12 آذار 2020 | 17:00

هايد بارك

صورة أُلتقطت في الماضي ترسم أحداث رواية "بنات حوّاء الثلاث"-إيناس تميم

كتبت  إيناس تميم:

الاحساس بألم فقدان الأب لم يصلني من "بيري"، فقد كانت متعلقة بوالدها أشد تعلق وقريبة منه بالنمط و التفكير، حتى لو كانت تحاول دائماً التوازن بينه وبين والدتها.

فقدت الرواية فصلاً أو جزءاً يتكلم عن كيفية خسارتها لوالدها، عن تفاصيل الدفن والعزاء، فكان مهم من المؤلفة أن تعطي أهمية أكثر لهذا الموضوع، لأنه كان يثير القلق طوال الرواية، وليس هذا فقط بل تم ذكر الوفاة في سطور قليلة وليس أكثر، عبر وصف الوضع العائلي الحالي للوالدة "سلوى" التي تفتقده على الرغم من التضارب بينهما بالافكار وطريقة العيش.

هذا الجزء بالنسبة للقارئ كان مشوقاً ومنتظراً، وبنفس الأهمية أيضاً هو كيفية التعرف على زوجها "عدنان" الذي انتشلها من الحالة السابقة والماضية، و دوره المهم في تخطيها، فقد تم التطرق الى هذا الموضوع بأكثر من فرصة في الرواية لكنه لم يأخذ حقه كما يجب، فهنا أيضاً تشوق القارئ لمعرفة جريان الأحداث بعد العودة من أكسفورد، وكيف كان واقع الصدمة على الأهل بأن لم تنهي سنوات التعليم.

كيف كان موقف الوالد بشكل محدد، وهل كان لايزال على قيد الحياة؟ أو هل توفى من حالة الصدمة؟ وما هي ردة فعل سلوى على العودة؟ هل كان شماتة بالوالد وبرأيه؟ أو هل حزنت بداخلها على هذه العودة وألماها الموضوع ولم تتحدث به بالعلن؟ أو أنها تحدثت وزجرت أبنتها أجبرتها على الزواج؟ فكان "عدنان" هو الزوج المثالي لأحدى العائلات التركية وتزوجته بعد اصرار والدتها ، ومن حسن حظ"بيري" ، فقد كان متفهما ومتطور التفكير وغير معقد.

هل أحبته قبل الزواج أو بعد الزواج؟ وكيف كانت العلاقة في أولها؟ ولم نعرف أن لديها تؤام ولم تأتي بالذكر الا عبر اتصال هاتفي مع "شيرين" من داخل خزانة في ممر منزل فخم جداً خلال حفل عشاء انتهى بشكل غامض، فلم أفهم الى هذه اللحظة لماذا اختارت "أليف" هذه النهاية.

قبل الدخول في نهاية الرواية، سأذهب بزيارة وجولة الى أكسفورد الى صف الاستاذ "أزور" "عن الربّ..الخير والشر...العلم والايمان...الوجود والموت" ص.198، هكذا وصفت الكاتبة الصف عبر لسان "شيرين" عندما كانت تقنع "بيري" بالاتحاق به.

ماأعجبني بهذا الصف هو التصوف الذي يختلج كتابات "أليف" دائماً، إذ أن كل قارئ لهذه الرواية سيتابع الصف.

لقد جمعت أليف عبر رواية واحدة طلاب من مختلف الاعمار والجنسيات والمذاهب والمعتقدات الدينية وغير الدينية الايمانية وغير الايمانية، التوحيدية، مختلف الثقافات حضروا الصف، وتابعوا دروسه من دون التسجيل في جامعة أكسفورد ومن دون العودة الى 2001 أو أوائل الالفينيات.

لقد استطاع كل من حاز على هذه الرواية لو باللغة المترجم اليها او اللغة الاصلية التي نُسجت فيها الولوج الى المادة. لقد كان الصف المكون عادةً من 10 طلاب، وبهذا الفصل 11 طالباً استثنائياً. كان يضم مئات من الطلاب الموزعين على أماكن وبلاد مختلفة يستطيعون المشاركة من دون ان يتطلب منهم أي بحث أو امتحان، ولقد اكتسبوا مهارة جديدة في التعليم والتعلم، تأخذهم برحلة استكشافية لأنفسهم.

العودة الى نهاية الرواية، لم أعلم لماذا "أليف" اختارت هذه النهاية، فلقد أحسست بأنها ليست على المستوى المطلوب أو انها نسخ ولصق ولا تليق بها، لقد أتت النهاية من رواية بوليسية تركية على أميركية، اختزلت الطريق أو ضاعت فدخلت هذا المبنى والتصقت بهذه الرواية، لم أفهم الخزانة داخل الممر التي تتسع الى امرأة متزوجة انجبت اطفال،

منهم اثنين في بطن واحد وأصبحوا في عمر لابأس به، وفتاة في سن المراهقة، ولم أفهم أن الاصوات من الخارج فقط أتت اليها ولم يخرج صوتها على الرغم من إجراء اتصالين دوليّن وانتظرت "ألو" من احدهما طويلاً، نهاية غريبة.

كانت تريد أن تصف الوضع السياسي في تركيا آن ذاك، هل بدأ التخبط والانقلاب الفاشل ولكن بطريقة غير مباشرة، أو أن الامن في تلك البلاد منذ هذه السنة بدأ يتزعزع، أو اي شيء سياسي أو أمني ليس له علاقة بتاتاً في الرواية.

إن اطراف الحديث والمواقف التي حصلت في العشاء هي أحداث طبيعية وآراء عادية في كل البلاد والعشوات ليس متوقفاً ابداً على تركيا، بل هناك أكثر من ذلك في بعض البلدان.

بكل الأحوال "أليف" اختارت نهاية لها "ريتم "او موسيقى عُنفية كما بدأت به الرواية، فقد قوست أحداث رواية وجعلتها محاصرة بين حدثيّن عنفيّن وكأنها تريد أن توجه رسالة بأن الوضع الاجتماعي، السياسي والامني بدأ يتعنف في تركيا، وتريد أن تلحظه قبل فوات الاوان.

رواية جميلة جداً من مضمون الداخلي وأحداثها تترواح بين 2001 الى 2016، تجول في أزقة أكسفورد وأزقة تركيا، تاركة للقارئ فن رسم هذه الأزقة في مخيلته رغم وصفها الدقيق لها، وتاركةً له/ها أيضاً السباحة في بحر المشاعر والافكار المتناقضة والمضطربة في الوقت عينه.

الرواية "بنات حوّاء الثلاث" لـ أليف شافاك المؤلفة التركية، ترجمة محمود درويش عن دار الاداب – بيروت، تصميم الغلاف نجاح طاهر، صدرت الطبعة الرابعة عام 2019، تتحدث عن فتاة اسمها " نازبيري نالبانتوغلو" من عائلة متواضعة تتألف من أم متشددة دينياً، أوميد الاخ الاكبر، هاكان الاخ الذي تزوج لاحقاً ومن والد يساري التفكير، تتعرف لاحقاً بعد التحاقها بجامعة أكسفورد "شيرين" و "منى"،أترك لكم مطالعة الاحداث والمعرفة من رواية "فكرية بامتياز" كما وصفها المترجم.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

12 آذار 2020 17:00