كتبت هدى علاء الدين:
ما أشبه اليوم بالأمس، وكأن التاريخ يأبى إلا أن يعيد نفسه مع الرئيس سعد الحريري الذي لم يسلم منذ توليه الحكم من أشنع الحملات وألدّها عداوة وخصومة، وما أشبه حكومة الرئيس حسان دياب بحكومة الرئيس سليم الحص عشية انتخاب إميل لحود رئيساً للجمهورية عام 1998.
في 29 تشرين الأول 2019، عندما قدّم سعد الحريري استقالته من الحكومة اللبنانية لأسباب بات يعرفها القاصي والداني، وعندما أعلن في 14 شباط 2020 انتهاء التسوية السياسية التي لم تجلب له ولتياره سوى الانتكاسات وخيبات الأمل، قرّر حينها فك القيود والاتجاه نحو التحرر السياسي والابتعاد الطوعي والإرادي عن الحكم في ظل وجود من يحكم ليعرقل ومن يهاجم ليقصي، مانحاً نفسه وقتاً طويلاً للمراجعة الذاتية وأخذ قسط من الراحة لإعادة هيكلة تياره والبدء بمرحلة جديدة ليبني على الشيء مقتضاه.
إلاّ أنه ومنذ هذين التاريخين، يتعرّض الحريري إلى موجة منظمة من الهجوم والانتقادات التي تستهدف شخصه وتياره وجمهوره ومسيرة والده، ويخوض العديد من الحروب الباردة والمشتعلة، الصريحة والمستترة داخلياً وخارجياً.
عقلية الإلغاء والثأر
لا تزال عقلية الإلغاء راسخة في من انتهجها أسلوباً في التعاطي ولا تزال مشكلة المنظومة السياسية مع سعد الحريري تتلخص بالثأر من الحريرية السياسية ولا شي غيرها وإن تعددت الأدوات وتغيرت العناوين، منظومة داخل الحكم تريده بتصرفها وخارج الحكم تريد عزله، وما بين هذا وذاك يبقى خير من يعبر عنها قول المتنبي: "إن أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا".
لا يختلف اثنان أن تعيينات نوّاب حاكم مصرف لبنان الأربعة وأعضاء هيئة الرقابة على المصارف وما قابلها من إصرار الحريري على رفضها والتلويح بالاستقالة من مجلس النواب، ليست قصة رمانة بل قلوب مليانة فاض بها التعنت والتسلط والاستفراد والاستفزاز من حكومة ظل تتخذ من أزمة لبنان الصحية وسيلة للإسيتلاء على ما تبقى من مراكز الدولة، حكومة تتباهى بالإصلاح والتكنوقراطية، وتطيح بهما عند مفترق أول استحقاق.
من يدير هكذا حكومة يعي تماماً أنها فرصته الأخيرة للإستيلاء على المناصب المالية والنقدية في محاولات للانتقام لا للتغيير وللتشفي لا للإصلاح، وهي حتماً ستكون محكومة بالفشل المسبق.
من يدير هكذا حكومة يقوم بحرب إلغائية جديدة لحقبة سياسية واقتصادية دامت لثلاثة عقود وضعت لبنان على الخريطة العربية والدولية من جديد، حرب قائمة على ثلاث جبهات رئيسية:
1. تحميل "الحريرية السياسية" حصراً مسؤولية الانهيار الاقتصادي والمالي الذي وصل إليه لبنان، علماً بأن المنظومة الفاسدة التي واجهها رفيق الحريري هي نفسها التي يواجهها سعد الحريري اليوم، وبالتالي فإن هذا الانهيار هو حصاد ما زرعه المستشرسون من فساد في السلطة وهدر للمال العام.
2. تغيير وجه لبنان الاقتصادي الذي أرساه رفيق الحريري في محاولة لاغتياله مرة جديدة والتصويب مباشرة على القطاع المصرفي، القاعدة الأساسية لاقتصاد لبنان. صحيح أن هذا النموذج يحتاج إلى إعادة هيكلة ورؤية جديدة، إلا أن ذلك لن يتم بسياسات كيدية. من يريد تغيير هذا الوجه عليه أن يكون بحجم رفيق الحريري ورؤيته وبصيرته وعلاقاته العربية والدولية.
3. تحجيم موقع سعد الحريري في طائفته السنية وتحريضها عليه من خلال تحميله مسؤولية خروجها من الحكم، وتعزيز شعور أبنائها بالاحباط والاستبعاد القسري، في الوقت الذي تغفل فيه هذه المنظومة أن الحريري حمل في صدره مراراً وتكراراً حقن الدماء وحمى طائفته من الفتن التي كانت قاب قوسين أو أدنى أن تؤدي إلى الانزلاق في حروب أهلية مدمرة.
