انحسرت العاصفة ، فتأهبت البواخر المرابطة في حوض مرفأ صيدا الجديد للمغادرة بعد احتجاز الأنواء لبعضها لأكثر من عشرة أيام .
انحسار العاصفة تزامن مع انتهاء أزمة الباخرة المصرية "دالاس" التي بقيت محتجزة في مرفأ صيدا لأكثر من ثمانية أشهر مضافا اليها شهر العاصفة . هذه الباخرة التي كانت وصلت الى المياه الاقليمية اللبنانية في آذار من العام 2019 قادمة من ميناء الاسكندرية وعلى متنها حمولة من الرخام المستورد من مصر ، لصالح احد التجار في الجنوب ، قبل ان يتبين ان اضراراً لحقت بجزء من الحمولة فرض التاجر تسلمها وما لبث الأمر ان تطور الى دعاوى قضائية كانت نتيجتها حجز الباخرة لأكثر من ثمانية أشهر حتى تم التوصل الى تسوية تقضي بتقاسم كلفة الأضرار بين الأطراف المعنية بالحمولة .
طيلة هذه الفترة بقي معظم طاقم الباخرة " دالاس " المؤلف من قبطان واكثر من 8 بحارة وتقنيين مقيمين فيها داخل حوض المرفأ ، بينما غادر قبطانها الأول بسبب طول فترة الحجز وحضر قبطان آخر من مصر لتسلم مهامه .
يقول وكيل الباخرة "دالاس " ابو عمر بشاشة " وصلت الى مرفأ صيدا في 29 آذار 2019 قادمة من ميناء الاسكندرية محملة بالرخام ، و"صار فيه تكسير لبعض الرخام على الطريق " واختلفوا هم وصاحب البضاعة ، ثم تطورت الخلافات اضطر صاحب البضاعة والوكيل لحجزها حتى حل المشكلة وطالت القضية حوالي 8 اشهر الى ان تمت تسوية الموضوع منذ حوالي الشهر وصدر حكم بفك الحجز .. والآن يتم تهيئة الباخرة للمغادرة بعدما مضى عليها في مرفأ صيدا نحو 9 اشهر ونصف وان شاء الله خلال عشرة ايام تغادر وربما نعود ونشحن بها بضائع من هنا اذا كان كل شيء طبيعياً ".
ويعتبر بشاشة ان توافر شروط الحماية البحرية في مرفأ صيدا الجديد مكن الباخرة من البقاء طيلة هذه الفترة في ظروف آمنة من العواصف الطبيعية ، متوجها بالشكر لمديرية النقل البحري والمديرية العامة للأمن العام ومديرية الجمارك على ما قدموه من تسهيلات ومواكبة لقضية الباخرة دالاس وللإشراف الدائم على حسن سير العمل في مرفأ صيدا .
ويشير كبير مهندسي الباخرة محمد متولي الى انها تخضع حاليا لعملية صيانة شاملة وانه طلب قطع غيار لبعض محركاتها حتى يعاد تشغيلها بشكل طبيعي كون رسوها طوال هذه الفترة أثر عليى جهوزيتها للإبحار. قال قبطان الباخرة المصري عادل طحان " نأمل ان ننجز اصلاحها وتحريكها في اقرب وقت . نحن نعمل بأقل الإمكانيات المتوافرة وهناك امور تتعلق بالسلامة العامة لا نستطيع ان نغادر دون تأمينها .
وداخل مطبخ صغير على متن الباخرة " دالاس" ، امضى الطباخ المصري عمر سعيد أكثر من تسعة أشهر متواصلة في طهي وتحضير الطعام لطاقم الباخرة . فترة هي الأطول التي يمضيها بشكل متواصل على باخرة راسية في ميناء ، رغم انه يعمل بهذه المهنة على البواخر منذ العام 2009 .
يقول عمر وهو من محافظة الشرقية في مصر ، ان الظروف التي مرت بها الباخرة طوال الأشهر التسعة التي مرت أبقته في حالة استنفار دائمة لطهي الطعام واعداده للطاقم بمساعدة وكيل الباخرة الذي كان يقوم بتأمين المواد الغذائية الأساسية لهم .
ويضيف عمر انه يحضر يومياً ثلاث وجبات، واحياناً اربع وجبات اذا استدعى الأمر وكان هناك عمل اضافي للطاقم ليلاً ، وانه خصص لهم ليلة راس السنة مائدة خاصة تميزت بـ" الباربكيو " لتغيير الأجواء ،.وانه على تواصل عبر "الواتس أب " مع عائلته التي لم يرها من شهر آذار الماضي .
الباخرة " زمزم "
وعلى مقربة من الباخرة " دالاس " كان طاقم الباخرة التجارية " زمزم " التي وصلت الى صيدا اوائل كانون الثاني الجاري يستعد للمغادرة بعدما احتجزتها الأنواء البحرية طيلة أكثر من عشرة ايام .
ويشير قبطان الباخرة السوري عدنان جوهر ( 54 عاماً) الى انه اعتاد وطاقمها المؤلف من عشرة افراد المبيت لفترات طويلة على متنها ابان العواصف ، ويقول " خلال الشتاء ننتظر عادة النشرة الجوية عبر الأرصاد او من الجهات الملاحية ، لنعرف موعد وصول العاصفة ونتخذ على اساسه التدابير الاحترازية لتأمين الباخرة قبل ان تصل الى وجهتها ، او نأوي بها الى الى ميناء او جزيرة ونبقى مرابطين هناك لحين انتهاء العاصفة ..".
ويضيف " نحن وصلنا الى صيد في 3 الشهر نشحن رخاماً ، على اساس ان نتوجه بعدها الى انطاليا في تركيا ، لكن العاصفة أخرتنا لعشرة أيام . خلال هذه الفترة نقوم دائما باخضاع الباخرة لعملية صيانة دائمة .ونمضي الوقت في العمل ونبقى بحالة جهوزية ونتسلى في بعض الأوقات بمشاهدة التلفزيون عبر الانترنت ولعب الورق " .
ويقول القبطان جوهر الذي امضى اكثر من ثلاثة عقود في البحر ويتقن اللغات " الانكليزية واليونانية والرومانية " تعلمها من خلال الاختلاط مع جنسيات أخرى ، انه غادر مسقط رأسه طرطوس في سوريا منذ خمسة اشهر ومنذ ذلك الحين لم ير عائلته لكنه يتواصل معهم هاتفياً ، وانه قام خلال هذه الأشهر الخمسة بالعديد من الرحلات بمعدل رحلتين او ثلاث في الشهر" . ويضيف " امضينا راس السنة هنا ومعظم الأعياد نقضيها في البحر او في الموانىء حيث نعمل على خط "مصر - صيدا - تركيا " وسابقا ايطاليا واسبانيا .
ويشير الى ان للبحر حسناته عندما يكون هادئا وسيئاته عندما يكون ثائراً وفي اوقات العواصف". ويتابع " بالنسبة لمرفأ صيدا الجديد كان كل شيء آمناً لبقاء الباخرة بمنأى عن العواصف بمساعدة وكيل الباخرة الحاج خالد الترياقي الذي يواكبنا يومياً وعلى مدار الساعة . لافتاً الى انه في السابق وقبل انجاز مرفأ صيدا الجديد "كنا اذا ادركتنا عاصفة في بحر المدينة نضطر للجوء الى مرفأ بيروت وكان ذلك يكلفنا مصاريف كبيرة" .