عرب وعالم

هل لروسيا مكاسب من خلافات الناتو؟

تم النشر في 3 كانون الأول 2019 | 00:00

بمناسبة مرور 70 عاما على تأسيس حلف الناتو، يعقد زعماء دوله قمتهم في لندن، وسط مشكلات متراكمة في الحلف الذي يعاني من "موت دماغي" وفقا للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون.

وحذر ماكرون، في تصريحاته التي أثارت جدلا صاخبا في صفوف الحلف، من أن "أوروبا تقف على حافة الهاوية"، مشيرا إلى أن الأوان قد حان للاتحاد الأوروبي لأن ينظر إلى نفسه كقوة جيوسياسية، وليست اقتصادية فقط، كيلا يفقد السيطرة على مصيره. كما شكك الرئيس الفرنسي في المادة الخامسة من معاهدة واشنطن المؤسسة للناتو، والتي تنص على أن "أي عدوان مسلح على طرف منها أو عدة أطراف في أوروبا أو أمريكا الشمالية يعتبر عدوانا عليها جميعا"، على اعتبار أن تطبيق هذه المادة جرى مرة واحدة فقط منذ تأسيس الحلف، هو بعد الهجوم الإرهابي على الولايات المتحدة في العام 2001.

وواجهت كلمات ماكرون في حينه انتقادات حادة من قبل بعض الحلفاء الذين أصروا على أن الناتو لا يزال قادرا على الحياة، مع أن الجميع يدرك أن المشكلات كثيرة جدا.

وفي حديث لوكالة "نوفوستي" الإخبارية، أشار الأستاذ دميتري دانيلوف، مدير قسم الأمن الأوروبي في معهد أوروبا لدى أكاديمية العلوم الروسية، إلى حدة التناقضات بين الدول الأعضاء في الحلف. واعتبر الخبير أن اللقاء الوزاري الأخير لدول الناتو في بروكسل لم يعط أجوبة واضحة على الأسئلة التي طرحها ماكرون.

ومما أشار إليه الرئيس الفرنسي أن رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، أول رئيس أمريكي لا يؤيد فكرة "المشروع الأوروبي"، وذلك في الوقت الذي تشاهد فيه أوروبا، بحسب ماكرون، صعود الصين وتوجه روسيا وتركيا إلى "التسلط" في أنظمتهما السياسية.

وذكرت دكتورة العلوم السياسية من جامعة بطرسبورغ، ناتاليا يريومينا، أن وحدة الصف الداخلي في الناتو كثيرا ما تصبح أمرا مشكوكا فيه، وأن الحلف ككتلة أمنية أصبح في طريقه إلى الزوال. وأوضحت أن الناتو لا يزال يمثل أكبر تكتل عسكري وسياسي في العالم، لكن هناك مصالح متقاطعة شتى داخله، الأمر الذي يزيد الوضع في صفوفه تعقيدا، نظرا لتعقد الأوضاع الجيوسياسية في عالم اليوم.

العامل التركي

تعد المسألة التركية من أهم المسائل التي يتعين على القمة مناقشتها، لا سيما في ضوء تبادل التصريحات الحادة بين ماكرون ونظيره التركي، رجب طيب أردوغان. فردا على انتقادات لاذعة، وجهها الرئيس الفرنسي مؤخرا إلى تدخل أنقرة العسكري في شمال شرقي سوريا، نصح أردوغان له أن "يفحص دماغه قبل أن يتحدث عن موت الناتو الدماغي".

وكان ماكرون، وهو ينتقد أداء الناتو، يقصد أشياء كثيرة، بما فيها الانسحاب الأمريكي من شمال شرقي سوريا وتخلي الولايات المتحدة عن دعم حلفائها الأتراك في المنطقة، في تحرك لم يجر تنسيقه مع شركاء واشنطن الأوروبيين، وشجع الجيش التركي على شن هجومه شرقي نهر الفرات.

