18 آذار 2020 | 22:17

المكتب السياسي

ضبط "القرية الكونية" .. بعد "كورونا" - زياد ضاهر

ضبط


كتب زياد ضاهر (*):

ما يصيب المواطن الصيني في يوهان يمكن أن يصيبني في بيروت!!

"القرية الكونية" ، تشبيه لطالما قرأناه في معرض توصيف التطور التقني في القرن الماضي و الحالي، توصيف وضع العالم الواسع في تشبيه لقرية صغيرة يتجاور فيها الناس و تجمعهم يوميات شديدة القرب و التقاطع.

منذ نشأة العلاقات الدولية بعد اتفاقية وستفاليا 1648 أصبحت لمجتمع الدول قضايا مشتركة وحراك دولي انتج تشكيلات دولية مختلفة ابتداء من عصبة الأمم عام 1919 وصولا الى نشأة منظمة الصحة العالمية التي ولدت كأحدى المنظمات التخصصية عام 1948 والمنضوية تحت راية الأمم المتحدة التي ولدت عام 1945.

شغل مبدأ السيادة و عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول مساحة واسعة في مجال العلاقات الدولية، وهو مبدأ تأسيسي للامم المتحدة و للمجتمع "الوستفالي" برمته، لطالما حكم علاقات الدول فيما بينها و كان سبباً في نشوب حروب وثورات بهدف الدفاع عن السيادة كعنصر مؤسس للدولة و شكل أحد المسلمات الوطنيه لكل شعب من شعوب العالم.

أمام اجتياح فايروس "كورونا" لحدود وسيادات الدول التي حل فيها و اصاب الملايين من مواطنيهم، يعود البحث في كيفية مواجهة المخاطر الدولية والانسانية وضبط "القريه الكونية"، و هنا نذكر مبدأ التدخل الانساني الذي تخطى اشكالية احترام سيادة الدول و عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول لاسباب انسانية على الرغم من أنه لم ينجُ من الاستخدام السياسي خدمة لمصالح وأهداف سياسية.

فشل العالم في احتواء وباء الكورونا، الذي سيشكل محطة تاريخه تشهد تحولا في العلاقات الدولية، و تحديدا في ما ارتبط بسيادة الدول. وهذا يرتب مسألتين اساسيتين:

المسألة الاولى: لماذا انتقل الفايروس من يوهان (الصين) و قم (ايران) ووصل الى اسقاع العالم؟ يجب المحاسبه على عدم الالتزام باللوائح الصحية الدولية التي أعلنت عام 2005، وهذا يستوجب تحقيقا دوليا يمكن اطلاقه تحت الفصل السابع كون ما حصل يشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين وهذا ما يجعل مجلس الأمن مدعوا لممارسة صلاحياته. و اللوائح الصحية الدولية هي اطار عالمي للوقاية من انتشار الأمراض على الصعيد الدولي والحماية منه ومكافحته. وهي ملزمة قانونا ل194 دولة من خلال اكتشاف وتقييم الأحداث، والتبليغ عنها والتي قد تؤدي إلى حالة طارئة في مجال الصحة العمومية قد تثير قلقا دوليا.ً وكان دخول هذه اللوائح حيز التنفيذ في 15 يونيو/حزيران 2007 علامة مميزة للصحة العمومية.

ان تحقيقا دوليا يحدد المسؤوليات يشكل مسألة ضرورية وملحة، على أن ينتج عنه اتخاذ العقوبات الفعاله بحق الدول التي لم تلتزم بالقوانين الدولية الملزمة في مجال الوقاية من انتشار الأمراض. لا شك أن التحقيق سيضع حدا لنظرية المؤامرة و سيناريوهات احتمال وجود ايادي خفية وراء هذا الانتشار المفاجئ لفايروس "كورونا" أو انه جزء من حرب بيولوجية. ليست المرّة الأولى التي يتعرض فيها العالم لوباء يجتاح دوله، ولكن ، اذا كانت السياسة وموازين القوى قد همشت وهشمت دور الأمم المتحده فهذا الوباء الذي لم يفرق بين انسان وآخر أو جنسية وأخرى، وحّد الدول و الجنسيات والأعراق امام نفس المخاطر، ولن ينجو منها احد!.

ان اتخاذ قرار دولي بالتحقيق و المحاسبة سيضع الدول المقصره بحماية مواطنيها أمام مسؤولياتها و سيكشف تقصيرها امام شعوبها بعيدا عن دور القضاء المحلي في هذه الدول و مدى استقلاليته، اضافة الى تحديد مسؤولية الدول التي لم تقم بما عليها لتمنع خروج الفايروس عن السيطره أو اذا تم تصديره لدول اخرى في سياق استثمار دنيء للاحداث خدمة لاهداف سياسية.

المسألة الثانية : هل تنفع بروتوكولات مواجهة الاوبئة للحد من انتشارها بوجود قطاع صحي متردي ينهش فيه الفساد؟

ان التساؤلات عن كيفيه مواجهة هذا الوباء سيعيد الاعتبار لدور الأمم المتحدة و المنظمات المتخصصة ومنها منظمة الصحة العالمية، و سيضع الدول وحكوماتها و المنظمات الدولية أمام تحدٍ جديد يتمثل في كيفية وضع سياسة صحية دولية تتضمن بروتوكول يضع الخطوات اللازم اتخاذها.

ان اي مواجهة دولية لوباء آخر يستلزم تقييم جهوزية القطاع الصحي في كل دولة، وهذا يفرض تزايداً للسياسات التدخلية في شؤون الدول الداخليه لاهداف انسانية قبل حدوث الوباء، اي الاجراءات اللازمه لفرض حد ادنى من جهوزية القطاع الصحي في كل دولة من دول المعمورة.

ان تقييما دقيقا للقطاع الصحي لاي بلد يحتاج الى آليات تنسيق مع القطاع الصحي الخاص والحكومي لرسم خارطة طريق توصل القطاع الصحي الى حد ادنى لمواجهة اي وباء او ازمه صحيه محلية و الحد من احتمالات تحولها الى ازمة عالمية على شاكلة وباء "الكورونا".

يندرج هذا الأمر ضمن مسائل اصلاح الأمم المتحده و تطوير ادائها، في ضل المتغيرات التي تتزايد بعد مرور 75 عام على تأسيس الأمم المتحدة، الى جانب تحديات الأمن و الاقتصاد ومع ما حصل من نتائج لانتشار وباء كورونا أصبح الجانب الصحي مصدر لتهديد الأمن والاستقرار الدوليين.

(*) عضو المكتب السياسي في "تيار المستقبل"

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

18 آذار 2020 22:17