كتب علي الشاهين (*) :
بعد مرور ما يقارب عامين من انتخابات نيابية متوترة في الجبل و تبعها حادثين امنيين ( الشويفات و قبرشمون ) اوقعت ضحايا و سيطرت اجواء مشحونة بالتشنج الامني و السياسي بين "الحزب التثدمي الاشتراكي" و "الحزب الديمقراطي" ، و بعد لقاء بعبدا أواخر الصيف الماضي ، و برعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري عقد لقاء مصالحة بين الطرفين في عين التينة، نتج عنه تشكيل لجنة من الأطراف الثلاثة سيكون عملها مناقشة المسائل الخلافية في الشأن الدرزي..
ماهي خلفيات و أبعاد و الثمرات المرجوة لهذه المصالحة و انعكاسها المتوقعة على منطقة الجبل ؟
بداية نشير إلى أن هناك ثلاث ميزات حيوية و مركزية تتعلق بخصوصية منطقة الجبل و ذلك على مستوى التاريخ و الكيان و الثقافة و هي التالية :
١_ تشكل طائفة الموحدين الدروز بمثابة البذرة الأولى لنشوء فكرة الكيان اللبناني و هذا أمر له مدلولاته الوطنية و التاريخية و الأدبية العديدة اعطت الدروز نكهة خاصة و حيوية متميزة في لعب دور متميز في حفظ الأرض و الوطن.
٢_ يجمع المراقبون و المؤرخون ان الموحدين الدروز يتميزون بأنهم عند وقوع الأزمات و الأخطار المصيرية يسارعون إلى الاتحاد بشكل قوي و عدم السماح للخلافات أو التباينات أن تكون عائقا لهذا الاتحاد،
٣_ الجغرافيا أعطتهم قوة مضافة، حيث موقع المنطقة ، جعلت الجبل يأخذ مكانة الرئة للوطن .
حاليا و في مطلع القرن الحالي و بعد دخول لبنان مرحلة ما بعد الزلزال الكبير المتجسد باغتيال رفيق الحريري ، ٢٠٠٥ بدأت ظهور معادلات جديدة تظهر في ميزان القوى الداخلية و بدأت تتصاعد انعكاس هذه المعادلات على مختلف المكونات و الأحزاب و المناطق اللبنانية حيث صنعت شروخا و اصطفافات مختلفة انعكست على جوانب عديدة من الحراك السياسي و الأمني في البلاد ، و منها منطقة الجبل( ٢٠٠٨ ) ، انما بحنكة و مسؤولية و استشراف عالي من العقلاء و القيادات الدرزية و على رأسهم البيك و الأمير اعتمدوا تفاهمات و اجترحوا آليات مختلفة حفظت الجبل و استمر ذلك إلى مطلع الحرب السورية ٢٠١١ ، و منها بدأ بروز التباينات بين المرجعيات الدرزية و كانت الذروة في انتخابات ٢٠١٨ ، ( و دخول التيار الوطني الحر على الخط ، الانتخابات النيابية الاخيرة ) و هي التي أوصلت الجبل الى حادثتي الشويفات و قبرشمون ، و أدخلت الجبل في مناخات التوتر و التشنج.
الان ما الذي حصل و أعاد اجواء التفاهم و التلاقي و التعاون بين الطرفين ؟
حول ذلك يقول الأستاذ الباحث كمال شيا رئيس بلدية صوفر و رئيس اتحاد بلديات الجرد : " لا شك أن البلد دخل مرحلة شديدة الخطورة و تتصاعد يوما بعد يوم و ذلك انعكاسا للكباش الدولي في المنطقة و انعكاسها على مختلف المسائل و الملفات الداخلية، ناهيك عن احتدام الخلافات الداخلية أفقيا و عاموديا ، و تزداد المخاوف عند كل المكونات و المناطق و الأطراف من المصير و المستقبل المجهول إضافة إلى أن البلد، يعاني من أزمات اقتصادية و مالية و إجتماعية حادة ، جعلت قيادات الجبل يحرصون على ضرورة إتاحة الفرصة لاستيلاد حلول و تفاهمات في المنطقة تضمن الاستقرار و الأمان و الأمن، و هذا اتى استشعارا منهم بأن هناك مخاطر قادمة إلى البلاد ".
و يضيف شيا: " لا بد من توحيد الجهود و عدم السماح إلى أية ثغرة ما وضرورة تمتين البيت الداخلي في الجبل " .
و يرى ناشط ثقافي آخر في الجبل أن هذه المصالحة " أتت في الوقت المناسب، حيث ناهيك عن المخاوف من مخاطر قادمة إلى البلد و خصوصا نحن نمر في مرحلة رسم الخرائط في الإقليم، فهناك أيضا الأزمات المعيشية والسياسية ، و أن هناك تعاطف و تأييد عند الأكثرية الساحقة من مجتمع الحبل لهذه المصالحة" .
نختم بسؤالي، الأول: هل هذه المصالحة تكون حافزا للغير ، خصوصا انها تصب في روافد السلم الأهلي للوطن؟ سؤال تجيب عنه الأيام.أما السؤال الثاني فكيف سيحفز وليد جنبلاط نظراءه للسير مثله حيث هو ، الذي في إحدى تصريحاته يرى أن لبنان يمر هذه الأيام في أزمات و تخبط و فتن ويشبّه الوضع مثل رجل يسير على حبل رفيع جدا فوق نهر يقطع من ضفة إلى أخرى " ولذلك يدعو جنبلاط دائما اللبنانيين إلى الحوار و الصبر و العمل على درء الفتن و الحفاظ على الوطن و السلم الأهلي و العيش المشترك.. الإجابة عند المحلل السياسي سركيس نعوم حيث قال لكاتب السطور " اصلي لله بأن يعطي وليد بيك دوام القوة و الصحة ليستمر يعمل لدرء الفتن عن الوطن و للمّ الشمل " .
(*)إعلامي وباحث في الشؤون السياسية
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.