أصدر مركز أبحاث وسياسات الأمراض المعدية الأميركي CIDRAP تقريره عن توقعات جائحة كورونا للفترة القادمة، وتحدث عن جوائح الانفلونزا الثمانية السابقة، وأكد أنها لم تكن على نموذج وبائي واحد، ولكن 7 منها كان لها موجة ثانية بعد 6 أشهر من نهاية الموجة الأولى، متوقعاً اصابة 70 بالمئة من سكان العالم بالفيروس الذي سيستمر لفاية 24 شهراً.
بدأ التقرير بمقدمة أن هذه الجائحة هي الأسوأ في الـ100 عام الأخيرة، وأن أسوأ المتشائمين لم يكن يتوقع أن تكون بهذه الشدة عند بدايتها في ديسمبر الماضي.
ويتساءل التقرير: ما هي النهاية لهذه الجائحة؟ سؤال يبحث عن إجابته المجتمع الدولي الذي أُخذ على حين غرة، ولا يزال العالم في مرحلة الشك متى ستعود الحياة لطبيعتها، متى سيتوقف نزيف الأعمال؟ لا أحد يمكنه الجزم.
ولكي نتوقع المستقبل بشكل جيد بحسب التقرير، علينا العودة للتاريخ ومراجعة الجوائح الماضية، حيث حدثت 8 جوائح انفلونزا منذ العام 1700 وبمراجعة أوجه الشبه والاختلاف بين فيروس الانفلونزا والكورونا الجديد فبإمكاننا توقع السيناريوهات المقبلة للجائحة
وهنا قد يتساءل البعض: لماذا لا تقارن كورونا الجديد بفيروسات كورونا الأخرى مثل سارس و ميرس؟ فالجواب: أن كورونا الجديد مختلف وبائياً وبشكل كامل عن هذه الفيروسات، وأفضل مقارب لهذا الفيروس هي فيروسات الانفلونزا
وتساءل التقرير "الآن ما هي أوجه الشبه والاختلاف بين الكورونا الجديد والانفلونزا؟ ولنبدأ بأوجه الشبه: كلاهما كانا فيروسين جديدين عند بداية الجائحة، ولم يكن للبشر مناعة مسبقة ضدهما، مما جعل البشرية جمعاء في فوهة المدفع".
الشبه الآخر أن الفيروسين ينتقلان بنفس الطريقة، وهي الرذاذ التنفسي بأحجامه الكبيرة و(بنحو أقل) الصغيرة، وأن الانتقال يحدث من المصابين حتى بدون ظهور الأعراض، مما يجعل لهما القدرة على الانتقال السريع وإصابة الملايين
والآن نأتي للاختلافات: أولها فترة الحضانة، فالانفلونزا حضانته يومين فقط في المعدل (من1-4 أيام) والكورونا الجديد 5 أيام في المعدل (من2-14 يوم) وطول فترة الحضانة ميزة للكورونا لأنها تعطيه مدة انتشار أطول قبل ظهور الأعراض
والاختلاف الثاني هي نسبة المصابين الذين لا تظهر عندهم الأعراض، فنسبتهم في الانفلونزا تقريباً 16٪ بينما في الكورونا تُظهر الدراسات المتاحة حالياً أنها 25٪ وهي ميزة أخرى للكورونا حيث يكون هؤلاء المصابين ناشرين للعدوى بدون أن يتم اكتشافهم
علاوة على ذلك فإن افراز الفيروس في الافرازات التنفسية قبل ظهور الأعراض presymptomatic viral shedding يكون أكثر عند الكورونا الجديد منه عند الانفلونزا، مما يزيد من نسبة انتقال الكورونا قبل ظهور الأعراض.
كل هذه الاختلافات السابقة تصب لصالح الكورونا الجديد مما يجعله أسرع انتقالاً من الانفلونزا، ومما يزيد من معدل التكاثر الأساسي وهو عدد الحالات التي تنتجها حالة واحدة خلال فترة العدوى أو ما يسمى R0.
ويشير التقرير إلى أن كل الاجراءات الحكومية الحالية لفرض التباعد الاجتماعي هدفها واحد وهو تقليل R0 لأقل من 1 وهو ما يعني أن الجائحة في مسار هابط لأن كل مصاب لن يُعدي أكثر من شخص آخر خلال فترة العدوى.
