدعم عن بعض المشتقات والبنزين، ويضع نظام للحصص أثر بشكل مباشر على المواطن الإيراني وزاد الأسعار بشكل كبير".
ورغم مساهمة القطاعات الاقتصادية من خارج المحروقات بحوالي 110 مليار دولار، إلا أنها تأثرت هي الأخرى بشكل كبير خاصة أنها تضم صناعات بتروكيماوية وأنواع مرتبطة بشكل غير مباشر تضررت هي الأخرى، بحسب سليمان.