خيرالله خيرالله

4 نيسان 2020 | 19:59

كتب خيرالله خيرالله

نظام عالمي جديد... يُولَد من "كورونا"‏

نظام عالمي جديد... يُولَد من

ما لم يحصل في ضوء نهاية الحرب الباردة وتفكّك الاتحاد السوفياتي، سيحصل حتما بعد انتهاء ‏الحرب على وباء كورونا. انّها حرب يبدو انّها ستطول اشهرا أخرى، على حد تعبير رئيس ‏الوزراء البريطاني بوريس جونسون الذي كان يعتقد ان المسألة مسألة أسابيع ويعود كلّ شيء الى ‏حاله‎.‎

بعد سقوط جدار برلين في خريف 1989 وانهيار الاتحاد السوفياتي رسميا في مطلع العام ‏‏1992، ساد انطباع ان العالم دخل مرحلة جديدة لا علاقة لها بتلك التي سادت بين مؤتمر يالطا ‏في 1945 وتحطيم الالمان لجدار برلين. انتصرت الولايات المتحدة في الحرب الباردة، لكنّ ‏انتصارها لم يكن من النوع الحاسم، اذ تبيّن ان قوى أخرى ستبرز وسيكون لها تأثيرها في ‏مناطق معيّنة‎.‎

في الواقع، تحرّرت دول أوروبا الشرقية التي انضمت دولها الى الاتحاد الاوروبي. الواحدة تلو ‏الاخرى لكنّ تحكّم الولايات المتحدة بمصير العالم بشكل كلّي لم يستمرّ طويلا، خصوصا مع ‏صعود نجم فلاديمير بوتين الذي ما زال يحلم باستعادة روسيا لامجاد الاتحاد السوفياتي ودوره ‏العالمي‎.‎

اذا كان من كلمة حقّ تقال، فهي ان بوتين، او القيصر الروسي الجديد، نجح في ذلك جزئيا بعدما ‏اثبت ان روسيا ما زالت قوّة عسكرية لا يمكن الاستهانة بها. ظهر ذلك بوضوح من خلال ‏استعادة شبه جزيرة القرم، ذات الاهمّية الاستراتيجية للاسطول الروسي، من أوكرانيا. شبه ‏جزيرة القرم هي في الاصل ارض روسية كان تخلّى عنها نيكيتا خروشوف لاوكرانيا التي كان ‏المسؤول الحزبي عنها قبل ان يخلف جوزيف ستالين في موقع الأمين العام للحزب الشيوعي ‏السوفياتي. لم يكن مهمّا وقتذاك ان تكون شبه جزيرة القرم اوكرانية ما دامت أوكرانيا جمهورية ‏من جمهوريات الاتحاد السوفياتي‎.‎

جاءت بعد ذلك الصين التي تحوّلت الى ثاني اكبر اقتصاد في العالم والتي باتت تمتلك استراتيجية ‏دولية خاصة بها، خصوصا بعد نجاح نظامها في قمع الثورة الشعبية التي ترافقت مع انهيار ‏الاتحاد السوفياتي. كان اهمّ تعبير عن مدى قدرة النظام الصيني على الذهاب في القمع، احداث ‏ساحة تيين ـ آن- مين في بيجينغ في العام 1989. استطاعت الآلة القمعية للنظام الصيني اخماد ‏ثورة شعبية عارمة حاول من خلالها الصينيون تقليد الالمان الشرقيين الذين كانوا في طريقهم الى ‏الانتهاء من جدار العار الذي قسّم برلين طويلا‎.‎

في عصر ما بعد كورونا، سيكون هناك نظام دولي جديد قائم على فكرة اهتمام كلّ دولة من دول ‏العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة الاميركية، بتطوير نظامها الصحّي. سيتوجب على كلّ دولة ‏التأقلم مع احتمال انتشار اوبئة من نوع جديد بعدما اخذ فايروس كورونا العالم على حين غرّة ‏وانتشر بالطريقة التي انتشر بها، خصوصا في أوروبا والولايات المتحدة‎.‎

