خيرالله خيرالله

11 تموز 2020 | 12:40

كتب خيرالله خيرالله

‏ التخبّط يزداد في دمشق

‏ التخبّط يزداد في دمشق

بعد ثلاثة أسابيع على دخول "قانون قيصر" حيّز التنفيذ، تزداد ردود فعل النظام في سوريا ‏عشوائية. هناك عشرات الأمثلة على ان النظام، الذي يتظاهر بانّه قادر على مقاومة "قانون ‏قيصر"، دخل مرحلة جديدة من الانفصال التام عن الواقع‎.‎

هذا لا يعني انّ النظام كان على علاقة من ايّ نوع بالواقع، منذ خلف بشّار الأسد والده في مثل ‏هذه الايّام العام 2000. لكنّ الجديد في الامر ان التخبط زاد في دمشق حيث يرفض النظام ‏الاعتراف بانّ صفحته طويت وان الورقة الإيرانية لم تعد ورقة. اكثر من ذلك، بات هناك ادراك ‏عميق لدى النظام، وهو ادراك يرفض الاعتراف به، بانّ لروسيا حسابات خاصة بها من جهة ‏وانّها في حال ضياع من جهة أخرى‎.‎

تقوم الحسابات الخاصة الروسية على انّ سوريا ورقة وانّه قد يأتي فيه يوم يمكن فيه المساومة ‏على بقاء بشّار الأسد في دمشق. المشكلة في غاية البساطة. في أساس هذه المشكلة الروسية انّ ‏ليس هناك من هو مستعد لشراء الورقة التي اسمها رأس النظام السوري او من لديه رغبة في ‏ذلك. ما يؤكّد هذا الامر، ان روسيا راحت في السنة الماضية تبحث عن طريقة أخرى في ‏التعاطي مع الوضع السوري، معتمدة على تركيا وإسرائيل، في وقت لا تبدو اميركا مستعجلة ‏على إخراجها من المستنقع الذي وجدت نفسها فيه. على العكس من ذلك، هناك رغبة أميركية ‏واضحة يعبر عنها المسؤول الأميركي عن الملفّ السوري جيمس جيفري. لم يخف جيفري اخيرا ‏انّ لا مانع لدى الإدارة الاميركية في ان تغرق روسيا اكثر فاكثر في المستنقع السوري‎.‎

ما يكشف حجم الضياع الروسي في سوريا اضطرار موسكو الى الدخول في صفقات مع تركيا ‏التي تحتلّ جزءا من الشمال السوري والتي تبدو مستعدة لتكريس هذا الاحتلال، بل وتوسيعه كي ‏تصل، في غضون شهرين، الى محيط حماة. فجأة، صارت روسيا أسيرة اتفاقات تمّ التوصّل ‏اليها مع تركيا، تماما مثل تلك التي توصّلت اليها مع إسرائيل في ظلّ علاقة متميّزة تجمع بين ‏الرئيس فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو‎.‎

تحوّل الاحتلال التركي لقسم من سوريا الى امر واقع اخذ علما به كلّ من يعنيه الامر، بما في ‏ذلك روسيا وأميركا وإسرائيل. يبقى الاستثناء الوحيد النظام في دمشق طبعا، وهو نظام يعيش في ‏عالم خاص به. انّه نظام يرفض حتّى الإقرار بانّ الاحتلال التركي لاراض سورية دخل مرحلة ‏باتت فيها العملة التركية هي المعتمدة في مناطق سورية معيّنة‎!‎

ما يبدو لافتا للنظر في ظلّ المعادلة الجديدة التي باتت تتحكّم بالوضع السوري، إصرار النظام ‏على التصرّف وكأن شيئا لم يكن، علما انّه ليس قادرا حتّى على التعاطي مع اهل درعا التي ‏انطلقت منها الثورة في آذار – مارس 2011 او مع المواطنين الدروز في السويداء ومحيطها‎.‎

مع اقتراب موعد اعلان واشنطن فرض عقوبات على مزيد من الشخصيات السورية، ومع ‏الإصرار الأميركي على ادخال المساعدات الدولية الى الشعب السوري، بعيدا عن المنظمات غير ‏الحكومية التي ترتبط بأسماء الاخرس، زوجة بشّار، يعتقد النظام ان التصرفات ذات الطابع ‏العشوائي يمكن ان تغطي على تخبّطه‎.‎

