خيرالله خيرالله

3 تموز 2020 | 22:42

كتب خيرالله خيرالله

لبنان... والاوهام العراقية والايرانية والصينية

لبنان... والاوهام العراقية والايرانية والصينية

لا يمكن للاوهام انقاذ لبنان من الوضع شبه الميؤوس منه الذي هو فيه. ثمّة حاجة الى التعاطي ‏مع الواقع قبل الدخول في أي بحث عن حلول ومخارج. تقتضي الخطوة الاولى، من اجل التخلّي ‏عن الأوهام، نسيان انّ هناك حلا في الصين او العراق... او ايران. كلّ ما في الامر ان الاقتصاد ‏في لبنان في حاجة الى ضخّ كمّية كبيرة من الدولارات. ليس في استطاعة ايّ جهة ضخّ مثل هذه ‏الكميّة، وان على دفعات، سوى صندوق النقد الدولي الذي لديه شروطه من اجل مساعدة لبنان، ‏وتوفير قروض هو في امسّ الحاجة اليها.‏

في مقدّم هذه الشروط تأتي الإصلاحات. لو كان لبنان قادرا على القيام باي إصلاحات، لما ‏وصلت الأمور الى ما وصلت اليه ولما حصل كلّ هذا الانهيار الذي جعل مستقبل النظام ‏المصرفي اللبناني في مهبّ الريح.‏

قبل فترة قصيرة، طالب وزيران لبنانيان في لقاء افتراضي، عبر "زوم" مع وزير الخارجية ‏الفرنسي جان ايف لو دريان بتنفيذ مقررات مؤتمر "سيدر" الذي انعقد في باريس في نيسان – ‏ابريل 2018. خصّص المؤتمر، الذي كان وراءه سعد الحريري والذي ما كان لينعقد لولاه ولولا ‏الرئيس ايمانويل ماكرون، مبلغ نحو 11 مليار دولار لتنفيذ مشاريع في لبنان.‏

كان جواب الوزير الفرنسي، ردّا على طلب الوزيرين، ان على لبنان الاتفاق مع صندوق النقد ‏الدولي قبل الكلام عن "سيدر" وما خصصه له من مليارات لتنفيذ مشاريع معيّنة يحتاج اليها البلد ‏‏.‏

في النهاية، انّ الموضوع يتعلّق بإصلاحات تبيّن ان الحكومة الحالية غير قادرة على تنفيذها. هذه ‏الإصلاحات كان مطلوبا المباشرة بها في عهد حكومة سعد الحريري التي تشكّلت بعد انتخابات ‏ايّار – مايو 2018. لم تستطع تلك الحكومة اتخاذ أي خطوة ذات طابع إصلاحي بعدما تبيّن ان ‏الحلف غير المقدّس القائم بين "حزب الله" و"التيّار الوطني الحر" لا يقبل أي نوع من ‏الإصلاحات. كان هذا الحلف مسيطرا على الحكومة وليس لديه أي همّ اسمه لبنان والخروج من ‏الازمة. على العكس من ذلك، لدى "حزب الله" اجندة ذات طابع إقليمي خاصة به. إضافة الى ‏ذلك، ان لبنان واللبنانيين والمصارف آخر همومه. لبنان بالنسبة اليه "ساحة إيرانية" ولا شيء ‏آخر غير ذلك. امّا "التيّار الوطني الحر"، أي حزب رئيس الجمهورية ميشال عون الذي يرئسه ‏صهره جبران باسيل، فلا طموح لديه سوى ان يخلف جبران باسيل ميشال عون في قصر بعبدا. ‏ليس امام ما يسمّى بـ"العونيين" سوى استرضاء "حزب الله" باي شكل كونهم يعرفون انّه صار ‏الطرف الذي يقرّر من هو رئيس الجمهورية اللبنانية المسيحي.‏

بين انقاذ ما يمكن إنقاذه من لبنان والوصول الى بعبدا بايّ ثمن كان، يفضّل جبران باسيل الخيار ‏الثاني...‏

ليس امام لبنان سوى صندوق النقد الذي تحوّل الى المفتاح الذي يسمح بالخروج من الانهيار ‏الكلّي. فالعراق، حتّى لو امتلك كلّ النيّات الطيبة، بلد مفلس لديه مشاكل ضخمة لن يقوى على ‏حلّها في المدى المنظور لسببين على الاقلّ. الاوّل هبوط سعر برميل النفط والآخر العدد الضخم ‏لموظفي القطاع العام الذين يقبضون راتبا من الدولة من دون ان يكون لهم ايّ عمل!‏