اكتشفت أوروبا انّها لا تستطيع ان تكون كيانا موحّدا حقيقيا. مع مجيء كورونا، وجدت إيطاليا ‏نفسها في وضع من لا يستطيع الاتكال على الاتحاد الاوروبي. كان على نظامها الصحّي الذي ‏انهار فجأة التعاطي مع كارثة لم تتصور يوما انّها ستحل بها كما ستحلّ باسبانيا وحتّى بفرنسا. لا ‏شكّ ان حال الفوضى السياسية التي مرّت فيها إيطاليا في السنوات الأخيرة لعبت دورها في ‏وصول النظام الصحّي الى ما وصل اليه. من دولة تمتلك أحزابا قديمة تتنافس في ما بينها على ‏السلطة، اذا بايطاليا ضحية تجاذبات بين هواة في السياسة ينتمون الى أحزاب يمينية متطرّفة او ‏انفصالية لا برامج سياسية او اقتصادية واضحة بالنسبة اليها. حصل ذلك فيما الاتحاد الأوروبي ‏يعيش في ظل تجاذبات داخلية تعود الى أسباب عدّة. من بين تلك الأسباب توسيع الاتحاد ليضمّ ‏دولا فقيرة ذات اقتصاد هشّ من جهة وخروج بريطانيا من جهة أخرى. لعبت بريطانيا دورها ‏في تخريب الاتحاد الاوروبي من داخل عبر توسيعه وذلك كي يخفّ نفوذ الثنائي الألماني – ‏الفرنسي وما لبثت ان خرجت منه في ظروف غامضة الى حدّ كبير... لاسباب لا تزال واهية‎!‎

في كلّ الأحوال، ستتغيّر العلاقات بين دول الاتحاد الاوروبي في اتجاه مزيد من الاستقلالية ‏الأكيد انّه لن يكون هناك خطوات جديدة نحو مزيد من التكامل بين دول الاتحاد الأوربي. حلم ‏أوروبا الواحدة الموحدة صار اليوم ابعد بكثير مما يعتقد. ستظل الولايات المتحدة الاقتصاد ‏الأكبر والأكثر تطورا في العالم، لكنّ أسئلة كثيرة ستطرح فيها عن القدرة على مواجهة تحدّيات ‏جديدة. تبيّن بكل بساطة ان الولايات المتحدة، القوّة العظمى الوحيدة على الكرة الارضية، عاجزة ‏عن مواجهة كورونا. اكثر من ذلك، يستطيع كورونا شلّ قسم من الجيش الاميركي‎...‎

استطاع العلماء الاميركيون تفكيك جينات الانسان وطلاسمها والاقدام على فتوحات جديدة في ‏عالم الطب والذهاب بعيدا في تطوير الذكاء الاصطناعي. تحققت في اميركا قفزات كبيرة في ‏مجال العلم... الى ان واجهت كورونا. هذه عودة الى نقطة البداية تفرض مراجعة كلّ الانجازات ‏التي تحققت والبحث عن انجازات جديدة من نوع آخر بغية تحقيق انتصار على وباء تبيّن ان ‏مصدره الصين‎.‎

أي نظام جديد سينشأ بعد كورونا؟ الأكيد انّه لن يكون فيه مكان لدول مثل ايران التي نخرها ‏كورونا فيما لا تزال مقتنعة بانّها ستتحكّم بمصير المنطقة كلّها معتمدة على نظريات ذات طابع ‏غيبي وعلى ميليشيات مذهبية في حاجة الى تمويل مستمرّ‎!‎

ما هو اكيد أيضا ان قيما كثيرة ستتبدل. سيتوجب على كل دولة الاهتمام بامنها الداخلي وانضباط ‏الناس وبشؤون مرتبطة بنظامها الصحّي، اكانت هذه الدولة صغيرة او كبيرة. لكنّ ما هو اهمّ من ‏ذلك كلّه ان الانسان العادي سيعرف اكثر قيمة الحياة. سيتعرّف على قيمة الحياة مجدّدا وعلى ان ‏لا شيء يحميه من كارثة مثل كارثة كورونا يمكن ان تحدث في ايّ لحظة. استطاعت الولايات ‏المتحدة ارسال انسان الى سطح القمر. تحاول الآن معرفة اسرار المرّيخ... لكنها تقف عاجزة ‏امام وباء كورونا. صار مفروضا على دونالد ترامب الظهور يوميا للإجابة عن أسئلة الاميركيين ‏وطمأنتهم الى انّه يقود الحرب على كورونا وذلك كي يضمن ولاية رئاسية ثانية‎.‎

تغيّرت هموم الاميركيين الى درجة ان معركة الرئاسة الاميركية صارت مرتبطة بكورونا، لا ‏بالاقتصاد ولا بالسياسة ولا بالعلاقات مع الدول الأخرى. هل من دليل اكبر من هذا الدليل على ‏ان نظاما عالميا جديدا سيولد من رحم كورونا‎!‎

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

خيرالله خيرالله

4 نيسان 2020 19:59