كتبت صحيفة "الجمهورية": خطوة مفاجئة أقدمت عليها واشنطن باغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، القائد الإيراني الأقوى ومهندس السياسات الإيرانية من اليمن الى بغداد فدمشق.
عسكرياً، عملية يمكن وصفها بأنها ناجحة بحسب ما يُجمع عليه الخبراء العسكريون، لناحية دقة إصابة الهدف، ودقة المعلومات الاستخباراتية، علماً انّ المسار الذي انطلق منه سليماني من مطار بيروت وصولاً الى بغداد حيث كان في انتظاره نائب رئيس «الحشد الشعبي» ابو مهدي المهندس وغيره من المسؤولين، معلوم، ولا يتطلّب جهداً استخباراتياً كبيراً، إضافة الى التقنيات المتطورة المستخدمة في العملية.
الردّ الأميركي كان مفاجئاً للإيرانيين، وتحديداً للقائد الايراني المُغتال الذي كان يعتبر انّ قواعد الاشتباك تمنع الأميركيين من التصعيد وحتى من استهدافه شخصياً، إلّا أنّ رسالة الأميركيين اليوم جاءت بعد توتر شديد بين الدولتين بدأ منذ نحو أسبوع، سبقتها هجمات إيرانية، من إسقاط «الدرون» الأميركية إلى حجز ناقلات نفط إلى مقتل مقاول أميركي مدني كان من ضمن القوات الأميركية الموجودة في قاعدة «كي وان» (K1) التي تعرضت لهجوم بالصواريخ قرب مدينة كركوك العراقية منذ نحو 8 أيام، وصولاً الى الهجوم الايراني على السفارة الأميركية في بغداد إثر الغارات الأميركية على كتائب «حزب الله» العراقي في العراق وسوريا. ويقول الخبير الاستراتيجي الجنرال خليل الحلو لـ«الجمهورية» انّ «عملية اغتيال سليماني تدخل في إطار المواجهة الكبرى بين الولايات المتحدة وإيران، على رغم من أنّ الأميركيين لا يريدون حرباً معها، إلا انّ التصعيد الذي اعتمدته طهران في الآونة الأخيرة للحصول على تنازلات أميركية على مستوى العقوبات، كان خطأ استراتيجياً، إذ انّ الأميركيين أوصلوا رسالة مفادها أنهم مستعدون للذهاب بعيداً امام اي تصعيد عسكري قد يُطاول مصالحهم وقواتهم في العراق والمنطقة، وكل تهديد سيردّون عليه بحزم».
عملية الاغتيال فتحت باب المواجهة على احتمالات عدة، وغيّرت في قواعد اللعبة كلّها، وقد تؤدي الى نتائج وخيمة على المنطقة.
لا مفاوضات
فعلى الصعيد الديبلوماسي، يبدو انّ «كل القنوات توقفت، منذ الهجمات الأخيرة على السفارة الأميركية في بغداد. وبالتالي، فإنّ ايران لن تذهب الى مفاوضات حالياً»، بحسب الجنرال الحلو.
ويقول الجنرال الدكتور هشام جابر، رئيس «مركز الشرق الأوسط للدراسات والأبحاث»، لـ«الجمهورية» إنّ مسار المفاوضات بين طهران وواشنطن اهتَزّ، وطهران لن تكون مستعدة بعد الآن للتحاور إلّا بعد «رَدّ الصاع صاعين». واعتبر «انّ الإدارة الأميركية لم تقرأ جيداً تداعيات الخطوة التي قامت بها».
ويؤكد «انّ القوات الأميركية ستُستهدف، وأنّ الردّ مؤكد. لكنّ السؤال أين وكيف ومتى وبواسطة مَن؟».
ويعتبر جابر «انّ الردّ قد يكون في العراق أو في سوريا أو في الدولتين معاً في المرحلة الأولى، ولاحقاً في الساحات حيث توجد لإيران أذرع أمنية وعسكرية ويوجد قوات ومصالح أميركية، باستثناء الجبهة اللبنانية التي لن تنصح ايران «حزب الله» باستخدامها لضرب اسرائيل، علماً ان لا مصلحة للاثنين معاً في توتير الوضع الآن على الحدود مع لبنان، وبالتالي، فإنّ الجبهة اللبنانية مؤجلة نظراً الى خطورتها التي تؤدي الى حرب إقليمية. والمسرح المحتمل للرد حالياً هو مكان الجريمة أي العراق، عبر استهداف القوات الأميركية هناك».
«الردّ سيكون سريعاً ولكن ليس متسرّعاً»، كما يقول جابر، «وأي عمل عسكري لن يكون انتقامياً، بل لتحقيق أهداف سياسية واستراتيجية وعسكرية، منها الضغط لإخراج الأميركيين من العراق وسوريا، وهذا الضغط قد يأخذ شكله العسكري والديبلوماسي، حيث هناك ترقّب لمواقف الحكومة والبرلمان العراقيين إضافة الى المرجعية في النجف التي قد لا تصبّ في مصلحة الأميركيين»، الذين سيردّون بنحو موجع على أي تهديد أو استهداف إيراني لقواتهم في المنطقة، بحسب ما يؤكد الجنرال الحلو لـ«الجمهورية». «فخيارات الردّ لدى الايرانيين مفتوحة، وذلك حفاظاً على صدقيتهم أمام شعبهم وضباطهم وقواتهم. وبالتالي، الرد قد يكون في أي ساحة بدءاً من العراق فسوريا الى دول الخليج وفنزويلا والأرجنتين أو فرنسا أو الدانمارك وغيرها». فـ«القصاص العادل مسؤولية المقاومين على امتداد العالم»، كما يقول السيد حسن نصرالله.
وفي حين بات أكيداً أنّ معادلة اللااستقرار تتحكم بساحات المنطقة في المرحلة الآتية، والمستقبل المنظور ليس آمناً، أصاب اللبنانيون «نَقزة» من جرّاء كلام لنصرالله إثر مقتل سليماني، فهو يقول: «سنكمل طريقه وسنعمل في الليل والنهار لنحقق أهدافه، وسنحمل رايته في كل الساحات والميادين والجبهات»... معوّلين على تجنيب لبنان تداعيات أي نزاع إقليمي ودولي وعدم إدخاله في أجندات خارجية في ظل أزمته القاسية اقتصادياً ومالياً.