كتب منير الحافي (*):
لعلّ أكثر اسم تلازم مع الكورونا هو اسم: "مستشفى رفيق الحريري". ولأنني من أصحاب الفكرة القائلة "إذا أردت أن تعرف عن شيء، عليك أن تراه بنفسك"، قصدتُ المستشفى في منطقة الجناح، لألتقي بمديرها العام الدكتور فراس أبيض وأطلع منه على سير العمل في ظل الظروف الصعبة التي رافقت البلد. لكن استطاعت هذه المستشفى التي بناها الرئيس الشهيد رفيق الحريري وتم افتتاحها في العام ٢٠٠٤ أن تثبت نفسها على الرغم من قلة الاهتمام الحكومي فيها ومن منافسة المستشفيات الخاصة لها.
وفي زمن الكورونا، كانت المستشفى "نجمة" المستشفيات إذ توجه إليها المصابون بـ"الفيروس العنقودي" وتوجهت إليها أنظار اللبنانيين ووسائل الإعلام، قبل أن يفتتح في وقت لاحق، عدد من المستشفيات الحكومية والخاصة في المناطق أقساماً للحجر ومعالجة المصابين بكورونا.
في المبنى الإداري للمستشفى، يستقبلك موظف يتأكد من لباسك القناع، ويزودك بغسول اليدين قبل أن تدلك موظفة أخرى على مكتب مدير المستشفى.
الدكتور فراس الأبيض، رجل متمكن من مهنته، واثق بنفسه وبالإجراءات التي اتخذتها وتتخذها "مستشفى رفيق الحريري الجامعي" في سبيل معالجة مرضى كورونا هذه الأيام. حافظنا على التباعد الجغرافي في جلستي معه التي امتدت لحوالي نصف ساعة رغم انشغالاتنا. وعندما تسأله عن دور المستشفى في الأزمة يتحدث عن دور "الفريق" وليس "القائد". فالكل في المستشفى يشعر بالانتماء إلى هذه المؤسسة التي يطمحون إلى تطويرها وتثبيت فكرة أن المستشفى الحكومي لا يقل أهمية عن المستشفى الخاص، بل إنه يتفوق عليه في أحيان كثيرة.
يقول الدكتور أبيض إننا نمر في لبنان الآن بمرحلة مفصلية هي مرحلة الانتقال من السيطرة على المرض إلى مرحلة فتح البلد. وفي هذه المرحلة يجب الانتباه بشدة إلى ثلاثة أشياء كي ننجح. الأمر الأول، هو دور الدولة في الاستمرار بالتصرف بحكمة ومسؤولية في مراقبة الوضع، وإيجاد الضوابط الملائمة بحسب الظروف. فإذا تم رصد حالة كورونا في منطقة معينة يجب أن تقوم بالعزل واتخاذ القرار الحكومي المناسب بذلك. ويعطي مثلاً المسارعة بعزل مخيم الجليل بعدما تم رصد حالة، كي لا يعم الوباء المنطقة.
الأمر الثاني، هو دور المؤسسات والمجتمع. على كل بيت وعلى كل مؤسسة تجارية أو غذائية أو غيرهما أن تستمر باتخاذ إجراءات الحماية الذاتية وفرض المسافة الآمنة بين الموظفين أو الزبائن.
الأمر الثالث هو دور الفرد. على كل شخص منا الاستمرار بالحفاظ على النظافة والاجراءات التي كان يتخذها في عز أزمة كورونا مثل استخدام القناع الواقي والتباعد الاجتماعي.
ويشير الدكتور أبيض إلى مسألة مهمة قد يفهمها الناس بشكل مغلوط وهي أن كثرة الفحوصات تحمي المواطنين بشكل أكبر. يعتبر أن ليس بالضروري صواب ذلك، ويعطي مثلاً أن الإمارات أجرت حتى اليوم أكثر من ٨٠ ألف فحص بالمليون وعندها نسبة إصابات عالية (٤٠٠ حالة في يوم واحد) فيما لبنان ورغم إمكاناته المتواضعة أجرى ٤ آلاف فحص بالمليون، ونسبة الإصابات فيه قليلة جداً ، نسبياً.
ما أنقذنا من أن تنال منا الجائحة، هو سرعة اتخاذنا القرارات بالعزل، ولعبت وسائل الإعلام المختلفة دوراً إيجابياً في هذا المجال.
في المرحلة الآتية سيتم فتح مرافق لبنان تدريجياً لكن يجب الالتزام من قبل المعنيين الثلاثة التي ذكرنا (الدولة والمؤسسات والأفراد). فإذا تم الاستخفاف بالأمر في المرحلة الفاصلة يمكن أن تأتينا موجة من كورونا قد تكون أعتى من الأولى. وهذا مثلاً حصل في سنغافورة رغم إمكاناتها الاقتصادية والصحية القوية. وقد سجل فيها مؤخراً ١٤٢٦ حالة كورونا في يوم واحد!
أسأل الدكتور أبيض عن كيفية معالجة مرضى كورونا في مستشفى رفيق الحريري، وهل الأدوية المستخدمة في كل من الصين واليابان وفرنسا وإيطاليا وصلت لبنان، فيؤكد أن كل هذه الأدوية موجودة في لبنان. ويشرح أن ٨٠ بالمئة من حالات كورونا تُشفى لوحدها من دون استخدام أدوية. أما العشرون بالمئة الباقية من الحالات – بين المتوسط والصعب- فالعلاج متوفر. ويعود النجاح في ذلك كله، إلى أن عدد الإصابات ما زال تحت السيطرة والحمد لله، وهناك أسرّة متوفرة ضمن إمكانات المستشفى المذكور وغيره من المستشفيات.
وهل أنت متفائل بالسيطرة على كورونا قريباً؟ "لست متشائماً" يجيب الدكتور أبيض. يتوقع أن يتم فتح البلد فتحصل إصابات محدودة، فتعاد إجراءات إقفال معينة (بحسب نسبة الإصابات).. وهكذا. لكن يجب على اللبنانيين أن يتحلوا بالصبر.
الفريق الطبي والتقني في مستشفى رفيق الحريري الجامعي أجرى حتى اليوم ستة آلاف فحص كورونا. وعالج ٢٠٠ مريض. من هؤلاء شُفي ١٠٥ أشخاص شفاء تاماً. وقد أمّن المستشفى خطاً ساخناً وهناك موظفون يتواصلون بانتظام مع الذين خرجوا للاطمئنان على صحتهم وتحسن حالتهم.
عند المبنى الخارجي للمستشفى، تودعك، كما عند الاستقبال، صورة ضخمة للرئيس الشهيد رفيق الحريري.. وكأنه يقول:"حمَى الله هذا المستشفى.. وحمى الله البلد".
(*) عضو المكتب السياسي في "تيار المستقبل"
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.