4 أيار 2020 | 22:45

منوعات

تراث رمضان (١٠): سيد مكاوي أشهر" مسحراتي"

تراث رمضان (١٠): سيد مكاوي أشهر

 

زياد سامي عيتاني*

 

"قوموا تسحروا واعبدوا رب الأنام

 ويلي يصوم رمضان يا هناه

 يا سي محمد يا رب يخليك لنا والسنة الجاية تكون على منى"...

 هذا نموذج من نداءات التسحير التي كان يطلقها الفنان الكبير الراحل سيد مكاوي الذي هو إحدى علامات التلحين والغناء في عالمنا العربي، الذي يعتبر أشهر "مسحراتي" في عصرنا الحديث، حيث كان بطبلته وصوته الشجن يجول أرجاء القاهرة القديمة التي ملأها انغاماً ندية مفرحة، أدخلت البهجة والسرور إلى قلوب ناسه وأهله والغلابة، الذين يجتمعون في الساحات الممتدة أمام الجوامع والمشربيات والشرفات للاستمتاع بصوته الشجي...

**



•تأثره بالإنشاد الديني:

ولد سيد مكاوي عام 1928 في حي الناصرية ـ أحد أحياء حي السيدة زينب العريق ـ في أسرة شعبية بسيطة وكان لكف بصره عامل أساسي في اتجاه أسرته إلي دفعه للطريق الديني بتحفيظه القرآن الكريم فكان يقرأ القرآن ويؤذن للصلاة في مسجد أبو طبل ومسجد الحنفي بحي الناصرية.

وما إن تماثل لسن الشباب حتي انطلق ينهل من تراث الإنشاد الديني من خلال متابعته لكبار المقرئين والمنشدين آنذاك كالشيخ إسماعيل سكر والشيخ مصطفي عبد الرحيم، وكان يتمتع بذاكرة موسيقية جبارة فما إن يستمع للدور أو الموشح لمرة واحدة فقط سرعان ما ينطبع في ذاكرته الحديدية وكانت والدته تشتري له الأسطوانات القديمة من بائعي الروبابيكيا بالحي بثمن رخيص ليقوم بسماعها إرواء لتعطشه الدائم لسماع الموسيقي الشرقية.

**



•تعلم التجويد من شيخ القراء:

وبدأت قصة "المسحراتي" مع الشيخ سيد في مرحلة الطفولة، عندما كان "المسحراتي" يجوب حارتهم في شهر رمضان وينادي على أبناء الحارة كل واحد باسمه، وكان عندما ينادي لسيد مكاوي يقول: "اسعد الله الليالي عليك يا شيخ سيد،الصلاة والصوم وصالح الأعمال، واسع الليالي عليك، إصح يا شيخ سيد".

كما لا بد من الإشارة إلى أن سيد مكاوي عندما فقد بصره التحق بكتّاب الحي، على ما درجت عليه العادة في تلك الأيام، حيث حفظ القرآن الكريم وتعلم التلاوة، وانتقل بعدها إلى مسجد "أم هاشم" الذي كان يتواجد فيه أشهر مقرئ في تلك الفترة وأجملهم صوتاً "الشيخ محمد رفعت".

تعلم سي السيد من شيخ القراء محمد رفعت فن التجويد والتلاوة والترتيل، وفي نفس الوقت كان دائم التردد على الموالد ومجالس الشيوخ ليسمع منهم، فصار يجلس معهم منشداً للتواشيح والابتهالات الدينية التي حفظ الكثير منها.

**

•التنشئة الشعبية و"المسحراتي":

هذه التنشئة للشيخ سيد مكاوي وسط بيئته الشعبية في ارض الكنانة، جعلت شخصية "المسحراتي" تعيش في وجدانه وتدغدغ ما يختزنه في داخله من حنين إلى التراث القديم. الأمر الذي دفعه إلى التطوع لتقديم شخصية "المسحراتي" بأسلوب فني رائع ذات مضمون اجتماعي وتراثي.