من منع سوريين موجدين في لبنان من دخول سوريا عن طريق نقطة المصنع، الى فرض ‏تصريف 100 دولار بالعملة المحلّية على كل مواطن سوري يرغب في العودة... الى بلده، الى ‏الإصرار على اجراء انتخابات نيابية في التاسع عشر من الشهر الجاري، على الرغم من ‏الانتشار السريع لوباء كورونا، الى الاتفاق العسكري والأمني الجديد الذي وقعه وزير الدفاع ‏السوري ورئيس الأركان الإيراني قبل أيام في دمشق، ليس ما يشير الى ان النظام على استعداد ‏للاقتناع بانّ ليس ما يمكن الحؤول دون التفتت النهائي لسوريا غير رحيله. لا مفرّ من رحيل ‏النظام من اجل ولوج مرحلة انتقالية بموجب القرار 2254 الصادر عن مجلس الامن في أواخر ‏العام 2015. سيتبيّن في هذه المرحلة الانتقالية وفي ظلّ دستور جديد هل يمكن انقاذ ما يمكن ‏إنقاذه من سوريا‎.‎

مضحك ان يعتقد النظام السوري ان الفيتو الروسي الأخير في مجلس الامن والذي يستهدف منع ‏دخول المساعدات الدولية عبر معابر أخرى غير دمشق سيفيده في شيء. سيتحدّى الاميركيون ‏والاوروبيون الروس في اقرب فرصة وسيسمحون بايصال المساعدات عبر معابر في الشمال ‏السوري او في مناطق أخرى. ما هو مضحك اكثر ان تعمل ايران عبر الاتفاق العسكري الأخير ‏على جعل وجودها العسكري في سوريا شرعيا. هذا الوجود الإيراني في سوريا مخالف للطبيعة. ‏مهما عملت ايران ومهما اشترت من الأراضي ومهما أجرت تعديلات ديموغرافية، ستبقى ‏مرفوضة من أكثرية السوريين، لا لشيء سوى لانّها تعتمد اوّلا على نظام انتهت صلاحيته‎.‎

لن يفيد النظام السوري في شيء لا بقاء روسيا في سوريا، ولا بقاء الميليشيات المذهبية التابعة ‏لإيران فيها، ولا الاتيان بمزيد من الخبراء الإيرانيين لتطوير وسائل الدفاع الجوّي في مواجهة ‏الغارات الإسرائيلية او للتجسّس على السوريين. لن يفيده، خصوصا، اللعب على التناقضات ‏الروسية – الإيرانية. عاجلا ام آجلا، ستكتشف روسيا ان ليس في الإمكان الجمع بين الضياع ‏والسياسة وانّ وجودها العسكري في سوريا لا افق له... اللهمّ الّا اذا استطاعت التوصل الى تفاهم ‏في العمق مع اميركا وإسرائيل وتركيا ذات الاطماع المعروفة‎.‎

هناك لعبة انتهت. استمرّت هذه اللعبة اكثر مما يجب. من يفرض على المواطن السوري دفع مئة ‏دولار من اجل ان يتمكن من دخول الأراضي السورية، يعني انّه افلس نهائيا. من يعتقد ان اتفاقا ‏عسكريا مع ايران سيحميه من السقوط لا علاقة له بلعبة التوازنات في المنطقة، وهي لعبة اتقنها ‏حافظ الأسد منذ كان وزيرا للدفاع في 1967 عندما وقعت هضبة الجولان تحت الاحتلال ‏الإسرائيلي‎.‎

لم يمض يومان على زيارة رئيس رئيس الأركان الإيراني محمّد باقري لدمشق من اجل توقيع ‏الاتفاق العسكري الجديد مع سوريا حتّى حطّ قائد القيادة الوسطى الأميركية الجنرال كينيث ‏ماكنزي في شمال شرق سوريا. هل من رسالة اهمّ من هذه الرسالة لابلاغ بشّار الأسد ان اميركا ‏جدّية في تنفيذ "قانون قيصر" وان معنى ذلك انّه آن أوان البحث عن مخرج، لعلّ ذلك ينقذ ما ‏بقي من سوريا... هذا اذا بقي ما يمكن إنقاذه‎. ‎

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

خيرالله خيرالله

11 تموز 2020 12:40