المصدر: الجمهورية
لم يبرد جرح «أحداث السبت» بعد، الجامع بين اللبنانيين على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم هو الخوف من جريمة تُرتكب بحقهم، وتهدّد بقتل حاضرهم ومستقبلهم وبنَسف بلدهم.
ولن يبرد هذا الجرح، أبداً، طالما أنّ في الغرف السوداء فئة، أو فئات كامنة للبنانيين، تسخّر عن سابق تصوّر وتصميم، كل طاقاتها ومواردها وإمكاناتها الخبيثة لاستدعاء الفتنة، وتحويلهم جميعاً الى مشاريع ضحايا. والأسوأ من ذلك انّ تلك الفئة لا تجد من يردعها.
خوف
لا يمكن أن يصدق اللبنانيون أنّ 6 حزيران 2020 تاريخ عابر، وانّ ما حصل فيه ما هو إلّا محطة إشتباكية مُعتاد عليها، تُضاف إلى ما سبقتها من محطّات مثلها توالت في السنوات والأشهر الأخيرة، فمجرد جولة على طول المشهد الداخلي وعرضه، وعلى ما كانت تسمّى «خطوط تماس» بين اللبنانيين في نقاط شديدة الحساسية، ولها رمزيتها في الحرب الاهلية، من الرينغ امتداداً الى عين الرمانة - الشياح، او ما صارت تسمّى «خطوط تماس» بين السنة والشيعة في النقاط المشتركة او المتقابلة بينهما في بيروت والمناطق، تظهر بما لا يقبل أدنى شك انّ حجم الاحتقان الطائفي والمذهبي الموجود، ليس من النوع العابر على الاطلاق، بل انّ المخيف هو انه يوشك ان يبلغ حافّة الانفجار.
خراطيم السمّ
ومن الطبيعي في غياب لغة العقل، وفي غياب الإرادة السياسية الجدية الرادعة والكابحة لكل مسبّبات الفتنة وعناصرها، وفي غياب السلطة الحكيمة المُهابة القادرة على الردع والإمساك بزمام الأمور، أن تبقى «خراطيم السمّ» تنفخ في النار، ولا من يحاسبها مع أنها معروفة بالاسم وبمكان الاقامة على حدّ تأكيدات الاجهزة الامنية والعسكرية على اختلافها، بل تتحيّن الفرصة المناسبة للانقضاض من جديد على السلم الاهلي وأخذ البلاد الى شرّ مستطير يطيح بأخضرها ويابسها في آن معاً.
ولعل أخطر ما يحيط بأحداث السبت، الخلاصات التي انتهت اليها التقارير الأمنيّة والعسكريّة، التي تقاطعت عند تحذير من أنّ الأرض صارت مؤهلة أكثر من أيّ وقت مضى لِما هو أكثر من شتائم سياسية او طائفية ومذهبية، وأبعد من اشتباك كلامي. وبالتالي، كل عناصر التوتير ما زالت قائمة، وكل الظروف باتت ملائمة لإعادة نصب المتاريس في مقابل بعضها البعض.
وفي هذا السياق، قال مرجع أمني كبير لـ»الجمهورية»: بصراحة أقول أنا خائف جداً، ولا أضمن على الإطلاق ألّا يتكرر ما حصل يوم السبت في أيّ وقت، إذ على الرغم من وجود جهوزية امنية لأي مُستجد، لا توجد ضوابط لا سياسية ولا طائفية ولا مذهبية ولا حتى اخلاقية تمنع حدوث ذلك، بل انّ المعطيات المتوافرة تؤكد انّ هناك عوامل كثيرة داخلية سياسية وطائفية ومذهبية، تضاف اليها عوامل خارجيّة تذكّي هذا الأمر وكلّها تدفع في اتجاه وحيد وهو إسقاط البلد أمنياً بعدما تم إسقاطه اقتصادياً ومالياً.
وبحسب المرجع نفسه «فإنّ الصورة واضحة تماماً أمام الاجهزة الامنية والعسكرية، وانّ المعلومات المتوافرة لديها تؤشر الى تحضيرات تجري للقيام بتحركات مماثلة في الآتي من الأيام. وكل الاجهزة تقوم بما عليها في هذا المجال».
