10 تموز 2020 | 08:27

أخبار لبنان

الشيء وضده على "سطح حسان"!


المصدر: فيوليت غزال البلعة - Arab Economic News

أكثر ما يخشاه اللبنانيون قد يكون بدأ فعلا على يد حكومة إنقاذ إقتصادي، لكنها حوّلت وجهتها لإنقاذ البلاد من الوقوع في براثن الإنتعاش والنمو والبحبوحة.. وما هذه الأيام سوى الدليل القاطع على كل ما يناقض أقوال حكومة حسان دياب الغارقة في أفعال ستسير بلبنان، إن بقي العناد سياسة سائدة، إلى ما لا يقوى اللبنانيون على تحمّله، بدءا بالعزلة الدولية وصولا إلى توفير كل مقومات الفقر والحرمان والعوز والجوع... ما يعني التخلّف بكل أشكاله، والذي بدأ مع التخلف عن دفع الديون، وتفرّع ليشمل كل مقومات الحياة لمواطنين باتت الهجرة حلما جماعيا نحو دول توصد تباعا أبوابها أمامهم تحت ستار "كورونا" المتفشية.

بالأمس، فاض رئيس الحكومة حسان دياب بما ينضح. هو كعادته، يقول الشيء ويفعل نقيضه. أعلن أن "لا نية لتغيير النظام الإقتصادي الحرّ للبنان"، ويتمسّك بخطة مالية خصّصها لتعافي الإقتصاد، بينما تخطط لتدمير القطاع المالي برمته ومصادرة أموال المودعين والمستثمرين "دون استشارتهم" بغية شطب خسائر الدولة. قال إن الخسائر المالية للبنان تقارب الـ240 ألف مليار ليرة، رافضا خلاصة عمل لجنة تقصي الحقائق التي خفّضت هذا الرقم الى 80 ألف مليار ليرة، ومعتبرا أن هناك "خطأ" في الحسابات. قال إنه مصمّم على تنفيذ الإصلاحات بدءا من التعيينات، وسيعتمد آليات وضعها مجلس الوزراء لاختيار الأكفياء وأصحاب الخبرات والمعارف وذوي الكفّ النظيف. وفي الواقع، جاءت التعيينات المالية والكهربائية لتكرّس "قوة" نظام المحاصصة بين سياسيي السلطة، فيما تبقى معطلة التعيينات القضائية بعد نحو شهرين على إعداد لائحة مجلس القضاء الأعلى الذي يقرّ الجميع بنزاهة رئيسه وأعضائه!

أصرّ حسان دياب إن لا نية لدى حكومته لتغيير النظام الإقتصادي الحرّ، وفي رأيه تكمن المشكلة في فهم مفهوم هذا النظام، "اذ كانت الفوضى الإقتصادية الحرة هي السائدة في البلد او ربما نظام الهدر الحرّ"، فيما تتعمّد خطة التعافي المالية تغيير وجهة لبنان بوضوح لا لبس فيه ودفعه نحو الإقتصاد الموّجه، وهو ما بدأ يترجم عمليا من خلال مصادرة أموال المودعين (الجميع يدافع عنها ولا أحد يحدد مصيرها، وهي لا تزال في علم الغيب) والمضي في خطة إفلاس المصارف المُراد تصفيتها كرمى لعيون خمسة مصارف جديدة ستوكل إليها مهمة الإمساك بالسوق ومراقبة حركة إنتقال الأموال غصبا عن عقوبات واشنطن.

يغفل حسان دياب أن حكومته إعتمدت "أبشع السيناريوهات" للديون الخارجية، حين سجّلت سابقة تاريخية مع قرار إعلان تمنّع لبنان عن دفع إصدارات "اليوروبوندز" الـ27 والبالغة قيمتها نحو 31.1 مليار دولار، والمملوكة بمعظمها من شركات وصناديق أجنبية لم يعرف بعد ما إذا كانت مفاوضات التسوية معها قد بدأت فعلا. والمستغرب أن قرار التخلّف عن الدفع يسري على ديون الثلاثين عاما المقبلة، بما يوحي بوجود يقين لديه يقطع أي شكّ بقدرة لبنان مستقبلا على الإيفاء بديونه، فيما تعد خطة الحكومة بتعافٍ إقتصادي في فترة زمنية قصيرة، تنقل لبنان من إنكماش حاد بنسبة 13.8% هذا العام الى نمو حقيقي بنسبة 3.1% عام 2024!

يقول حسان دياب أن ثمة مؤامرات تُحاك ضده وتحاول إسقاط حكومته، وقد كشفها وسيفضحها في الوقت المناسب. يتهم الأشباح بالإنقلاب الذي يُدبّر لحكومته، ثم يعود أمس ليرحب بالإنتقاد البناء "لأننا مقتنعون بالنقد الموضوعي الذي يصوّب عملنا. لكن المؤسف أن النقد لا يستند على منطق النقد الموضوعي وإنما ينطلق من قاعدة "عنزة ولو طارت".. وها هي الحكومة تعاند لجنة تقصي الحقائق ومصرف لبنان والمصارف لمجرد معارضتهم لأرقام الخسائر المالية التي ضخّمتها الحكومة بدل ضغطها، ولم تبادر الى توحيدها بعد لتحسين موقع لبنان التفاوضي مع صندوق النقد.

يجاهر حسان دياب بالوقوف في وجه رياض سلامة، وهو لا يفقه، كما معظم وزرائه، في آليات عمل مصرف لبنان وسياساته حفظا لسعر صرف حفظه الحاكم لعقود. فتارة يأخذ عليه تدخله لتثبيت الليرة، ويعود طورا ليرغمه على التدخل. ينتقده على تدني مستوى الإحتياطي الأجنبي، ثم يعود ليحمّله ومن مخزون الاحتياطي، وزر دعم المواد الأساس (محروقات وقمح ودواء و300 سلعة غذائية)، ولا يرف له جفن حيال بقاء مسارب التهريب دعما لإقتصاد سوريا، ما زالت مفتوحة عبر معابر غير شرعية، معروفة بالمواقع والأسماء والمافيات.

يأسف حسان دياب لأن "هناك دائما خلطا بين الدولة والسلطة. وكلما أخطأت الدولة تتحمل السلطة وزر الأخطاء". ويقول إن "الدولة ليست هي مَن أخطأ، انما السلطة هي التي استدانت وصرفت وأهدرت مال الدولة". لكن، ما همّ المواطن من الفارق وهو المشغول بقياس قفزات الدولار. فالسلطة هي الدولة والعكس صحيح، والنتيجة واحدة، تردد آخر تداعياتها بالأمس مع تسريب من مصادر حكومية، مفاده أن مصارف عالمية من ضمنها "جي بي مورغان" رفضت تأكيد اعتمادات مالية لبنانية لشراء المحروقات، بحجة أن "لبنان يستورد أكثر مما يحتاج، والكميات تهرّب إلى سوريا، وهذا ما تسبب بأزمة الكهرباء الراهنة".

ربما لا يعلم حسان دياب ان في الخبر غير المفاجئ، مؤشرات على شعيرات بدأت تنقطع ما بين لبنان والعالم. اليوم، ثمة مشكلة في فتح الإعتمادات لتجارة لبنان الخارجية، وغدا ستكرّ السبحة: المصارف المراسلة، التدفق الإستثماري الخليجي والعالمي، السياح العرب والأجانب... وكل ذلك يعني وقف دخول الدولارات الطازجة الكفيلة وحدها بإنعاش إقتصاد لبنان.. يخشى أن يكون حسان دياب بدأ فعلا بإجراءات العزل!


يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

10 تموز 2020 08:27