خيرالله خيرالله

14 نيسان 2020 | 23:16

كتب خيرالله خيرالله

شيء ما تعدّه إسرائيل لعرب ‏‎1948‎

شيء ما تعدّه إسرائيل لعرب ‏‎1948‎

في ظلّ وباء كورونا وانشغال العالم به، تحصل في المنطقة أمور كثيرة تمرّ ‏مرور الكرام بسبب حال التخبط التي تسود الكرة الأرضية ومطاراتها المغلقة في ‏معظمها. ‏

من بين ما يحصل في هذه الايّام الكئيبة والبائسة عودة بنيامين نتانياهو الى ‏الواجهة في إسرائيل بعد قبول منافسه بني غانتس بجائزة ترضية تكون بديلا من ‏تشكيل حكومة برئاسته. تمثلت الجائزة في انتخاب غانتس، وهو رئيس سابق ‏لاركان الجيش، رئيسا للكنسيت خلفا لاحد انصار "بيبي" ويدعى يولي يوئيل ‏ادلشتاين.‏

فجأة، من دون مقدمات، مهّد غانتس لبقاء نتانياهو في موقع رئيس الوزراء. ‏تراجع رئيس الأركان السابق عن كلّ ما وعد به في حملاته الانتخابية في ما ‏يخص الانتهاء من زعيم تكتل ليكود "الفاسد" و"المرتشي" الذي لا يمتلك ‏مؤهلات تسمح له بالبقاء في موقع رئيس الوزراء، خصوصا بعد توجيه العدالة ‏اتهامات واضحة وصريحة اليه وتحديد موعد لمباشرة محاكمته. تأجل هذا ‏الموضوع بسبب انتشار كورونا في إسرائيل بشكل غير متوقّع.‏

بين نيسان – ابريل ‏‎2019‎‏ وآذار – مارس ‏‎2020‎، أجريت في إسرائيل ثلاث ‏انتخابات نيابية. كانت المنافسة في هذه االانتخابات أساسا بين تكتل ليكود الذي ‏يتزعمّه "بيبي" وحزب ازرق وابيض المعروف بتسمية "حزب الجنرالات" ‏بزعامة غانتس. يضم هذا الحزب ثلاثة رؤساء سابقين للاركان هم غانتس ‏وغابي اشكينازي وموشي يعلون. ركّز الثلاثة في الحملات الانتخابية الأخيرة ‏لازرق وابيض على ضرورة اخراج "بيبي" من الحياة السياسية في إسرائيل.‏

ليس معروفا ما الذي جعل غانتس يتراجع لمصلحة نتنياهو، علما انّه كان مكلّفا ‏من رئيس الدولةرؤوفين ريفلينتشكيل حكومة. كانت لديه الأصوات الكافية ‏لتحقيق هدفه، الى ان تبيّن ان الهدف الحقيقي بالنسبة اليه عدم تشكيل مثل هذه ‏الحكومة مع ما يعنيه ذلك من ابعاد لـ"بيبي" عن الحياة السياسية الإسرائيلية ‏نهائيا. ثمّة أولوية أخرى لغانتس غبر انهاء الحياة السياسية لنتانياهو. تتمثّل هذه ‏الاولوية باستبعاد عرب إسرائيل، وهم الفلسطينيون الذين بقوا في ارضهم بعد ‏‎1948‎، من أي دور سياسي، حتّى لو كان هذا الدور مجرّد دعم في ‏الكنيستلحكومة برئاسة غانتس.‏

بعد انتخابات آذار - مارس الماضي، استطاعت الأحزاب العربية التي شاركت ‏في الانتخابات بقائمة واحدة، هي "القائمة الموحّدة" من الحصول على خمسة ‏عشر مقعدا في الكنيست. هذا رقم قياسي يحققه فلسطينيو ‏‎1948‎، اذ ان الكنيست ‏تضم ‏‎120‎‏ عضوا. هناك نجم صاعد بين النواب العرب في الكنيست هو ايمن ‏عوده. يمتلك الرجل عقلا براغماتيا الى حدّ كبير، علما انّ بين النواب العرب ‏الـ‎15‎، نائبين اسلاميين، او ثلاثة يرفضون أي تعاون مع حزب غانتس. قبلت ‏كتلة النواب العرب، بأكثرية أعضائها، دعم حكومة برئاسة غانتس. قبلت أيضا ‏عدم المشاركة في هذه الحكومة. كلّ ما تريده هو إزاحة نتانياهو الذي لم يخف ‏في السنوات الأخيرة انّ همّه الوحيد هو استمرار الاستيطان رافضا ايّ رغبة ‏في أي مفوضات مع الجانب الفلسطيني.‏