ويلفت المرجع نفسه الى انّ التحذيرات السياسية من الانزلاق الى الفتنة، او تلك التي صدرت عن المرجعيات الدينية مهمة، ومطلوبة في هذا الوقت، خصوصاً انّ ما جرى يذكّر بأسوأ مشاهد الحرب الاهلية التي عاشها لبنان، إلّا انّ الأهم هو مبادرة القوى السياسية والمرجعيات على اختلافها الى تحمّل مسؤولياتها في رفع الغطاءات فوراً، وبصورة جدية وليس كلامية، عن كل العابثين بالامن ومثيري النعرات الطائفية والمذهبية، وقبل كل هؤلاء، رَفع الغطاء عن كلّ المحرّضين والمموّلين لمثل هذه التحركات، وهؤلاء باتوا معروفين بالأسماء إلّا أنّهم يتظلّلون بعباءات طائفيّة.
ولعل أخطر ما يشير اليه المرجع الأمني هو انّ الاجهزة الامنية والعسكرية على جهوزيتها الميدانية لِتَدارك أي طارىء، وهي قد بادرت منذ السبت الماضي الى تعزيز حضورها، وخصوصاً الجيش اللبناني، في أماكن التماس (عين الرمانة - الشياح، والطريق الجديدة - بربور ومحيطهما) منعاً لأيّ احتكاك. إلّا اذا تدحرج البلد في اتجاه الفتنة، ففي هذه الحالة تفلت الامور من أيدي الجميع وإمكانية الاحتواء تصبح شديدة الصعوبة».
أين السلطة؟
على أنّ الخوف الذي عبّر عنه المرجع الأمني المذكور، يتواكَب مع مآخذ سجّلتها أوساط سياسيّة مختلفة على أداء السلطة الحاكمة حيال ما جرى السبت الماضي، مقرونة بتساؤلات حول ما منعها من التعامل الفوري مع ما جرى بما يَستوجبه من استنفار حكومي، وحول ما أوجب غيابها الفاقع عن الصورة في الوقت الذي كانت الأرض تَميد بالاستفزازات والنعرات، وانتظارها الى ما بعد منتصف ليل السبت الأحد لتصدر تغريدة بكلمتي استنكار عن رئيس الحكومة!
واذا كانت السلطة قد بادرت الى عقد اجتماع في اليوم التالي للاحداث في السراي الحكومي للقيادات الامنية، لعرض التقارير الامنية التي تمّ تجميعها، خَلص الى «انّ الوضع اللبناني برمّته في دائرة الخطر الشديد»، فإنّ الأوساط السياسيّة تضع برسم السلطة الحاكمة جملة تساؤلات:
أولاً، تؤكد كل مفاصل السلطة، وكذلك القوى السياسية على اختلافها بأنّ أحداث السبت كانت متوقعة. فطالما الامر كذلك، لماذا لم تتخذ الاجراءات الاستباقية لمنعها؟
ثانياً، ألا يستدعي ما حصل يوم السبت، الدعوة الفوريّة الى جلسة طارئة لمجلس الوزراء لدرس مفاعيل هذه الاحداث الخطيرة؟
ثالثاً، ألا يستدعي ما حصل يوم السبت، مبادرة رئيس الجمهورية الى الدعوة الفورية الى عقد اجتماع للمجلس الاعلى للدفاع لتقييم مخاطر ما حصل واتخاذ الاجراءات الوقائية اللازمة منها، علماً انّ المجلس سبق له أن اجتمع لأسباب أقل أهمية في أوقات سابقة؟
رابعاً، أليس ما حصل يوم السبت جريمة موصوفة بحق البلد؟ وألا يستدعي ذلك مُسارعة مجلس الوزراء الى الانعقاد الفوري، واتخاذ قرار بالاجماع على إحالة أحداث السبت الى المجلس العدلي، باعتبارها من الجرائم الواقعة على أمن الدولة وتهدّد كيانها بالسقوط في الفتنة؟
خامساً، ألا يستدعي ما حصل السبت، مبادرة رئاسية الى الدعوة الى طاولة حوار سريعة بين مختلف القوى السياسية في القصر الجمهوري، لوضع جميع الاطراف أمام مسؤولياتهم السياسية والشعبية في ضبط بيئاتهم ونزع فتائل التوتير السياسي والطائفي والمذهبي؟
