خيرالله خيرالله

28 حزيران 2020 | 07:53

كتب خيرالله خيرالله

معركة مصطفى الكاظمي لاسترداد الدولة

معركة مصطفى الكاظمي لاسترداد الدولة

تدخل حكومة مصطفى الكاظمي ويدخل معها العراق منعطفا في غاية ‏الاهمّية في ضوء المواجهة القائمة مع ميليشيات تابعة لإيران تريد ان ‏تكون دولة داخل الدولة العراقية وتحويل العراق "ساحة" مواجهة ‏أميركية – إيرانية.‏

من الواضح انّ الكاظمي الذي شكّل حكومته في السابع من ايّار – مايو ‏الماضي يعرف تماما ماذا يعني ان يكون العراق مجرّد "ساحة"، على ‏غرار ما هو عليه لبنان الذي بات مصيره على المحكّ وفي مهبّ الريح. ‏انّه يمارس في الوقت الحاضر لعبة كبيرة لا يتوقّف عليها مستقبله ‏السياسي فحسب، بل يتوقّف عليها ايضا مستقبل العراق وموقعه في ‏المنطقة اوّلا.‏

ليس اعتقال جهاز مكافحة الإرهاب العراقي 13 عنصرا من "كتائب ‏حزب الله" في الدورة، جنوب بغداد، سوى إشارة الى نية حكومة ‏الكاظمي ان تكون السلطة الوحيدة في البلد. اعتقل الجهاز هؤلاء، وهم ‏ينتمون الى ميليشيا تابعة لإيران، فيما كان يحاولون اطلاق صواريخ في ‏اتجاه اهداف أميركية. جرت العادة في الأشهر الثمانية الأخيرة ان تطلق ‏ميليشيات من نوع "كتائب حزب الله" صواريخ تلبية لرغبات إيرانية. ‏تفعل ذلك من اجل ان تؤكّد "الجمهورية الإسلامية" انّها تستطيع التحرّك ‏بحرّية في العراق وان لا عودة عن المكاسب التي حققتها منذ سلمتها ‏إدارة جورج بوش الابن العراق على صحن من فضّة في نيسان – ابريل ‏من العام 2003.‏

سيتبيّن في الأسابيع المقبلة الى ايّ حدّ تغيّر العراق والى ايّ حدّ يستطيع ‏مصطفى الكاظمي ان يكون رجل التغيير في بلد وصل فيه النظام القائم ‏منذ العام 2003 الى طريق مسدود. يمرّ العراق حاليا في امتحان مهمّ ‏يتجاوز شخص مصطفى الكاظمي ومستقبله السياسي.‏

ما يدعو الى التفاؤل الحذر بقدرة العراق على ان يكون بلدا طبيعيا البيان ‏الصادر عمّا يسمّى "قيادة العمليات المشتركة" التي تمثّل في واقع الحال ‏المؤسسة العسكرية، خصوصا جهاز مكافحة الإرهاب الذي على رأسه ‏الضابط المحترف عبد الوهاب الساعدي الذي ازاحه عادل عبد المهدي ‏واعاده الكاظمي الى الموقع الاوّل في هذا الجهاز. تبنّت "قيادة العمليات ‏المشتركة" اعتقال عناصر "كتائب حزب الله". هذا يشير الى استعداد ‏المؤسسة العسكرية لتغطية حكومة الكاظمي وتحرّكها الهادف الى ان ‏تكون المؤسسة العسكرية الجهة الوحيدة التي تمتلك شرعية حمل السلاح ‏في العراق. هذا يتعارض كلّيا مع التوجّه الإيراني الذي يقوم على تكوين ‏نظام عراقي الغلبة فيه للميليشيات التي يسيطر عليها والتي تعمل حاليا ‏تحت عنوان عريض اسمه "الحشد الشعبي".‏