تحديات الإرث
ما يجهله الإلغائيون أن سعد الحريري وتيار المستقبل هما إرث رفيق الحريري الذي لن يستطيع أحد تحجيمه أو محوه، والأجدى بهم حالياً تطبيق فكرة العزل على أفكارهم وعدم نشر فيروسات حقدهم بقلم ذاك وذاك لإن عزل أو إلغاء سعد الحريري من المعادلة السياسية يعني إلغاء طائفة بأكملها كانت وستبقى حامية للسلم الأهلي وخط الدفاع الأول عن عروبة لبنان.
سعد الحريري - الزعيم الأقرب إلى هموم الناس والأكثر تعاطفاً مع مطالبهم - يجد نفسه اليوم على موعد مع استحقاقات وتحديات مفصلية تتلخص في عناوين ثلاث رئيسية:
1. التغيير في التيار من خلال إعادة الهيكلة والتحضير للمؤتمر العام القادم الذي يسعى من خلاله الحريري إلى إعادة بناء ما تصدع في البيت الداخلي، وشدّ العصب السني وتقوية علاقته مع جمهوره وقاعدته الشعبية.
2. معارضة حكومة حسان دياب بهدف الإصلاح وليس الاسقاط - أقله ليس قبل أن تقدم خطتها الاقتصادية الشهر القادم - وردع كل عمليات الانقلاب التي يراد بها باطلاً والتصدي لكلّ محاولات الإلغاء والحفاظ على هوية لبنان في وجه من يريد تغييرها.
3. انتظار نطق الحكم في قضية الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بعدما أعلنت المحكمة الدولية الخاصة إصداره في منتصف أيار المقبل، وهذا تحدّ جد مفصلي سيكون من الأفضل لسعد الحريري التعامل معه وتحمل تداعياته وهو خارج المنظومة الحاكمة.
رئيس إلغاء لا رئيس حكومة
ما هو واضح أن حسان دياب أعطي وسيعطى ما لم يرد إعطاؤه لسعد الحريري عن قصد، بهدف إنجاحه وإظهار فشل حكوماته، وإن هذا التفويض الواسع النطاق في الملفات الاقتصادية والمالية ما هي إلا سياسة يتبعها من يرواده من جديد حلم إلغاء الحريرية السياسية في ظل غياب الحريري عن الحكم.
إلاّ أن على رئيس حكومة اللجان واللجان المصغرة أن يدرك أن إمعانه في الخطابات الاستفزازية وتحميل حكومات الحريري منذ العام 1992 مسؤولية كل ما حصل وسيحصل في لبنان هو بحد ذاته لعب في النار وإساءة للشهيد رفيق الحريري سترتد عليه عاجلاً أم آجلاً. كما أن الاستمرار في هذا النهج لتغطية عدم قدرة الحكومة على التعاطي مع أي ملف بجدية ومسؤولية وغياب أي خطط للمعالجة، هو نهج باطل لن يقدم للبنانيين حلاً لأزماتهم، بل سيثبت يوماً بعد يوم أن لا مفاتيح حلول في أيدي حكومة مهمتها فقط تصاريح إعلامية وبيانات إنشائية.
ستنتهي مهلة الـ 90 يوماً التي أعطتها الحكومة لنفسها وللبنانيين من أجل وضع خطة إقتصادية وتقديم حلول عاجلة لملف الكهرباء - الباب الرئيسي لأي إصلاح أو مساعدات خارجية - وقريباً سيجد اللبنانيون أن ما وعدوا به كان سراباً.
لعبة الحكومة ومن يديرها باتت مكشوفة، اقتلعوا من هواجسكم الحريرية السياسية، وفكروا في كيفية إعادة الجسور مع الدول العربية والدولية وفي كيفية إعادة ثقة اللبنانيين بدولتهم، إن سياسة الامعان في الإفقار والتجويع من أجل الإخضاع سياسات باطلة وفاشلة...أما إن كنتم تفتقدون الاندفاع ولا تمتلكون غير حملات التشويه وسيلة تقنعون بها أنفسكم للبقاء فهنيئاً لكم هكذا وسيلة!.
يقول الماهاتما غاندي: لم أتعلم لعبة الشطرنج لأني لم أحب أن أقتل جيشي وجنودي كي يعيش الملك..فاعتبروا وإياكم من هكذا لعبة!!!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.