سادساً، لماذا لا تحدد الجهات الداخلية والخارجية التي تدفع البلاد الى الفتنة ولأي هدف؟ وإذا كانت تقارير الاجهزة الامنية والعسكرية تؤكد أنّ أسماء كلّ المتورطين والمشاركين والمحرّضين والممولين معلومة، فلماذا لا يتم عزل هؤلاء وإعلان أسمائهم امام كل اللبنانيين، ووضعهم جميعاً، أيّاً كانوا، وعَلناً، وبالأدلة الثبوتية، على لائحة المطلوبين للعدالة وملاحقتهم لمحاسبتهم، بجرم المَس بأمن الدولة وإثارة النعرات والانزلاق بالبلد الى الفتنة؟
سابعاً، الى جانب تلك الاسئلة الموضوعة برسم السلطة، ثمّة سؤال اضافي برسم المرجعيات الدينية على اختلافها: ألا يستدعي ما حدث السبت، عقد قمة روحية إسلامية - إسلامية، وإسلامية - مسيحية، تحت عنوان وحيد وهو نَبذ كل مثيري النعرات، وتأكيد التماسك والوحدة والعيش الواحد بين اللبنانيين بكل انتماءاتهم وعلى اختلاف معتقداتهم الدينية؟
عين التينة
في هذا الوقت، تعكس اجواء عين التينة أجواء قلق مما حصل السبت الماضي، بالتوازي من خشية من ان تكون احداث السبت الماضي «بروفة» لِما هو أخطر. وهذا أمر يضع كل القيادات السياسية في لبنان امام مسؤولياتها في منع البلد من الانزلاق الى الفتنة القاتلة».
وتعكس هذه الاجواء تحذير رئيس المجلس النيابي نبيه بري من جرّ البلد الى هذا الدرك، ودعوته الشديدة الى نبذ كل من يساهم في هذه الفتنة، مؤكداً في الوقت نفسه «اننا سنتصدّى للفتنة ولن نسمح بها، سيفاجأ من يحاول أن يوقظها بمدى تَصدّينا لها».
وبحسب هذه الاجواء فإنّ أوجَب الواجبات هو التنبّه للفتنة التي تُحاك، ولمن يحيكها، هناك من ينسج خيوطها في غرف سوداء تحاول ان تجرّ البلد الى الفتنة العمياء، وهذا أمر يدفع ثمنه كل اللبنانيين خصوصاً في هذا الظرف الاقتصادي والمالي والمعيشي الاليم والموجع، علماً أنّ هَم اللبنانيين الاول في هذه المرحلة هو تجاوز محنتهم الاقتصادية وتوفير لقمة عيشهم، ومن غير المسموح ابداً الانتقال بهم الى هَم اكبر واخطر يتعلق بمصيرهم، ومصير البلد».
السرايا
بدورها، عكست مصادر السرايا الحكومي لــ»الجمهورية» جهوزية الحكومة في مواكبة ما يحصل، وما يتطلبه من إجراءات، الّا انّ المسؤولية تقع بالدرجة الاولى على القوى السياسية، وتتخذ إجراءاتها مع «ناسها» لمَنع انزلاق البلد الى فتنة خطيرة ومميتة، وهذا يتطلّب بالدرجة الاولى مبادرة هذه القوى الى رفع الغطاء عن كل من يحاول أن يثير النعرات ويزرع بزور الفتنة، فهؤلاء يجب ان يحاسبوا ويوضعوا في السجون، وكل واحد يجب ان يتحمّل مسؤولية عمله وما يقوم به».
وأكدت المصادر انّ الاجتماع الامني الذي عقد في السرايا الاحد كان حازماً في التأكيد على مواجهة الفتنة وملاحقة المُتسبّبين، وعدم السماح بالعودة الى الفوضى».
وقالت المصادر: الوقت ليس للاستثمار السياسي من قبل ايّ كان، علماً انّ هذا الاستثمار ليس في قاموس الحكومة او رئيسها، بل انّ الاستثمار الوحيد يجب ان يكون لمصلحة البلد. ومن هنا، فإنّ الخطر كبير جداً، واذا وقعت الفتنة لا سمح الله، لن يبقى بلد، كما لن يبقى اي شيء يمكن ان يتنافسوا عليه بالسياسة وغيرها، او لتسجيل نقاط على الآخر من خلاله. ما يجري يتطلّب وعياً وطنياً ومسؤولية كبرى، وان تتحمّل كل القوى السياسية مسؤوليتها الوطنية، لبنان لا يتحمّل أزمة اقتصادية واجتماعية ومالية متراكمة وموروثة، وفتنة طائفية ومذهبية تذهب بالبلد وبكل شيء».
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.