8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

سياحة واصطياف!

... ثم في الأيام القليلة الماضية يا إخوان، لاحظت أن عجقة السير المعهودة في كل أيام الأسبوع، وكل ساعات تلك الأيام وبعض ساعات لياليها، والتي تزداد احتقاناً في أيام الآحاد تحديداً، غابت نسبياً. فاندهشت وتمعّنت وصفنت صفنا طويلاً كثيراً جداً، ثم أرجعت الأمر الى درجات الحرارة المرتفعة وإلى خشية الناس من الاحتباس في فرن مزدوج فآثرت البقاء في أماكنها: أفران اللحم بعجين. وذلك أستر.
لكن تبيّن لي أن الأمر جلل. وهو أكبر وأهم بكثير من قصة ميزان الحرارة هذا.. حيث إنني اكتشفت قراءة، أن عدد السياح الذين جاؤوا الى ربوعنا الغنّاء في الأشهر القليلة الماضية، كان أقل من التوقعات الفلكية بكثير، وأن ذلك (أعزائي المشوّبين والمحرورين) قلّص عدد السيارات في الشوارع وسمح للزفت ببعض الراحة من الدعس الدائم والمستمر عليه من دون توقف.
أما لماذا انخفض عدد هؤلاء السياح عندنا وارتفع عند غيرنا، فذلك لأسباب شتى، بعضها تكتي عابر وزاحط لا يلصق، وبعضها استراتيجي دقيق ويلصق، ويؤشر (والله أعلم) الى أننا سنكون في العام المقبل وربما في الأعوام التي تليه أمام المعضلة السياحية ذاتها.
والأسباب العابرة والزاحطة هي الهيجان السياسي الداخلي والحدودي والذي يتصاعد (بالصدفة) عند بداية كل صيف، ويدفع بالناس الموجودين في البلد أصلاً الى التفتيش عن حجّة خلاص في الخارج، فكيف بأهل الخارج الراغبين في تمضية عطلة سعيدة عندنا.. بكل بساطة يبدأ هؤلاء (وقد بدأوا وانتهوا) في التفتيش عن بلد آخر فيه محطات سعيدة للعطلة بعيداً من وجع الرأس والكوابيس والهلوسات. وهكذا كان.
أما الموانع ذات البعد الاستراتيجي، فيمكن تلخيصها وتكثيفها بسهولة. وجلّها يدفع بنا نحن أهل الجمهورية اللبنانية المشوّبة والمحرورة، الى توجيه نوازع الغيرة والحسد باتجاه السياح الذين يملكون خيار عدم المجيء الى روابينا... وبالتالي لو كنت سائحاً عربياً أو أجنبياً لسألت نفسي ببساطة لماذا أذهب الى لبنان؟.. عجقة سير. شوارع ضيّقة. انقطاع دائم للتيار الكهربائي. غلاء أسعار يكاد يبزّ تلك الأماكن النخبوية الموجودة في أرقى دول العالم. فضائح متتالية تتعلق بنظافة المياه والأطعمة. حرائق لا تنقطع تأكل اليابس والأكثر يباساً ولا يطلع على بالها أن تستعر إلا عند أكتاف مناطق الاصطياف، ثم ما الى ذلك من هوامش تشبيحية معروفة ومعيبة في السلوك المتبع عند كل زاوية وركن ومطعم وفندق وسيارة أجرة.!
تلك مسائل لا تنتهي ولا تخلص بين ليلة وضحاها، ونهار وغروبه، وصيف وزواله تحت وطأة خريفه. هذه مسائل تكاد تصبح دائمة وأبدية ولا يعلم إلا ربّ العالمين كيفية الانتهاء منها.. وبالتالي لكل ذلك ولغيره غاب السياح وسيغيبون، وخفّت عجقة السير وارتفعت حرارتنا.. لكن دواعي المواطنة الصالحة وشؤون الضمير وملحقاته تدفع بعد هذا الى تمني عودة عجقة السير، فهي كما تلاحظون تبقى أوفر من غياب زوّار غيّروا عاداتهم لأن بلدنا غيّر عاداته وصار شيئاً آخر غير الذي كان سابقاً: مقصداً لا يُقارن.. والسلام!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00