كتبت هدى علاء الدين
"إني استودع الله سبحانه وتعالى هذا البلد الحبيب لبنان وشعبه الطيب وأعبّر من كل جوارحي عن شكري وامتناني لكل الذين تعاونوا معي خلال الفترة الماضية"....
هكذا ودّعنا رفيق الحريري وكأنه استشعر باكراً الخطر الذي كان يحدق به، ليسلك بعدها خطواته الأخيرة على طريق الموت الذي عُبّد له بطنين من المتفجرات عن سابق تصوّر وتصميم. فيا لسذاجة القدر حينما يرسمه حاقدون كارهون يتقنون القتل والإجرام، ويا لمجده حين ترسمه حقيقة ساطعة وعدالة لا لبس فيها. فيد الغدر التي أبكت عيون الآلاف حزناً وقهراً على خسارة رفيق الحريري في 14 شباط 2005، ستدمع غداً انتصاراً لمن قُتل ظلماً، وفرحاً لعدالة طال انتظارها 15 عاماً. نعم، دقت ساعة العدالة التي أودعها اللبنانيون المحكمة الدولية الخاصة بلبنان من أجل الاقتصاص من قتلة صانع لبنان الحديث ورجله الأول بعد الطائف ليستردوها عدالة ناصعة كنقاوة قلبه، هادئة كابتسامته، قوية كحضوره، عاصفة كغيابه، ومدوية كاستشهاده.
لم يشأ رفيق الحريري أن يكون في يوم من الأيام من أمراء الحرب بل أراد أن يكون اسمه مرادفاً للأمن والسلام، ولم يكن في حياته عنواناً للثأر والانتقام بل كان عنواناً للحقيقية والعدالة تماماً كما في استشهاده. اتخذ من الإعمار والاعتدال والانفتاح خارطة طريق لإعادة بناء لبنان، فسخّر كل علاقاته العربية والدولية في خدمة وطن وشعب حقق لهما ما لم يستطع أحد تحقيقه. فالأرقام والوقائع تشهد على ما خطّته يداه من إنجازات سياسية واقتصادية ونقدية ومالية واجتماعية على صفحات هذا الوطن منذ العام 1979 وحتى تاريخ استشهاده.
شكل الحريري بشخصيته ظاهرة استثنائية، وكان مزيجاً من الدبلوماسية والحنكة السياسية الذي يملك مفاتيح الحلول لكلّ أزمة مهما عظمت. كان أكثر من رجل إعمار ناجح وأكبر من رجل دبلوماسي لبق وأقوى من أي رجل سياسي في عصره، لم تسعه أحلامه الكبيرة لوطن بحجم لبنان ولم تثنه الصعاب عن تحقيقها. هالهم قوة حضوره وأربكهم وسع نفوذه، أرادوا تحجيمه فهاجموه، تمنوا إقصاءه فحاربوه، حاولوا كسره فأفشلهم، سعوا لإنهاءه فأعجزهم، فكان لا بد من قتله بعد أن نفذت كل محاولاتهم العبثية، ومن محكمة دولية بحجمه تدين وتحاكم وتعاقب.
لم يخسر لبنان باستشهاده رجلاً سياسياً عادياً، بل خسر فرصة ذهبية لن يحظى بها مجدداً ومشروعاً إعمارياً لن يتكرر ونهجاً اعتدالياً سمحاً وقوة عربية ودولية لا تضاهى تسنده في الأزمات والصعاب، وفوق كل ذلك خسر مصدر ثقته وأمانه وطمأنينته. عجاف هي سنوات غيابه وشحيحة مواردها، فقد أثبتت بالدليل القاطع أن رجلاً يوماً ما كان أكبر من وطنه.
رفيق الحريري - أيها المارد اللبناني العربي الذي لم نشعر معك بالقلق أو الخوف من الغد، كنت الأمل بمستقبل واعد، عشنا في زمانك حلماً إسمه لبنان، وأحببنا الحياة في أيامك وكأننا لم نعش من قبل - نم قرير العين فالشهادة قدر الكبار وشأن الرجال....
سعد الحريري - أيها الصابر على جرح لن يلتئم والمثقل بالهموم والأوجاع وبلوعة الفراق الذي لا يطاق - ما بالك لو قالها لك ربك "واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا"....
عشاق رفيق الحريري - محازبون وأنصار ومحبون- ليكن 18 آب محطة لتجديد العهد بأن يبقى في كيان كلّ منكم رفيق الحريري، وفي قلب كل منكم نبضه، وفي بصيرة كل منكم رؤيته...
بيروت أيتها الجريحة والمصبوغة بلون الدماء ورائحة الدمار صحيح أن المحكمة الدولية لن تعيد لك مهندس إعمارك لكن كوني على ثقة أن يوم العدل على الظالم أشد من يوم الجور على المظلوم...
غداً، سيدرك قتلة رفيق الحريري أن للعدالة يومها المجيد... وإن غداً لناظره قريب، فانتظروا إنا معكم لمنتظرون....
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.