بعد انتهاء جلسة النطق بالحكم في قضية استشهاد الرئيس رفيق الحريري غادر الرئيس سعد الحريري قاعة المحكمة وتوجه الى الصحافيين قائلا:
منذ اسبوعين بالتمام، كنت آتيا الى هنا حاملا مطلبين: مطلب ابن رفيق الحريري، ومطلب اللبنانيين. مطلب الإبن، وهو نفس مطلب جميع عائلات الشهداء والضحايا: القصاص العادل للمجرمين.
وهذا مطلب لا مساومة عليه. المحكمة حكمت، ونحن باسم عائلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري وباسم جميع عائلات الشهداء والضحايا، نقبل حكم المحكمة ونريد تنفيذ العدالة.
بوضوح، لا تنازل عن حق الدمّ.اما مطلب اللبنانيين، الذين نزلوا بمئات الآلاف بعد جريمة الاغتيال الارهابية، فكان: الحقيقة والعدالة. الحقيقة عرفناها جميعا اليوم. وتبقى العدالة، التي ستنفذ، مهما طال الزمن. لكني اليوم، احمل مطلبا جديدا، بعد الكارثة المهولة التي حلت بمدينتي وبلدي، منذ اسبوعين بالتمام، يوم 4 آب.
مطلبي هو ان تؤسس الحقيقة والعدالة لرفيق الحريري ورفاقه، لمعرفة الحقيقة وتحقيق العدالة لكل الأبرياء الذين سقطوا في انفجار المرفأ في بيروت، ولكل الجرحى وعائلاتهم
ولكل الذين دمرت منازلهم ومصالحهم من دون أي سبب أو أي مبرر. وهنا أيضا اقول: لا تنازل عن حق بيروت، وحق الضحايا البريئة. بكل وضوح: الحقيقة والعدالة في تفجير مرفأ بيروت، مطلب جميع اللبنانيين، فلا تدفعوهم الى المواجهة!
اليوم، بفضل المحكمة الخاصة بلبنان، وللمرة الأولى بتاريخ الاغتيالات السياسية العديدة
التي شهدها لبنان، عرف اللبنانيون الحقيقة، وللمرة الأولى حكمت العدالة الحقيقـيـة.
وأهمية هذه اللحظة التاريخية اليوم، هي الرسالة للذين ارتكبوا هذه الجريمة الارهابية
وللمخططين وراءهم، بان زمن استخدام الجريمة في السياسة من دون عقاب ومن دون ثمن، انتهى! هذه هي رسالة المحكمة الخاصة، وهذه هي رسالة اللبنانيين، وهذه هي رسالتي للمجرمين: هذه الجريمة السياسية الارهابية، وكل جريمة سياسية ارهابية ترتكبونها لها ثمن، والثمن ستدفعونه، لا محالة.
قلت في بداية كلامي، واعود وأكرر: لا مساومة على دماء رفيق الحريري، ولا على دماء الشهداء والضحايا. لأن هدف الجريمة الإرهابية في السياسة، واليوم سمعنا الكثير في السياسة عن سبب اغتيال رفيق الحريري ، وأصبح واضحا للجميع ان هدف الجريمة الارهابية، وهو تغيير وجه لبنان ونظامه وهويته الحضارية. وعلى وجه لبنان ونظامه وهويته، لا مجال للمساومة أيضا.
نحن معروفون، ونتكلم بوجهنا المكشوف وأسمائنا الحقيقية، ونقول للجميع: لا يتوقع احد منا أي تضحية بعد اليوم. نحن ضحينا بأغلى ما عندنا، ولن نتخلى عن لبنان الذي دفع كل الشهداء حياتهم من اجله.
المطلوب منه ان يضحي اليوم، هو حزب الله، الذي صار واضحا ان شبكة التنفيذ من صفوفه ، وهم يعتقدون انه لهذا السبب لن تمسكهم العدالة ولن ينفذ بهم القصاص.
اعود وأقول: لن نستكين حتى يُنفذ القصاص. من يقول ان لا ثقة لديه بالمحكمة الدولية اظن ان اليوم اصبحت له ثقة كبيرة بهذه المحكمة، كما ان ليس لغيره ثقة بالقضاء اللبناني، نذكر بانه ولا جريمة سياسية قبل هذه الجريمة وصل فيها لبنان، لا الى الحقيقة ولا الى العدالة. لا بل ان الكل كان يعرف من الفاعل، ما عدا القضاء اللبناني!
