10 آذار 2020 | 20:48

خاص

عمر الزعني...تاريخ فني- نقدي للحاضر المؤلم!الجزء(٦/الأخير): السياسيون والشعب المسكين

عمر الزعني...تاريخ فني- نقدي للحاضر المؤلم!الجزء(٦/الأخير): السياسيون والشعب المسكين
المصدر: زياد سامي عيتاني

زياد سامي عيتاني*

ما حدا بيعمل إحسان،

غير للجاه والإعلان،

وإن قدّم خدمة خفيفة،

بكون طمعان بنيشان،

يا موعود بوظيفة،

مين بيدعي وبصلّي،

وما بيطلب الغفران؟!

*

والدليل والبرهان،

ما حدا اهتمّ بمشروع،

إلا وقال يا ربّ نفسي،

وكل غايته من الموضوع،

إنه يوصل للكرسي،

قَطيعة تقطع هالكرسي،

*

الكرسي سرّ الأسرار،

أقوى من سحر السحّار،

هو الطمع للأنظار،

هو الميزان والمعيار،

وركوبه ركوب الأخطار،

ونعيمه جحيم ونار،

وللصبية كبار وصغار،

واقعين بحبّ الكرسي،

*

أكبر ناسك لو جابوه،

عالكرسي بينسى أصحابه،

بينسى أهله وأحبابه،

وأبوه لو بقصد بابه،

ما بيلاقي غير حجّابه،

مين رح يوصل أعتابه،

مين بيحضى بجنابه،

ما دام راكب هالكرسي،



*

الكرسي معشوق فتّان

بيشيّب عقل الإنسان

بيفرّق بين الإخوان

بيوطّي مين كان له شان

وبيعلي قدر الهفيان

بيزغزغ النيّة والوجدان

وأهل الدِين والإيمان

بيفسدهم حبّ الكرسي

قطيعة تقطع هالكرسي...



*

كلمات قصيدة نظمها عمر الزعني سنة ١٩٤٤ تختزل وتختصر مفهوم اللاهثين وراء المناصب السياسية والإدارية العامة لمصالح شخصية وأنانية ضيقة، بهدف الكسب غير المشروع وعقد الصفقات والسمسرات ونهب المال العام، تحت حجج وذرائع واهية، لا تعدو كونها شعارات براقة منمقة، أشبه ب"كليشيهات" موسمية يرفعونها في المواسم الإنتخابية وعند كل إستحقاق مرتقب، وتبقى فارغة من أي مضمون دون أن تجد طريقها إلى التنفيذ، عملاً بالمثل الشعبي: "عالوعد يا كمون" !!!

فهو ببلاغته وعمقه ونظرته وبساطة تعبيره النقدي لخص المشكلة (ما زالت مزمنة وترامة ومتزايدة) بكلمة واحدة ألا وهي "الكرسي" (!)

•على ضهر الشعب المسكين:

وهذا النمط والنموذج السيء من إستغلال المناصب العامة من قبل السلطة السياسية والعاملين في الإدارات العامة جعله يوجه سهام كلامه النقدي المحق في إتجاههم، وأن ينحاز إلى الشعب الذي سمعاه "فنان الشعب"، وهو الصوت الصارخ والمعبر عن سخطه وغضبه، لا سيما وأن هذا الشغب هو دوماً ضحية الفساد السياسي والإداري، وبالتالي هو من سوف ثمن هذا الفساد من خلال رفع وزيادة الرسوم والضرائب لتغطية عجز الموازنة (لم يتغير شيئاً!)، فقال الزعني في ابعام ١٩٦٠ في توصيف حالة الشعب:

كل ثلاث أربع أشهر،

بتتغير الدواوين،

بيتبدل المأمورين،

ينزل ناس،

بيطلع ناس،

على ضهر الشعب المسكين،

*

بتتغير السياسة،

بتتبدل الرياسة،

لما بتضيع الطاسة،

بتتقسم المغانم،

على ضهر الشعب المسكين،

*

بتتشكل وزارة،

بغمزة من فوق وإشارة،

بيجي درويش طبارة،(تاجر أسهم نارية)

بيقرص فتيش وسهوم

على ضهر الشعب المسكين،

*

بيطلع مجلس النواب،

بتزلغط الأحباب،

والخدام والحجاب،

على ضهر الشعب المسكين،

*

وإن صار عجز بالآخر،

بتتشطب الدفاتر،

رسوم وضرايب،

على ضهر الشعب المسكين...