ليس ما يدعو الى العودة سنوات الى خلف لشرح كيف افلس العراق وكيف تعرّض لعملية نهب ‏منظّمة لمئات مليارات الدولارات استفادت منها أحزاب مذهبية تابعة لايران مارست الفساد ‏بوقاحة بطريقة فريدة من نوعها على مستوى العالم. حصل ذلك منذ العام 2003 تاريخ تسليم ‏إدارة جورج بوش الابن البلد على صحن من فضّة الى ايران. لا شكّ ان رئيس الوزراء الجديد ‏مصطفى الكاظمي يودّ مساعدة لبنان ويكنّ له ودّا، لكنّ ما ينطبق عليه هو المثل القائل: العين ‏بصيرة، لكنّ اليد قصيرة.‏

يظلّ مجيء وفد وزاري عراقي الى لبنان، للبحث في كيفية تنظيم العلاقات التجارية بين البلدين، ‏امرا جيّدا. لكنّ ما لدى لبنان يصدّره الى العراق من منتجات زراعية محدود جدّا. ثمّ هل لدى ‏العراق نفط يرسله الى لبنان في موازاة ما يمكن ان يأتيه من لبنان؟ على الرغم من الثروة النفطية ‏العراقية، لن تقدّم ايّ اتفاقات تجارية مع العراق او تؤخّر في شيء. لا يمكن للبنان العيش في ‏غياب القدرة على التعاطي مع الحقائق ومع لغة الأرقام التي لا بديل منها. انّها اللغة السائدة في ‏العالم... الى اشعار آخر.‏

امّا بالنسبة الى الصين، فلديها حسابات أخرى مع بلد مثل لبنان تقيم معه علاقات تجارية منذ ‏سنوات طويلة. معروف كيف تعمل الشركات الصينية وما هي شروطها. اكثر ما هو معروف ‏انّها ليست جمعيات خيرية ولا تؤمن سوى بالربح والخسارة. هناك بالطبع علاقة قويّة بينم ‏الصين وايران، وهناك اهتمام صيني بالوجود على شاطئ المتوسط، لكن ذلك ليس كافيا كي تأتي ‏الصين وتستثمر مئات ملايين الدولارات في لبنان.‏

ليس في استطاعة الحكومة اللبنانية الحالية، وهي "حكومة حزب الله" تأمين اجماع وطني على ‏أي طرح لها. ليس لدى العهد ما يقدّمه الى اللبنانيين. هناك كثيرون يرمون انفسهم من السفينة ‏‏"العونية" في الوقت الحاضر. ابرز دليل على ذلك تقديم المدير العام لوزارة المال آلان بيفاني ‏استقالته قبل ايّام.‏

الأكيد ان العهد القائم جعل من لبنان سفينة تغرق. قدّمت الحكومة الى صندوق النقد خطة ‏اقتصادية تعتبر لبنان بلدا مفلسا وليس متعثرا. لا تحظى الخطة بايّ اجماع وطني. فوق ذلك كلّه ‏لم تقدم الحكومة على أي اصلاح من ايّ نوع كان. هناك تعلّق باوهام، مثل الوهم الصيني والوهم ‏العراقي... او الايراني، بدل الذهاب الى صندوق النقد الدولي بخطّة موحّدة تعكس تطلعات ‏اللبنانيين الى البحث عن باب للخروج من الانهيار الذي جعل الحد الأدنى للأجور يصل الى 70 ‏دولارا. نعم 70 دولارا في بلد اسمه لبنان الذي كان نظامه المصرفي من بين الاهمّ في العالم!‏

هناك لبنانيون يبحثون عن الخبز. هناك لبنانيان انتحرا اخيرا. هناك تعليق للمفاوضات بين ‏الحكومة وصندوق النقد. اخطر ما في الامر انّ هناك من لا يريد اخذ العلم بما يحصل في الداخل ‏والمنطقة والعالم وماذا يعني ان يكون لبنان في ظلّ "حكومة حزب الله" و "عهد حزب الله" وان ‏يكون الحزب الذي ليس سوى لواء في "الحرس الثوري" الإيراني بمثابة الحزب الحاكم في البلد!‏

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

خيرالله خيرالله

3 تموز 2020 22:42