8 أيار 2020 | 07:55

هايد بارك

خطة "اليوم التاريخي"...سراب رهانات وافتراضات - هدى علاء الدين


كتبت هدى علاء الدين:

وأخيرا أبصرت خطة الحكومة الإقتصادية النور في يوم وصفها صانعوها بالتاريخي، فأتت في صفحات حملت في طياتها العديد من الشوائب والحلول الغير واقعية. وإن كانت في ظاهرها تتضمن عناوين لافتة كالإصلاح وإعادة هيكلة الدين العام، إلاّ أن مضمونها عكس ضعفاً في آليات التنفيذ وغياب أي جدول زمني لأي من المحاور التي تناولتها.


في سعر الصرف

بنت الحكومة عماد خطتها على سعر صرف يُقدر بـ 3500 ليرة لبنانية (أكثر من ضعف السعر الحالي) وقد يصل إلى 4200 ليرة، وهي فرضية اعتمدتها لتحقيق كافة بنودها، مشيرة إلى أنه بات من المستحيل إعادة سعر صرف الليرة مقابل الدولار الذي تمّ المحافظة عليه على مدى عقود إلى ما كان عليه سابقاً. كما أقرّت الحكومة أن الليرة ستخسر قيمتها رسمياً في بداية تنفيذ الخطة الإصلاحية، الأمر الذي سيؤدي إلى تخفيف قيمة العجز وتحويله إلى عجز مستدام مع تصحيح لسعر الصرف مستقبلاً، معتزمةً الانتقال إلى سعر صرف أكثر مرونة.


وبالرغم من التبريرات الإيجابية التي تم سردها حول تخفيض قيمة العملة بأكثر من 160% على مالية الدولة وعجز الخزينة والدين العام، إلا أن الحكومة أغفلت (جهلاً أم عمداً) بأن تغيير سعر الصرف يكون عادةً في وضع إقتصادي جيد ومناخ مستقر بعيداً عن الأزمات والتحديات، نظراً لما لهذا التحرير من تأثيرات سلبية على القدرة الشرائية وتدهور قيمة الودائع المصرفية لنحو 70% من المودعين بسبب الفرق في العملة وتهديد العاملين في القطاع العام لا سيما وأن قيمة رواتبهم ستنخفض مع انخفاض قيمة الليرة على المدى القصير....


في طلب مساعدة صندوق النقد والمجتمع الدولي

أشارت الحكومة في صريح العبارة أنه من الصعب تخيل خروج لبنان من هذه الأزمة دون دعم المجتمع الدولي على نطاق واسع والذي لن يفتح أبوابه للمساعدة من دون الالتزام الجدي بتنفيذ خطة للتعافي الاقتصادي، مؤكّدة على الحاجة الماسة لهذا الدعم من أجل الحدّ من الانكماش الاقتصادي وتأمين استيراد السلع الأساسية واستعادة الثقة بلبنان. وتوقعت أن يبلغ إجمالي الدعم الخارجي حوالي 10 مليار دولار على مدى 5 سنوات، بالإضافة إلى أموال سيدر على أن يتم دخول لبنان تدريجياً إلى الأسواق العالمية بعد دخوله نادي الدول المتعثّرة بإعلانه وقف سداد استحقاقات اليوروبوندز.


تعي الحكومة - التي صاغت عباراتها عن طلب المساعدة من الصندوق بالكثير من التورية وبنت عليها العديد من الآمال - تماماً أن اللجوء إلى صندوق النقد يحتاج إلى تحرير سعر صرف العملة الوطنية كشرط أساسي لتقديم المساعدة المالية، وانطلاقاً من هنا عمدت إلى فرضية سعر الـ 3500 لليرة كخطوة تدريجية لتحريره نهائياً. فضلاً عن أن أموال مؤتمر "سيدر" التي تذكرها الحكومة في كل بياناتها وتصريحاتها ليست ملكاً لها، بل كانت رهن إصلاحات تم تعطيلها سابقاً. كما أن مساعدة الصندوق وإن تمت لن تدخل حيز التنفيذ في المدى القريب، لا سيما وأنها مشروطة بإجراءات حازمة اقتصادية واجتماعية وبموافقة بعض الأطراف السياسية الخضوع لها وتتطلب تقييماً للإصلاحات على أرض الواقع. هذا فضلاً عن أن الدعم الخارجي وبالأخص العربي سيكون مستحيلاً ما لم تعمد الحكومة إلى تغيير سياستها وإعادة علاقة لبنان بالدول العربية إلى مجراها الطبيعي ومد جسور الثقة مجدداً بين لبنان ومحيطه.