وردا على محاولات الحلفاء عرقلة عمليات الجيش التركي، أعلنت أنقرة أنها لن تؤيد الخطة الرامية إلى حماية بولندا ودول البلطيق من "التهديد الروسي"، ما لم تتلق الضوء الأخضر لخوض عمليات عسكرية ضد المقاتلين الأكراد في سوريا. ويضاف إلى ذلك سخط واشنطن المعروف إزاء شراء تركيا منظومات "إس-400" الروسية للدفاع الجوي، عوضا عن منظومات "باتريوت" الأمريكية.

واعتبر دميتري دانيلوف أن تركيا أصبحت عقدة هامة من التناقضات داخل التكتل، موضحا: "لقد أعرب الأتراك عن قناعتهم بأن على الناتو الاضطلاع بمسؤوليته وضمان الدفاع الجماعي في حماية جميع الحلفاء وليس جناحه الشرقي فقط". وتابع الخبير أن أنقرة مستعدة لتقويض جهود الحلف الرامية إلى تعزيز قدراته ونشاطاته العملياتية في الشرق، "وهو أمر بالغ الخطورة لأن الحديث يدور عن عقدة مكونة من عدة مشكلات متداخلة كالعلاقات مع روسيا ومثلث: أوروبا - الولايات المتحدة - تركيا، والتخطيط العسكري للناتو عامة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن أنقرة حليف لا غنى عنه".

الصين والفضاء والإرهاب

من المتوقع أن تقرر دول الناتو إعلان الفضاء الكوني "مجالا عملياتيا" جديدا، الأمر الذي لا يقتصر على الجانب العسكري التقني فقط، بل والسياسي أيضا، نظرا لمواصلة الولايات المتحدة ممارسة دورها كضامن لجودة أداة الأنظمة الفضائية. ويرى دانيلوف أن "مثل هذا القرار، إذا اتخذ، قد يعني بالنسبة لأوروبا، على خلفية التناقضات الجدية بين شاطئي المحيط الأطلسي، زيادة تبعيتها لاستراتيجية واشنطن".

كما لن يتجاهل زعماء الناتو موضوع صعود الصين الذي يعتبره الناتو مشكلة ذات بعد استراتيجي. وقد أدرجت الولايات المتحدة الصين على قائمة أكبر التهديدات على أمنها القومي، أما الاتحاد الأوروبي فاعترف بأن الصين أصبحت خصما استراتيجيا واقتصاديا له.

وسيتطرق المشاركون بلا شك إلى قضية مكافحة الإرهاب التي لا يزال الحلف يعتبرها من أولوياته. وتشير ناتاليا يريومينا في هذا الصدد إلى أن المواقف المناهضة لروسيا السائدة في الناتو تحول دون تضافر الجهود الدولية في مواجهة هذا الخطر المحدق.

روسيا.. تهديد أو شريك؟

ويرى دميتري دانيلوف أن المنطلقات الإيديولوجية السائدة في الحلف، (والتي تمت بلورتها بتأثير ملحوظ من قبل الدول الاشتراكية السابقة، التي لها تراث خاص بها في العلاقات مع موسكو) لا تسمح بتغيير النظر إلى روسيا كتهديد في المقام الأول. لكن ليس صدفة أن يتحدث الرئيس الفرنسي عن أن التهديد الناجم عن روسيا "مبالغ فيه"، مقارنة مع تحديات من نوع أخر يواجهها الحلف، مثل الإرهاب، التي يعتبر ماكرون التصدي لها مستحيلا من دون مشاركة روسيا.

أما موسكو، فالأوضاع الراهنة في الناتو تفتح أمامها آفاقا ليست واضحة على الإطلاق، إذ من جانب، تسهم الخلافات بين الدول الأعضاء في تصاعد المشاعر المعادية لروسيا، لكن من جانب آخر، تتيح المشاكل الداخلية في الناتو لموسكو فرصة للتحول إلى جهة فاعلة مؤثرة على مسارح السياسة العالمية.