اليوم، الجميع أمام مسؤولياتهم، ولا أحد باستطاعته القول انه غير معني. شرط العيش المشترك، هو ان يكون جميع اللبنانيين معنيين ببعضهم البعض، ليكونوا معنيين بكل الوطن، ويكون كل الوطن معني بهم.
هذا الدرس يعطينا اياه كل يوم، منذ 4 آب، الشباب والصبايا من كل المناطق ومن كل الطوائف، الذين يعملون على الأرض في بيروت، متضامنين لبيروت ولكل لبنان.
هذه المحكمة، كانت مطلب الشعب اللبناني الذي دفع ثمنها شهداء وتضحيات ودموعا وأموالا. وهذا الحكم، هو استجابة من الشرعية الدولية لإرادة اللبنانيين. والحكم أصبح ملك الشعب اللبناني، واصبح حقا كحق الدم، واصبح حق جميع اللبنانيين بالحياة والحرية والعدالة والأمان.
الحكم الصادر اليوم، استغرق وقتا طويلا، بأعلى معايير العدالة الدولية والادلة القاطعة، واللبنانيون لن يقبلوا بعد اليوم ان يكون وطنهم مرتعا للقتلة أو ملجأ للهروب من العقاب.
أخيرا، في هذه اللحظة التاريخية، اود ان اشكر كل اللبنانيين الذين وقفوا مع الحقيقة والعدالة، واشكر مجلس الأمن الدولي وكل الدول الشقيقة والصديقة التي ساهمت بالمحكمة، واشكر المحكمة وكل العاملين فيها، ووسائل الاعلام التي واكبت هذه القضية وصولا لهذه اللحظة.
في هذه اللحظة أيضا، انحني امام كل الشهداء، وامام كل عائلات الشهداء والضحايا، الذين سقطوا منذ سنة 2005 حتى 4 آب منذ اسبوعين، واطلب لهم الرحمة من عند رب العالمين.
واسمحوا لي في هذه اللحظة ان اوجه رسالة، لعائلة رفيق الحريري الصغيرة، لزوجته نازك، ولاخي الكبير، بهاء، واخواتي: أيمن وفهد وهند، وجومانة وعدي، ولعمي شفيق وعمتي بهية وزوجتي واولادي: هذه اللحظة انتظرناها جميعا على مدى 15 عاما، وهذه اللحظة تذكرنا انه مهما حصل، نبقى عائلة واحدة، وجعنا واحد، وقلبنا واحد.
هذا عهدي لوالدي الرئيس الشهيد رفيق الحريري، واضيف الى جملته الشهيرة "ما حدا أكبر من بلدو"، ان "لا احد أكبر من قرار اللبنانيين للحقيقة والعدالة، ولا احد أكبر من العدالة".
وشكرا.
حوار
بعد تلاوة كلمته امام الصحافيين المحتشدين امام مبنى المحكمة الدولية أجاب الرئيس الحريري على أسئلة الصحافيين:
سئل: هل قبلتم بقرار المحكمة الدولية في الوقت الذي تقول فيه المحكمة أنه لا أجوبة لديها عمن اشترى المتفجرات أو كل الأمور الأخرى وفي ظل كل هذا الغموض؟
أجاب: المحكمة قررت أن سليم عياش هو متهم وأن الجريمة ثبتت عليه. ولا شك أن هناك الكثير من المعلومات لم تستطع المحكمة الحصول عليها بسبب الوضع الذي كان يمر به لبنان. وأساسا، ليس عمل المحكمة أن توجه اتهامات سياسية، فهي محكمة دولية لديها صدقية وتستند إلى الأدلة. بالنسبة إلينا مصداقية المحكمة اليوم، أنه كان هناك اربعة متهمين، أدين واحد منهم وتمت تبرئة الثلاثة الآخرين. هذه قوة ومصداقية هذه المحكمة. البعض كان يعتقد أن المحكمة أصدرت مسبقا الأحكام بحق المتهمين الأربعة وربما ما يزيد عنهم، وأن القرار موجود مسبقا في أدراج الأمم المتحدة. كلا، المحكمة أثبتت أن لديها مصداقية كبيرة.
