13 أيار 2020 | 18:18

المكتب السياسي

"حلف الأقليات" .. والانقلاب على الهوية العربية - زياد ضاهر

كتب زياد ضاهر (*):

شكلت الجغرافيا السياسية أحد الأسانيد الأساسية لمحور الممانعة و رموزه كتبرير لدور سوريا في حكم لبنان! ، وهذا اجتزاء وتطويع للحقائق خدمة للراوي ، فقراءة الأحداث من منظور الجغرافيا السياسية يعطي دورا للاقليم العربي بجملته المتداخل مع التأثيرات الدولية بالمعنى الأوسع ، ولا يمكن حصر التأثير بسوريا لا علميا ولا واقعا، يتناسون عن قصد دور العرب من مصر الى السعودية و علاقات العائلات الروحية اللبنانية التاريخية مع الاقليم و العديد من دول العالم.


سوريا نفسها تعيش تحت الوصايات الروسية والامريكية و الايرانية و التركية ، أصبحت اعجز من ان تدخل في لعبة حكم لبنان كما كان الحال قبل 2005، أقلّه ليس قبل ان تتخلص من الوصايات وتستحوذ على حكم جيشها الذي أصبح فرق متناحره تتبع كل منها لجهة تتصارع مع غيرها من الجهات ، الأمر الذي اضطر ايران للتدخل مباشرة في لبنان بعد انكشاف وضعف الوكيل في سوريا، لتستحوذ على اوراق تشكل ذخيرتها في اللعبة الدولية. ورقه الجولان و ورقة حزب الله وحضوره في لبنان وغيرها من الاوراق التي استخدمتها وستستخدمها في اللحظة المناسبة لمصالحها. تلك الاوراق لا تؤسس لحكم مستقر ولا لحالة دائمة ولها مدة صلاحية تنتهي عند تحقيق المصلحة.


لم يكن لايران من سبيل لاستقطاب من انضووا في حلف معها الا صيغة "حلف الأقليات" ، فاجتمعوا على الخوف من الآخر و التكتل لاسقاط الجغرافيا و تخطي تاريخ المنطقة العربية ، وتقسيم الغنائم بعد الانتصار الالاهي. بمعنى آخر ، الدخول في حلف الأقليات هو صيغة شعبوية لاستقطاب الرؤوس الحامية وتسعير الخطاب المتطرف في لحظة غياب تاريخية للعرب ، بهدف اخراجهم من لبنان لصالح النفوذ الايراني الدخيل على هذه المنطقة وتغيير دور وهوية لبنان .


ماذا قدّم التيار العوني للبنان والمسيحيين تحديدا ، باعتباره زعامة مسيحية مارونية وكان قد اعلن غير مرة عن شعار "استعادة حقوق المسيحيين" ، مقارنة مع من سبقوه في تاريخ الموارنة السياسي؟


يظن التيار العوني أن ثنائيته الداخلية مع حزب الله ، تحت مظلة حلف الأقليات اقليمياً ، يمكنه كسر قواعد الجغرافيا و التاريخ التي حكمت هذا الشرق لعقود من الزمن. تلك القواعد التي بنتها القوى الاجتماعية الطوائفية وكان أعرقها الكنيسه المارونية كأقدم مؤسسة دينية بين اقرانها من الطوائف المكونة للمجتمع اللبناني.


من ميشال شيحا الذي نظر لدور لبنان قبيل نشأته ليكون مصرفاً لأموال دول الاقليم الى بشاره الخوري الذي طمأن المسلمون عبر جملة " لبنان ذو وجه عربي" وأخذ للموارنه حصة الرئاسة الأولى مع امتيازات كبيره في ادارة الحكم والنظام، الى كميل شمعون الذي طرح على جمال عبد الناصر دورا له كوسيط بينه و بين الغرب انطلاقا من تصوره لدور لبنان في المنطقة ولو أنه لم يوفق الى ذلك سبيلا الا انه احاط حكمه بهالة فرضت احتراما عربيا و دوليا.


اي دور للبنان سيكون في اطار حلف الأقليات سوى مواجة الأكثرية العربية المحيطة في الاقليم ، مع ما نشهده من محاولة لتغيير النظم الحاكمة للسياسة والاقتصاد والاجتماع للبلاد بأسلوب السطو والاستقواء على قاعدة اللعب بالخرائط في حمأة المتغيرات العالمية التي نعيشها و تشغل اللاعبين الكبار. 


ولطالما ارتبط استقرار لبنان بالوضع الدولي والاقليمي ، تاريخياّ عانى لبنان من الاضطرابات في كل مرة ينقسم فيها العرب على أساس الاسطفاف الدولي و الصراع بين اللاعبين الكبار، ينعكس ذلك على الداخل اللبناني بحكم سياسة الاستقطاب و وجود الارتباطات التاريخية والعلاقات الهوياتية بين المجموعات الدينية وهذه الدول فتستيقظ الخصوصيات الطائفية.


خصوصية الطائفة بالمعنى السياسي تتعدى حدود الدين، فهي قوة اجتماعية و مقدرات علمية و بشرية و مالية و تاريخ من العلاقات مع الاقليم والعالم.

تلك العلاقات التي كانت سببا في انشاء لبنان و نيله استقلاله ، كانت جزء من الجهد الوطني لنيل الاستقلال، وعندما تخطت الدور الوطني لتصرف قوتها في سياسة الاستقواء على الآخر في مواضع الصراع الداخلي و استثمارت تلك العلاقات للتغلب على الطرف الآخر ، أصبحت فعل عمالة ومسّ لسيادة الدولة. فتتصادم تلك القوى و يجني اللبنانيون الدمار و الخسران.


اتفاق الطائف الذي شكل الصيغة التي صححت اختلالات تطبيق الميثاق الوطني التأسيسي ، وفي الصيغتين كان للعرب و دول عالمية دور أساسي ، تجتمعان على الرضى والتوازن بين المكونات الطائفية للبنان مع الرعاية الاقليمية و الدولية ، و عندما اختل التوازن في تطبيق الميثاق الوطني بين الطوائف حصل التصادم الداخلي و لم ينتج منتصرا.


الآن ثنائية حزب الله - عون المنضوية في حلف الأقليات انتجت خللاً في التوازن الداخلي و تعارضاً مع العلاقات الطبيعية بالاقليم العربي وبمعنى ادق فهو انقلاب على الهوية العربية ، ففي كل مرة تتعرض الهوية العربية للاهتزاز يدخل لبنان في مخاض تنازع مكوناته على الحكم، ولن ينتج منصرا بسبب عامل الجغرافيا السياسية الذي ينشط يفرض شروطه على أي طرف يسعى لالغاء أي مكون من مكونات لبنان. و يفرض على الجميع الجلوس على الطاولة.


ان حفظ الاوطان من التدخلات و تأثير عامل الجغرافيا السياسية لن يستقيم الا بتعزيز المناعة الوطنية بالالتزام بالدولة و تداول السلطة ديمقراطياً لا استقواء بسلاح ولا بالاحلاف الخارجية.

(*) عضو المكتب السياسي في "تيار المستقبل" 

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

13 أيار 2020 18:18