في إعادة هيكلة الدين ومالية المصارف والمركزي

ذكرت الخطة بأن فقدان العملة لقيمتها كفيل برفع نسبة الدين العام المقوّم بالعملة الأجنبية إلى الناتج المحلي الإجمالي مما يجعله أقل استدامة، مشيرة إلى أن إعادة الهيكلة ستسهم في خفض نسبة الدين للناتج المحلي إلى 83% بحلول 2027 وإلى 68.5% بحلول 2030، توازياً مع شطب جزء من الدين المحلي والأجنبي وتخفيض كلفته إلى 3%. كما أن الإقتصاد اللبناني لن يكون قادراً على النمو في المستقبل في غياب إعادة هيكلة ورسملة القطاع المصرفي. إذ سيطلب من أصحاب المصارف إعادة ضخ مبلغ معادل للأرباح التي حصلوا عليها خلال الفترة 2016-2020 كخطوة من أجل إعادة رسملة مصارفهم، فضلاً عن عرض بعض الخيارات على كبار المودعين تتضمن رسملة طوعية من ودائعهم، أو تحويل جزء منها إلى أسهم قابلة للتداول أو إلى سندات مصرفية طويلة الأجل من دون فائدة أو بفائدة محدودة. كما سيتم إنشاء شركة لإدارة الأصول العامة لاستعادة مصرف لبنان ربحيته وقدرته المالية بشكل كامل.


وهنا لا بد من الإشارة إلى أن تحميل خسائر الاقتصاد إلى القطاع المصرفي والاقتطاع من أموال المودعين، ومحاولة تبرئة القطاع العام من مسؤولية ما آلت إليه الأمور وتعويض الخسائر من القطاع المصرفي والمودعين هي خطة مجحفة بحقهم لا سيما أنها تحملهم العبء الأكبر من الديون والتي تبلغ 241 تريليون ليرة ، فقد كان الأجدى بالحكومة أن تُشرك القطاع المصرفي والمركزي في وضع هكذا خطة وإيجاد الحلول سوية علماً بأن المصارف هي جزء رئيسي من دائني الدولة وتستطيع مقاضاتها إذا ما أرادات ذلك. أما بالنسبة لإعادة هيكلة الدين العام، فقد مضى حوالي شهرين على اتخاذ لبنان قراره عدم سداد ديونه، وحتى الآن لم تتفاوض الحكومة بشكل جدي مع الدائنين ولم تضع خارطة طريق تتضمن آليات التنفيذ، مستغلّة جائحة كورونا لتأخير المضي قدماً في إعادة الهيكلة.

في قطاعي الكهرباء والاتصالات

تخطط الحكومة لإلغاء الدعم الذي تستفيد منه شركة الكهرباء بمجرد تنفيذ خطة الشركة المعتمدة في نيسان 2019، بحيث ستزداد التعرفة تدريجياً بالتزامن مع توليد الطاقة، على أن تواصل تنفيذ الإجراءات الهادفة إلى تحسين وزيادة القدرة والحد من الهدر والسرقة. أما فيما يتعلق يقطاع الاتصالات، فإن الحكومة تعتزم تطوير واعتماد سياسة اتصالات تهدف إلى تحرير القطاع وفتحه أمام استثمار القطاع الخاص واستخدامه مع تعيين هيئة ناظمة للاتصالات.


