كتبت صحيفة "نداء الوطن": بلا شك أنّ اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني من قبل قوة جوية أميركية، يتعدى ضرب أحد مؤسسي محور المقاومة وأبرز صانعيه إلى تجاوز الخطوط الحمر في لعبة الأمم الدولية. فهي ليست عملية اغتيال اعتادها العالم أو الطرفان في صراعهما الذي بدأ منذ قيام الجمهورية الإسلامية في إيران العام 1979، ليصل الى مستوى تبني الإغتيال من أعلى مستوى أميركي من دون مواربة أو تردد في إعلان المسؤولية مباشرة.
ما حصل كان الهدف الذي كانت تسعى إلى تحقيقه إسرائيل منذ ان ظهر “حزب الله” على ساحة المواجهة معها. فقد أزيح رجل من أخطر القيادات التي شكلت تهديداً وجودياً لها، بدءاً من لبنان إلى سوريا وفلسطين وصولاً إلى العراق واليمن، فضلاً عن أتباع هذا المحور الذي تتزعمه إيران.
هو قرار أميركي كبير أخذ بعملية اغتيال رجل غير عادي، وهذا ينمّ عن أن الأميركي يريد الحفاظ على السيطرة العليا له على أرض العراق من دون السماح لأحد في المشاركة في هذه السيطرة، التي كانت عبارة عن مساكنة بين الأميركي والإيراني ولا سيما خلال مواجهة “داعش” ودحره عن الأراضي العراقية والسورية. إن الهلال الممتد بين طهران وبيروت مروراً ببغداد ودمشق سيكون مع اغتيال سليماني هو غيره مع وجود سليماني، وإن الخطوات المحسوبة جيداً في المواجهة بين الطرفين ستكون بعد رحيل سليماني عكسها تماماً، وإن الأيام المقبلة ستظهر حجم الرد الذي قد لا يكون مواجهة شاملة.
وبقول المجلس الأعلى للأمن القومي: “لقد ارتكبت أميركا خطأ استراتيجياً في غرب آسيا، والولايات المتحدة لن تنجو بسهولة من عواقب هذا الحساب الخاطئ”، ما يعني ان ساحة المواجهة ستكون على امتداد تواجد فيلق القدس.
من يفهم العقل الإيراني يدرك أن إيران قد تمرر إغتيال عماد مغنية من دون رد، لاعتبارها أنّ الرد شأن “حزب الله” أولاً، لكن أن يكون الموضوع على صلة مباشرة بالأمن القومي الإيراني، ويتم استهداف رجل ايران الثاني بعد المرشد الأعلى السيد خامنئي فهذه مسألة لا يمكن أن تقطع من دون ردّ، أو أن يكون الردّ الموعود في منطقة رمادية.
عندما تجرأ الاميركي ودخل مياه الخليج أسقط الايراني طائرة اميركية، ومع مقتل أهم رجل في إيران بعد خامنئي مباشرة والذي يُعد اليد اليمنى للمرشد الأعلى والذي يعين من قبله وينعى من قبله، فاستهدافه يُعد استهدافاً للمرشد الأعلى مباشرة.
منذ اللحظة الأولى تعاطت إيران مع اغتيال سليماني على أنه إعلان حرب لم تكن تريد خوضها في السابق، لكن أما وأنها فُرضت عليها فلا مانع من دخولها. على أنّ شرط الايراني ان يكون الردّ مشابهاً للعدوان في حجمه وأهميته وأن يكون معلناً.
وإزاء ما حصل كان بديهياً أن تتوجه الأنظار نحو لبنان من ناحية تشكيل الحكومة الذي كان قاب قوسين أو أدنى بحسب إعلان المعنيين بالتشكيل، لكن عملية اغتيال سليماني ألقت بظلالها على المشهد الدولي والاقليمي وضمنه لبنان. وإذا كان هذا البلد لا يزال حتى الأمس يعيش ثمار هدنة انجزها سليماني مع الاميركيين في العراق ولبنان، فإن السؤال هل يمكن لهذه الهدنة أن تسقط مع سقوط مهندسها. وهل يمكن أن نعود إلى الوراء في مسألة تشكيل الحكومة التي كانت حتى الأمس القريب قاب قوسين أو أدنى من التشكيل؟
قبل ثلاثة أيام عبّر الرئيس المكلف حسان دياب امام احد المقربين عن مخاوفه من خطورة تدهور الوضع في العراق ما يستوجب الإسراع في تشكيل الحكومة. كان الانطباع ان حكومة دياب ستكون حكومة التسوية مع الأميركيين. لكن مصير هذه الحكومة قد أصبح عالقاً بين احتمالين: إما ان التطورات الخطيرة التي حصلت تشكل حافزاً للإسراع في التشكيل أو أن يتم التريث ريثما تنجلي الرؤية بعد اغتيال سليماني. في الوقائع المحلية، كانت اتصالات التأليف انتهت عند الإجتماع الذي جمع الرئيس المكلف حسان دياب مع رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل والذي لم يكن إيجابياً بالمطلق. اتفق الرجلان على عناوين واختلفا على أخرى وبقي التوافق بينهما عالقاً.
لا يبدو دياب منسجماً مع القوى السياسية في ما يتعلق بآلية عمله وطريقة تعاطيه مع التشكيل والتي لم تعتدها القوى السياسية بعد.
يريد الرئيس المكلف ان يشكل حكومة تكون بمثابة فريق متجانس يمكن ان يتعاون معه ضمن برنامج عمل انقاذي، لكنه يصطدم بتوزيع الحصص والحقائب، هذا الاختلاف في وجهات النظر عبّر عنه باسيل صراحة في اجتماعه مع دياب، من خلال اعتراضه على الحصص المخصصة لـ “التيار” في الحكومة حيث بادره الى القول: “كيف لي ان أقبل بأربع حقائب وكان لدي الثلث المعطل في الحكومة السابقة”؟
وإن أغلب الظن أن “حزب الله” استطاع التوافق مع باسيل على ابداء مرونة في التشكيل، غير أن أي طرف لا يملك معلومات عن التطور الذي دفع الى سلبيته في التعاطي، علماً أن وزير الخارجية الذي كان ينوي الإعلان عن خطوات إيجابية أمس فضل التريث هو أيضاً عطفاً على تطورات الوضع في العراق.
وعطفاً على التطورات في العراق واغتيال سليماني ربما يكون “حزب الله” هو ايضاً فضّل التريث في التشكيل اياماً قليلة، خصوصاً أن “حزب الله” سيكون منهمكاً بتداعيات الاغتيال وربما البناء عليه، في انتظار الموقف الذي سيخرج به الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله يوم غد الأحد. ولو أن بعض المطلعين على اجوائه توقعوا ان يشكل اغتيال سليماني حافزاً للتسريع في التشكيل تطويقاً لأي تداعيات محتملة نتيجة ما حصل، خصوصاً أن أمام هذه الحكومة أعباء ضخمة وكارثية فما بالك مع التحدي الجديد على المستوى الإقليمي؟.