تشير التطورات الأخيرة، على الرغم من التهديدات التي وجهتها "كتائب ‏حزب الله" الى الكاظمي وسعيها الى التمركز داخل "المنطقة الخضراء" ‏في بغداد، الى انّ تعديلا طرأ على موازين القوى في الداخل العراقي. ‏يكشف هذا التعديل عجزا لدى الميليشيات التابعة لإيران كي تكون ‏صاحبة الكلمة الأخيرة في العراق. يؤكّد هذا العجز الاهمّية التي كانت ‏لقاسم سليماني الذي شغل موقع قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري" ‏الإيراني قبل ان يغتاله الاميركيون في الثالث من كانون الثاني – يناير ‏الماضي بعيد وصوله الى مطار بغداد في رحلة من دمشق. لم يعد لدى ‏ايران رجلها في العراق. تعكس ذلك حال الضياع التي يعاني منها ‏الإيرانيون في العراق. فقدت ايران عمليا قاسم سليماني الذي كان يعرف ‏البلد عن ظهر قلب ويعرف خصوصا كيف التأسيس خطوة خطوة لنظام ‏عراقي يكون نسخة عن النظام الإيراني حيث يلعب "الحرس الثوري" ‏الدور الاوّل في إدارة البلد وتحديد سياساته داخليا وخارجيا.‏

الأكيد ان غياب قاسم سليماني ومعه أبو مهدي المهندس، نائب قائد ‏‏"الحشد الشعبي" والرجل القويّ فيه، لم يكن العامل الوحيد وراء تراجع ‏المشروع الإيراني في العراق. لا يمكن تجاهل العقوبات الأميركية التي ‏جعلت "الجمهورية الإسلامية" تدرك انّ أي مشروع توسّعي يحتاج الى ‏موارد. لم يعد في الإمكان الاكتفاء بالرهان على اثارة الغرائز المذهبية ‏كي تبقى ايران في العراق بالصورة التي كانت في الماضي وكي تعمل ‏في المنطقة على إقامة أنظمة شبيهة بـ"الجمهورية الإسلامية" حيث الدور ‏الاوّل لـ"الحرس الثوري".‏

ثمّة من يعتقد ان مصطفى الكاظمي لا يمكن ان يذهب بعيدا في محاولة ‏السيطرة على الميليشيات المذهبية وتقليص دورها. لكنّ ما يشير الى انّه ‏لا يمكن الّا ان يسير في اتجاه تأكيد سلطة الدولة العراقية غياب ايّ خيار ‏آخر امامه. لديه حاجة الى تحقيق انتصار في هذا الاتجاه الذي يصبّ في ‏إعادة الحياة الى مؤسسات الدولة بما يؤكد ان العراق هو العراق وايران ‏هي ايران.‏

لماذا لا خيار آخر امامه؟ هذا عائد الى انّ سوء الوضع الاقتصادي ‏العراقي لا يترك لمصطفى الكاظمي، في حال يريد تفادي سقوط حكومته ‏واسكات الشارع، سوى تحقيق انتصار في مكان آخر. مثل هذا الانتصار ‏لا يكون سوى بإعادة الحياة الى الدولة ومؤسساتها الشرعية بدل ان يكون ‏العراق دولة الميليشيات التابعة لإيران.‏

مثل هذا الانتصار يمكن ان يعوّض للعراقيين الفشل على كلّ المستويات، ‏وهو فشل مستمر منذ العام 2003. في أساس هذا الفشل ترك ايران ‏تسرح وتمرح في العراق من جهة وغياب أي تنمية من ايّ نوع من جهة ‏أخرى. بقي العراق اسير سعر النفط على الرغم من انّه بلد غنيّ بكل ‏المقاييس. لم يبق عراقي يمتلك مؤهلات حقيقية في العراق. لم يبق في ‏العراق وفي السلطة سوى مجموعة من الفاسدين اضاعوا مئات مليارات ‏الدولارات في مشاريع وهمية لم يكن لها أي تأثير في مجال تحسين ‏الوضع المعيشي.‏

الثابت انّ معركة مصطفى الكاظمي من اجل استرداد الدولة العراقية لن ‏تكون سهلة على الرغم من الدعم الأميركي وعلى الرغم من دخول ‏حكومته في مفاوضات استراتيجية مع الولايات المتحدة في شأن مستقبل ‏وجودها في العراق. ستقاتل ايران بكل ما بقي لديها من إمكانات كي تبقى ‏في العراق، خصوصا ان النظام فيها يعرف ان مستقبله مرتبط الى حدّ ‏كبير بإمكان تصدير ثورته الى خارج حدوده... الى العراق تحديدا.‏

ما لا يمكن تجاهله ان العراق كان البلد الاوّل الذي استهدفته ايران بعد ‏نجاح آية الله الخميني في إقامة نظام "الجمهورية الإسلامية" فيها في العام ‏‏1979. هذا ما يفترض الّا يغيب عن بال مصطفى الكاظمي في ايّ ‏لحظة! ‏

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

خيرالله خيرالله

28 حزيران 2020 07:53