*زياد سامي عيتاني
في أيام الشتاء الباردة، وفي كوانين وشباط، وفي السهرات "الشتوية"الطويلة، حيث يجتمع الأهل في البيت الواحد ويلتم الشمل، الأب والأبناء والبنات والخالات والعمات وأحيانا ً ضيوف من الأقرباء ، في البيوت البيروتية القديمة، ويكون "الكانون" الممتلئ بالفحم وهو ينثر الدفء من جمره المشع. وفي الخارج يسمع نزول المطر وأصوات الريح والعواصف، وبعدما تكون الستات قد إنتهين من تأمين كل مستلزمات السهرة من طعام، خصوصاً الأكلات الدافئة، والحلوى التي تحضر في المنازل، إضافة إلى المشروبات الساخنة كالشاي والقهوة العربية و السحلب و"الإينار"... عندها يحين وقت راحتهن ولهوهن وتسليتهن، فيفرشن "رقعة البرجيس" على السجادة وينقسمن إلى فريقين للتحدي فيما بينهن...
•لعب وغش و"تزويك":
كن يقضين سهرتهن بين اللعب والمزح والضحك والغش و"التزريك" والأهازيج ومنها:
معها نقضي ليالي ...
فرح وسرور وهنا...
وترتاح معها النفسية ...
برسيس حلو ومرتب ...
وكله مشغول بإيدي ...
وبيجتمعوا بالسهرة ...
الجيران والاهلية...
وما ننسى الحلوة سعدية...
نعزمها الصبح بتجي العشية...
هاتي هالبرجيس يافوزية ..
وقهوتنا ..حليها شوية...
وتبدأ اللعبة بشروط..
والمغلوب يحلينا بنابلسية...
دست وبنج ودواء...
والشكة فيها بركة...
والبارة خسارة...
وان لحقها دست وبنج...
صارت احلى تجارة...
وحجرك المدودب....
بيستنى الخال...
ليفوت المطبخ...
مرتاح البال...
وهز الودع بحنية...
واضمر وصفي النية...
وهات الدست والشكة ...
ومن البارات كمية...
ويصير الحظ ضاوي ...
وتشعل هالليلية...
وتعلى اصوات الضحكات ...
وتنتهي السهرة بغنية...
وكان من الممكن أن "دق" "البرجيس" يستغرق أحيانا ساعات، وقد ينتهي في ساعة واحدة (حسب الحظ)، هي إذن لعبة من ألعاب النَفَس الطويل جداً، تعلّم الصبر والحنكة والذكاء، مقرونة بالمزاح والتنكيت.فكن يرددن بلهجتهم البيروتية التقليدية الخالية من التصنع و"التفرنج": "لما بتجي (الشكة)بيقولوا وراها: (فكة)، و وقت بتجي (البارة) بيقولوا وراها: (خسارة)، أما وقت يجي (دستين) ورا بعض بيقولوا: (ديستين الله يجيرنا من العين)"...
وفي ختام اللعبة، فإن المغلوبة تؤدي ما يطلب منها، من رقص أو غناء أو تهريج. وقد يستمعن إلى حكواتية مسنة إلى نهاية السهرة.
ثم يتبارين في قول الأمثال. ويتندرن برواية النكات والفكاهات.
•أصل لعبة "البرجيس":
"البرجيس" لعبة شعبيّة ذات أصول هنديّة وهناك من يعزو أصولها بأنها فارسية، معروفة في تراث بلاد الشام، حيث إنتشرت مع بداية القرن العشرين في سوريا ولبنان وفلسطين والأردن بشكل كثيف، وكانت تدخل كجزء من جهاز العروس.
-يتبع: مكونات وقواعد لعبة "البرجيس".
*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.