سئل: المحكمة أقرت أن الاغتيال سياسي وأنه حصل قبل أسبوعين من اجتماع البريستول التالي، فعلى ماذا يدل ذلك؟
أجاب: نحن نعرف ما الذي حصل في تلك المرحلة وكنا نقوله كل يوم. ولكن الأمر يختلف حين تنطق محكمة بهذا الكلام. هناك فارق بين أن ينطق سعد الحريري أو غيره بهذا الكلام وبين أن يقول رئيس المحكمة أن هذه الجريمة حصلت لأن رفيق الحريري من آل الحريري، أو لأنه كان رجل أعمال ناجحا في السياسة أو الاقتصاد، فهو اغتيل لأنه كان ضد سياسة النظام في سوريا وأراد اخراجه من لبنان. هذا الكلام قلناه جميعا، أليس كذلك، ولكن حين يصدر عن المحكمة فإنه يثبت أن كل ما قلناه في السابق كان صحيحا.
سئل: القاضي قال أنه لا دليل على تورط قياديي حزب الله وسوريا بهذا الاغتيال. أليس مصطفى بدر الدين قيادي في الحزب؟ وهل هو صك براءة للحزب وسوريا؟
أجاب: اقرأوا قرار المحكمة واسمعوه واسمعوا ما قاله رئيس المحكمة. هو تحدث بالسياسة عن الأسباب التي أوصلت إلى هذا الاغتيال، وخاصة اجتماع البريستول الأخير الذي شارك فيه يومها الوزيران السابقان غطاس خوري وأحمد فتفت، ومنذ ذلك الحين صدر القرار باغتياله. هذا ما قالته المحكمة. وأنا لست هنا اليوم لكي أشرح ما قامت به المحكمة، وما لم تقم به. في العام 2005 طالب اللبنانيون بالعدالة والحقيقة، والمحكمة اليوم قالت كلمتها. ونحن واجبنا كعائلة وكلبنانيين أن نقبل قرار المحكمة، وهذا لا يعني أن الأمور انتهت، بل ما زالت هناك قضية مروان حمادة وغيره، ولا أحد في المستقبل يعلم ما الذي يمكن أن يصدر بخصوصها.
سئل بالإنكليزية: كيف تصف ما حدث اليوم؟
أجاب: نحن في لبنان لدينا العديد من الرؤساء ورؤساء الحكومات الذين تم اغتيالهم، ولم نكن نصل يوما إلى الحقيقة فيما حصل. ربما كانت توقعات الجميع أكبر بكثير مما خرجت به المحكمة، لكني أعتقد أن المحكمة خرجت بنتائج مرضية، وقد قبلناها، ونحن نؤمن أن هناك العديد من الأمور الأخرى غير المعروفة بعد، وفي حال تمت معرفتها والكشف عنها فهي من شانها ان تدعّم الحكم الذي أصدرته اليوم المحكمة الدولية. مثلا لو علمنا من هم الأشخاص الثمانية الذين استخدموا أرقام الهواتف الثمانية، فهذا من شانه ان يحل كل شيء.
سئل: ماذا إذا رفض حزب الله تسليم عياش؟
أجاب: أنا أرى أن العيش المشترك هو الأساس، وإذا كنا نريد هذا العيش المشترك، فعلى كل فريق أن يعترف بأخطائه. لا يمكن للبلد ان ينهض اذا كان كل شخص سيكذب على الآخر. يجب أن نكون صادقين مع بعضنا البعض لكي نستطيع أن ننتقل إلى المرحلة الأخرى من بناء الدولة. على حزب الله أن يتعاون في هذا الموضوع وأظن أن المحكمة أظهرت اليوم صدقية عالية وأنها غير مسيسة.
سئل: ألا تظنون أن تخوف المحكمة من التسييس كان سببا رئيسيا في توجيه الاتهام لشخص واحد، علما أن الانفجار اودى بموكب الرئيس الحريري كاملا، فكيف يمكن حصر هذا الجرم الكبير بشخص عياش وحده؟
أجاب: لو اتهمت المحكمة أشخاصا كثر كانوا سيقولون أنها مسيسة، واليوم اتهمت شخصا واحدا ويقولون أنها مسيسة ايضا، بالنسبة إلي، كسعد الحريري وكمواطن لبناني أراد من هذه المحكمة الدولية أن تقوم بالعمل، وقد وضعنا كل ما لدينا في السياسة لكي تنجح هذه المحكمة، فإني أرى أننا أمام محكمة أصدرت قرارا علينا أن نقبله ونكمل إلى الأمام.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.