الملفت في خطة الإصلاح لهذين القطاعين أن ما تم ذكره عن إنشاء الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء بموجب المادة 7 من القانون رقم 2002/462 وإنشاء مجلس إدارة خاص بها يشرف على أعمالها، هي إصلاحات كان لا بد من تنفيذها في حكومة الرئيس الشهيد رفيق الحريري عام 2002 والذي لو سمح له بتطبيقها لوفّر ذلك على لبنان مليارات الدولارات وخفضت من قيمة الدين العام ومن تكلفة هذا القطاع على خزينة الدولة. ولماذا أيضاً تم رفض الاصلاحات في قطاع الاتصالات التي وردت في الخطة الإصلاحية لمؤتمر باريس "2" وتعطيل خصخصته؟ ألم ينهك رفض الخصخصة وتعطيل هذه الاصلاحات الدولة مالياً واقتصادياً وألم يكن تنفيذها أداةً مجدية لإيجاد حول جذرية لهما؟


خطة مسروقة من نهج حاربوه

إن الاختلالات الموروثة من الماضي - بحسب افتراء الخطة الاقتصادية - لن يكون تصحيحها عبر سيناريوهات وتوقعات وافتراضات ونسب مئوية ومقاربات خاطئة ورهانات على المساعدات الخارجية قد لا تصيب، وإن نشوء إقتصاد لبناني جديد وتصحيح الأوضاع المالية لن يقوم من خلال تحميل القطاع المصرفي ما لا يستطيع حمله وأخذه نحو الانهيار الكامل.

الخطة الاقتصادية أرقام مالية دقيقة وجداول زمنية محددة وآليات تنفيذ واضحة المعالم من شأنها أن تعيد الثقة إلى المجتمع الدولي والدول المانحة وتجذب الاستثمارات الأجنبية وتعيد تدفق تحويلات المغتربين لضخ السيولة اللزمة من العملة الاجنبية. إن إصلاح الواقع ووضع القطار على السكة لا يكون بالاعتماد فقط على الدعم الأجنبي الخارجي وأموال "سيدر". وإن كان عدم التخطيط واستشراف المستقبل يؤديان بالبلد إلى الخراب، فإن خطة محكومة بالتجاذبات والصراعات السياسية يغيب عنها توافق وطني وخارطة طريق للبدء بالإصلاحات المطلوبة ستؤدي بالبلد إلى الزوال.


ومع هكذا خطة تاريخية، هناك أسئلة تفرض نفسها: هل طريق صندوق النقد إلى لبنان معبد أم أنه شاق وملييء بالمطبات والحسابات السياسية الضيقة؟ هل ستتجرأ الحكومة وتحرر سعر الصرف الذي يُعد أحد أهم شروط صندوق النقد للحصول على المساعدة المالية في ظل أسوأ ظرف إقتصادي يمر به لبنان؟ وهل سيتحمّل اللبنانيون إجراءاته القاسية في حال أراد المساعدة؟ ماذا لو سقطت الخطة الاقتصادية بضربة البرلمان القاضية؟ من سيضخ الأموال حينها في ظل إجراءات قاسية على المودعين والمصارف؟ ويبقى السؤال الأغرب هل فعلاً كان يستحق وضع هذه الخطة المدة الزمنية التي أعطتها الحكومة لنفسها والتي كانت على حساب تنفيذ الإصلاحات وطمأنة هواجس المواطنين وتعزيز شبكة أمانهم الإجتماعي.


ما هو واضح في صفحات الخطة التاريخية، أن العديد من بنود الإصلاحات كانت بنوداً رئيسية في خطط إصلاح مؤتمرات باريس "1" و"2" و3" و "سيدر" وتم تعطيلها على مدى ثلاث عقود من الجهات الحاكمة نفسها. وما هو واضح أكثر أن الخطة مبنية على الدعم الخارجي ومساعدة صندوق النقد وبالتالي المزيد من الإستدانة، فهل هذا هو النهج الإقتصادي الجديد الذي يتباهون به أم خطة مسروقة من نهج حاربوه بضرواة حتى النخاع.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 أيار 2020 07:55