**

•"مسحراتي" الأحياء الشعبية:

وكان مكاوي وعلى مدى سنوات عديدة خلال ليالي شهر رمضان المبارك يقوم بالتجوال في أحياء سيدنا الحسين والسيدة والقلعة وبولاق والقنطرة والعريش ومعه غلامه يحمل فانوساً مضيئاً، وبيده طبلة تسمى " بازة"وبيده اليمنى جلدة يضرب بها على الطبلة مردداً بعزوبة صوته نداءات التسحير والابتهالات والانشودات، حيث ملأ أرجاء تلك الحارات والأحياء أنغاما ندية مفرحة.

ومما كان يردده "المسحراتي" سيد مكاوي:

 يا سي عبد الرحمن يا ابن الكرم والجود،

إنشا الله يمر عليك رمضان بالفرح والجود،

وريحتك الحلوة فياحة ذي الورد والعود...

 وكان يقول ايضاً:

مسحراتي منقراتي بافراح قلبي بيتنقل بي،

اشوف قبالي على الطبالي،

اقول يا زرعة وانتي يا زلعة،

لقمة هنية تكفي مية،

متسلطنة قال الزبادي،

ست الحبايب يا محضنة روح الضنى،

واخضر بقشرة اقول لو اطرا،

بادور وادور من نور لنور صحبة زهور،

هاتي السحور سبع بحور في سلطانية...

وغالباً ما كان يدخل روح المداعبة والفكاهة التي تخيم على نفسيته المرحة في نداءات التسحير التي كان يطلقها ومنها:

 قومي يا أم محمد وصحي جوزك بلاش كسل...

 وانت يا سي فؤاد، هو النوم مالوش آخر؟

 اتفضل واتسحر بالهناء والشفاء وادعي ربك بالتقى....

**

 •"مسحراتي" بالإذاعة:

وتقدم للإذاعة في بداية الخمسينيات وأُعتمد كمطرب فيها، وكان يؤدي أغاني التراث من أدوار وموشحات في مواعيد شهرية ثابتة.

وفي منتصف الخمسينيات أسندت إليه الإذاعة تلحين العديد من الأغاني الدينية، ومنها “تعالى الله”، و”آمين آمين”، و”يا رفاعي قتلت كل الأفاعي”، و”حيارى على باب الغفران”، وشدا بها الشيخ محمد الفيومي، وتوجها بـ “أسماء الله الحسنى”.

وأقنع مسؤولي الإذاعة بتطوير شكل المسلسلات بعمل مقدمات غنائية لها، وقدم عشرات المقدمات الغنائية لمسلسلات شهيرة لأمين الهنيدي ومحمد رضا وصفاء أبو السعود، ومنها “شنطة حمزة”، و”رضا بوند”، و”عمارة شطارة”، و”حكايات حارتنا”.

وأحدث انقلاباً في حلقات “المسحراتي” التي كان يقدمها أكثر من ملحن، ومنهم أحمد صدقي، ومرسي الحريري، وعبد العظيم عبد الحق، وكانوا يقدمونها على فرقة موسيقية، وفي أحد الأعوام أسندوا إليه تلحين 3 حلقات، واشترط أن يغنيها، واستغنى فيها نهائياً عن الفرقة الموسيقية، وقدمها بالطبلة، وفور إذاعتها، بأسلوبه، حققت نجاحاً لافتاً، وهو ما دعا مسؤولي الإذاعة في العام التالي للاستغناء عن كل الملحنين، وإسناد العمل كاملاً له، وظل يقدم “المسحراتي” مع الشاعر فؤاد حداد بالأسلوب نفسه حتى وفاته.

**

ونظراً لما لاقاه "المسحراتي" سيد مكاوي من ذيوع وترحيب، أقنعه صديقه الشاعر فؤاد حداد إلى تحويل ديوانه "المسحراتي" إلى عمل إذاعي، بلغ عدد حلقاته 150 حلقة ارتبطت بالواقع المعاصر وناقشت قضايا اجتماعية ووطنية وقومية، حتى أصبح البرنامج تراثاً موسيقياً يرتبط به شهر رمضان المبارك في الإذاعة والتلفزيون على حد سواء حتى يومنا هذا.

 

-يتبع: الحلويات الرمضانية.

*إعلامي وباحث في التراث الشعبي

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

4 أيار 2020 22:45