كتب خالد صالح (*):
قبل عامين ونصف وفي ذكرى رفيقنا الشهيد وبعد الكلمة التي ألقاها دولة الرئيس سعد الحريري كتبت مقالة بعنوان " الحريري في ذكرى والده .. سأخرج من عباءة أبي "، وختمت تلك المقالة بعبارة " وداعًا رفيق الحريري .. إنه زمن سعد الحريري " ..
من تغلغل في تفاصيل ما ورد في مداخلة الرئيس الحريري التي أجراها في حضرة الرئيس الفرنسي وقادة الأفرقاء السياسيين في قصر الصنوبر، يدرك وبشكل قاطع أي " سعد الحريري " نقف أمامه اليوم، فهذه الـ " كاريزما " ليست فقط لوريث الرفيق الكبير، وليست لرئيس تيار المستقبل أو لرئيس حكومة سابق، وليست لزعيم الطائفة السنية بلا منازع، بل نحن أمام " قماشة فريدة " حاكتها التجارب المرّة التي مرّ بها طوال خمس عشرة سنة، لنجد أمامنا قامة وطنية تشمخ وقيادة حكيمة عن الصغائر تترفع ..
أيّ سعد حريري هذا ؟ .. نعم وبلا " أل التعريف " عمدًا، لأن الاسم وحده كفيل بتقديم الأنموذج الذي بلغه من قدرة فائقة على التماهي مع المستجدات، ولأن الاسم يتجاوز بمساحة الحروف التي يتشكل منها كل الاسقاطات التي تهبط على قيادة من هنا وزعامة من هناك، فيكفي أن تنطق بـ " سعد الحريري " لتقفز أمامك صورة الرجل بهدوئها ورزانتها ورصانتها، بحكمتها وقرائتها وتبصّرها، بالقدرة الفائقة على وضع النقاط على الحروف لا بل شطب أي جمل اعتراضية من قاموس الفقه السياسي ..
إنه " زمن سعد الحريري "، هذا الزمن الساخط على القيادات السلطوية والباحث عن الأنفاس الوطنية التي تعيد الأوكسجين إلى شرايين الوطن، الذي يختنق شيئًا فشيئًا من الأيادي التي تنهش في جسده الغض، هذا الزمن الذي يحتاج إلى شجاعة الرجال الذين يجاهرون بالحقيقة بلا مواربة وبلا تلفيق أو تحريف للوقائع، هذا الزمن المتطلب لـ " صراحة " من نوع آخر تخاطب بها رئيس دولة عظمى، فتضع النقاط على الحروف، وترسم علامات الفصل بشكل لا لبس فيه، ولا يتردد في المجاهرة " سأسحب يدي بالكامل " في لحظة تتقدم فيها المصالح الشخصية على مصلحة الوطن ..
إنه " زمن سعد الحريري "، الذي يعرف متى يتكلم وفي أي حين يصمت، فإن تكلّم رسم بكلامه خارطة طريق لديمومة هذا الـ " لبنان "، وإن صمت كان صمته احترامًا لآلام أو دموع أو أهوال حلت بالوطن، فيصبح الكلام في لحظتها بلا قيمة، إنه " زمن سعد الحريري "، ولا " حريري " آخر في زمن المواجهة الهادئة الرصينة، الرجل الذي يعرف من أين تؤكل الكتف، فيقول نعم حيث يجب، ويقول لا حيث يتطلب الأمر هذا ..
لم يوارب " سعد الحريري " وهو يصارح الرئيس الفرنسي، لم يتهرّب من المسؤولية، بل أعلنها وبكل صدق نحن أهل لها، لكن " لن اتحمل مسؤولية افشالها، في وقت هناك من يحاول القضاء عليّ سياسيًا، ليكن واضحًا، أنني لست خائفًا على نفسي، وبصراحة لا يهمني مصيري السياسي، بل أنا خائفٌ على البلد وعلى مصير اللبنانيين"، فمن يفاخر بهذا النمط من العمل السياسي، يحقّ له تطويب نفسه في دائرة " الفرادة " حضورًا وأداء ..
إنه " زمن سعد الحريري " الذي يؤكد فيه أن " ترف الوقت " ليس في صالحنا، وأننا أمام فرصة أخيرة فإما أن نستغلها في خضم هذا التأييد الذي نمر به، وإما أن نعلن وفاة الوطن ولنقم عليه مجالس العزاء، وعلينا إنجاز الاصلاحات المطلوبة، إنه هذا الزمن الذي يقول فيه سعد الحريري " هذا لا يعني أنني ذاهب لمصالحة مع التيار الوطني الحر أو حزب الله "، بل الوقت حاليا ليس للمناكفات أو الصدامات " وإذا كان هناك من لا يريد مواكبة هذه الفرصة، فهي ستكون آخر مرة، وعندها لا يلوم إلا نفسه، لأن الناس هذه المرة ستأكلنا أكلًا " ..
كان اللبنانيون ينتظرون و" بحسب اعتقادهم " تقديم تنازلات وعقد تسويات أو مساومات، بالرغم من أن هذا الاعتقاد خاطئًا بالتمام والكمال، لكنهم وقفوا بدهشة لما رأوه من دراية لأدق التفاصيل، ومن عمق الفهم لـ " التجربة اللبنانية " وتعقيداتها، ومن السير في حقل " الألغام " الشخصانية، وتجاوزها نحو المصلة الوطنية، وجدوا أنفسهم أمام مشهدية جديدة لـ " الحريرية الوطنية " في زمن أقل ما يمكن أو يوصف به أنه " زمن سعد الحريري " ..
(*) مسؤول شؤون الاعلام في منسقية "تيار المستقبل" في البقاع الغربي وراشيا
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.