•الحالة هيه هيه:

أمام الواقع المتردي للأداء السياسي من قبل الرؤساء والوزراء والنواب، وبدلاً من العمل على معالجة الفساد والقيام بالإصلاحات اللازمة لذلك، عمدت الطبقة السياسية مراراً على زيادة أعداد المقاعد النيابية في إطار توزيع وتقاسم المغانم فيما بينها على قاعدة ال ٦/٦ مكرر، الأمر الذي دفع الزعني إلى تصويب غضب سهامه الشعرية الجارحة تجاهها، قائلاً:

النواب كانوا عشرين،

عملوهم خمسه وخمسين،

زادوهم سبعه وسبعين،

(-) إم أربعه وأربعين،

قالوا بكرا سته وستين،

لو صاروا تسعه وتسعين،

ودركبهم للميه،

الحالة هيه هيه...

•وصف مشهد الإنتختبات:

ويصف مشهد الإنتخابات التي يتخللها الحفلات والولائم وإطلاق الوعود المعسولة والأحلام الوردية كشكل من أشكال الرشوة الإنتخابية بشكل دقيق، فيقول:

ما بشوف غير عزايم،

غير حفلات وولايم،

يا سلام شو في مرشحين،

من كتائب ونجادين،

من تجار وربحانين،

وشركات إستثماريين...

أما عن الوعود التي يطلقها المرشحون المنتمون للأحزاب أو من أصحاب الثروات فقيول:

مطاليبكم مفهومة،

مصايبكم معلومة،

والخطة مرسومة،

وحافظها عن غايب،

بس إنتخبوني نايب،

*

أول بند من الأربعين،

بخلي السما تشتي طحين،

والأرض تنبع بنزين،

بلا رسوم وضرايب،

بس إنتخبوني نايب،

*

محسوبكم غير النواب،

ما بنسى فضل الأحباب،

وما بوظف إلا الشباب،

وما بخلي موظف شايب،

بس إنتخبوني نايب...

لكنه ما يلبث أن يصور شعراً ما يحصل بعد إنقضاء موسم الإنتخابات من تنكر لكل الوعود ونفض اليدين من كل ما إلتزوا به من مشاريع بعد وصوله إلى الكرسي بقوله:

بس يتكمش بالكرسي،

بقول يا رب نفسي،

لكن ما هو عليه،

الحق عللي خلاه يصير نايب...

•وينه إلاي بيشكي وينه؟:

لكنه في المقابل، لم يسلم ذاك الشعب الذي وصفه الزعني بالمسكين من إنتقاده، محملاً إياه بإنتاج نفس الطبقة السياسية عند كل إستحقاق إنتخابي، متهماً إياه ببيع صوته وضميره لمن يشتريه لقاء التوصيت له، فنظم قصيدة حملت عنوان: "وينه؟"، هي بمثابة "حطة عين" على كل من يشتكي الساسة ويعيد إنتخابهم، حيث جاء فيها:

وينه إللي بيشكي وينو،

في حساب مبير بيني وبينو،

بدي شوفو لمين حيصوت،

حتى حاسبو وحط على عينه،

*

بيبيع صوته بعشرين ليرة،

ثمن تزكه وسكرة بيرة،

وبيجي بقول يا أهل الغيره،

سرقوا الكون سرقوا الميره،

أكلوا البيضة والتقشيره،

والشعب مسكين عالحصيره،

*

بعشرين ليرة باع إيمانه،

خان ضميره وخان وجدانه،

خدع أعله وغش إخوانه،

وجر الويلات على أوطانه،

وصفى يبكي على لبنانه،

*

بقى له سنين وهو يصوت،

حله يعرف بقى هالأخوت،

مين الطيب مين الميت،

وأيا نائب ريحته طلعت،

وأي مرشح صوفته آحمرت،

وعالمجلس لازم يفوت،

وعشره عشره يفتح عينو...

•هيك شباب بدو هيك مجلس نواب:

تدور العقعود والسنين دورتها السياسية، تتغير الوجوه وتتغير العهود، وتبقى نفس الوعود، وتبقى نفس الممارسات وتتعاقب السلطات، وتبقى نفس المطالب والإحتجاجات، وكأن الماضي حاضرٌ وقابضٌ على مسار حياة اللبنانيين ومعاناتهم(!) ما يجعل ما قله عمر الزعني السابق لزمانه، منذ منتصف القرن الماضي، يائساً من أي تغيير،ينطبق على واقع الحال:

حاجي حكي حاجي عتاب،

فضوها بقى وسدوا هالباب،

خلصنا وشطبنا الحساب،

هيك أمة وهيك شباب،

بدها هيك مجلس نواب،

وبالحقيقة لازم نقر...

-إنتهى(الموسم القادم مخصص للقضايا الإجتماعية).

*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

10 آذار 2020 20:48