وتقدير الR0 للكورونا ليس سهلاً فهو يختلف من منطقة إلى أخرى بل من شخص إلى آخر، حسب الظروف والاجراءات المتخذة وحسب كمية افراز الفيروس في افرازات كل مصاب، كذلك صعوبات اجراء الفحص لأعداد كبيرة من الناس تجعل حساب الR0 غير دقيق
ولكن مع هذا، فتقديرات الR0 للكورونا الجديد تتراوح ما بين 2.0-2.5 في بداية الجائحة، وإن كانت بعض الدول قد استطاعت تقليله، وأما الانفلونزا فيختلف من جائحة إلى أخرى، ولكن يتراوح من 1.46 إلى 1.8 فقط.
وتحدث التقرير بشيء من التفصيل عن جوائح الانفلونزا الثمانية السابقة، وأكد أنها لم تكن على نموذج وبائي واحد، ولكن 7 منها كان لها موجة ثانية بعد 6 أشهر من نهاية الموجة الأولى.
وبناءً على هذه الجوائح نستخلص الآتي: أولاً: طول الجائحة الحالية سيكون من 18-24 شهراً حتى نصل للمناعة الجماعية اللازمة لايقاف التفشي، وخصوصاً أن الدراسات الوبائية الحالية تؤكد أن نسبة قليلة جداً من البشر -حتى الآن- كوّنوا أجساما مضادة.
وخلال هذه الفترة فإن 60-70٪ من البشر سيصابون بالفيروس حتى نصل للمناعة الجماعية اللازمة لإيقاف الجائحة، مع العلم أننا لا نعلم مدة المناعة الناتجة من الاصابة والتي تتراوح من عدة أشهر إلى عدة سنوات، ولكنها حتى في أقل الأحوال ستساعد في تقليل الحالات الحرجة
ثانياً: أن هناك أكثر من سيناريو متوقع لجائحة كورونا وبعض هذه السيناريوهات متوافقة مع ما حدث في جوائح الانفلونزا السابقة، وقد ذكر التقرير ثلاث سيناريوهات متوقعة، كما في الصورة المرفقة.
السيناريو الاول: نهاية الموجة الأولى في ربيع ٢٠٢٠ تتبعها موجات صغيرة متكررة خلال سنة إلى سنتين التالية، تضعف هذه الموجات مع الوقت، ويختلف حجمها من دولة لأخرى حسب الاجراءات الاحترازية المتخذة
السيناريو الثاني: نهاية الموجة الأولى في ربيع 2020 تتبعها موجة أكبر في خريف أو شتاء 2020 والتي تحتاج إلى اعادة الاجراءات احترازية، ثم تتبعها موجات أصغر في 2021 وهذا السيناريو مشابه للانفلونزا الاسبانية 1918 والانفلونزا الآسيوية 1957 وانفلونزا الخنازير 2009.
السيناريو الثالث: نموذج النار الهادية التي لا تنطفىء، نهاية الموجة الأولى في ربيع 2020 يتبعها انتشار مستمر للفيروس طوال السنتين اللاحقة من غير نمط موجي واضح، وهذا السيناريو أيضاً سيختلف من بلد إلى بلد بحسب الاجراءات الاحترازية، وهذا النموذج لم يحدث في أي جائحة سابقة.
وبغض النظر عن السيناريو المحتمل، فمن المؤكد أن كورونا مستمر ل18-24 الشهر القادمة وستكون هناك "تفشيات" غير متوقعة هنا أو هناك، وبعد نهاية هذه الفترة العصيبة سيتحول كورونا الجديد إلى فيروس موسمي مثله مثل باقي الفيروسات الموسمية.
ختم التقرير بتوصيات: منها ضرورة الاستعداد للسيناريو الأسوأ (السيناريو الثاني) مع الأخذ في الاعتبار احتمالية عدم وجود لقاح في ذلك الوقت، وضرورة وجود خطط واضحة وحماية الكادر الصحي، وافهام المجتمع أن الخطر لا زال باقي حتى مع تخفيف الاجراءات الاحترازية.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.