تبيّن على أرض الواقع أن الحزبين الكبيرين في إسرائيل، أي تكتل ليكود ‏وازرق وابيض يلتقيان عند أولوية تهميش عرب إسرائيل، أي تهميش كلّ ‏فلسطيني من عائلة بقيت في ارضها وتمسّكت بها بعد ‏‎1948‎‏ لدى اعلان قيام ‏دولة اسرائيل. هؤلاء الفلسطينيون موجودون في كلّ المناطق، في الجليل والمدن ‏الساحلية مثل حيفا ويافا، وفي الناصرة. تبلغ نسبة هؤلاء‎21‎‏ في المئة من عدد ‏سكان إسرائيل حسب آخر إحصاء رسمي.‏

تدلّ إعادة الاعتبار الى "بيبي"، في هذه الظروف بالذات، على انّ هناك شيئا ما ‏يحضّر في اسرئيل. يمكن الكلام اوّلا عن إصرار على بقاء فلسطينيي الداخل ‏مهمّشين على الرغم من انّهم مواطنون إسرائيليون يتمتّعون بكلّ حقوقهم. هذا ‏يعني، بكلّ بساطة، ان اسرائيل ليست الديموقراطية الوحيدة في المنطقة، كما ‏تحاول ان تسوّق نفسها في العالم، خصوصا في الولايات المتحدة.‏

لم يكترث غانتس الى الانقسام الذي وقع داخل حزبه في ضوء قبوله ان يكون ‏رئيسا للكنسيت. المهمّ بالنسبة اليه عزل فلسطينيي الداخل. يلتقي في ذلك مع ‏نتانياهو. يلتقي معه أيضا في شأن كلّ ما له علاقة باي تسوية مع الفلسطينيين. ‏يبدو رئيس الأركان السابق مستعدّا لكل شيء، بما في ذلك لاعادة تعويم "بيبي" ‏من اجل بقاء إسرائيل على خط تكريس احتلالها للضفّة الغربية فيما قطاع غزّة ‏عزل نفسه بنفسه عن العالم بعدما فضّلت "حماس" الحصار الإسرائيلي على ‏التخلّي عن امارتها الإسلامية.‏

كشف وباء كورونا إسرائيل. هذا على الاقلّ ما يؤكّده ايهود أولمرت رئيس ‏الوزراء السابق الذي وجه انتقادات شديدة الى كل من نتانياهو وغانتس في مقال ‏نشره في صحيفة "جيرو زالم بوست" قبل ايّام قليلة تحت عنوان: "ازرق ‏وابيض؟ انّه اسود". رسم اولمرت صورة قاتمة للوضع الداخلي. ركّز على ان ‏نتانياهو الموجود على رأس الحكومة منذ سنوات عدّة استخدم عبارات قاسية ‏لمنع غانتس من أي تعاون مع الأحزاب العربية. لاحظ أولمرت انّ "بيبي" ذهب ‏الى حد وصف فلسطينيي الداخل بـ"الخونة الذين يدعمون الإرهاب والذين ‏يسعون الى تدمير إسرائيل". لاحظ أيضا انّ قادة حزب ازرق وابيض تجاهلوا ‏في الحملات التي سبقت الانتخابات الثلاث الاخيرة كلّ القضايا المهمّة. تجاهلوا ‏العلاقة بالفلسطينيين وفرص عودة المفاوضات معهم. تجاهلوا أيضا المشاكل ‏التي تواجه القطاع التعليمي الذي بنت إسرائيل عليه الكثير وزيادة عدد الفقراء ‏والهوّة بين الريف والمدينة... وتراجع النظام الصحّي. ظهر هذا التراجع ‏بوضوح من خلال انتشار وباء كورونا وعجز النظام الصحّي عن مواجهته ‏بشكل فعال وصولا الى الاستعانة بجهاز الموساد (المخابرات) من اجل تأمين ‏المعدات الصحية من دول العالم المختلفة، بما في ذلك كوريا الجنوبية والصين!‏

بعيدا عن كلام أولمرت الذين لم يقدم على أي خطوة في خدمة التسوية المعقولة ‏مع الفلسطينيين، من الواضح انّ هم الحزبين الكبيرين في إسرائيل تكريس ‏الاحتلال والذهاب الى ابعد من قيام كيان فلسطيني شبه معزول في الضفّة ‏الغربية. يريد الحزبان التجاهل التام لفلسطينيي الداخل تمهيدا ليوم تحدث في ‏هجرة جديدة بالقوّة. ستطال مثل هذه الهجرة ما يقارب مليوني فلسطيني يقيمون ‏حاليا داخل "الخط الأخضر" أي داخل خط حدود إسرائيل بعد ‏‎1948‎‏.‏

شكّل بنيامين نتانياهو حكومة جديدة ام لم يستطع ذلك. لا تبشّر التطورات ‏السياسية التي تشهدها إسرائيل بالخير. هناك شيء ما يعدّ لفلسطينيي الداخل، ‏لعرب إسرائيل، كما هناك حلف غير مقدّس يقوم على فكرة انّ المخاض في ‏المنطقة سيؤدي الى ولادة "إسرائيل الكبرى" من دون حاجة الى ايّ حروب ‏جديدة...‏

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

خيرالله خيرالله

14 نيسان 2020 23:16