13 أيلول 2020 | 13:08

أخبار لبنان

عودة: سياسيو بلادنا أدمنوا فن الرقص على الجثث

عودة: سياسيو بلادنا أدمنوا فن الرقص على الجثث

رأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده، قداس الأحد في كاتدرائية القديس جاورجيوس في بيروت.

وشدد على أن "سياسيو بلادنا أدمنوا فن الرقص على الجثث، لأنهم اعتادوا على رائحة الدماء التي لطخوا بها أيديهم ولا يأبهون إلا لجيوبهم وكراسيهم وحصص أحزابهم وتياراتهم، أما الإنسان فلا قيمة له عندهم ولا وجود له في حساباتهم".

وقال في عظة ألقاها : "اليوم، يا أحبة، نصلي من أجل راحة أنفس أحبائنا الراقدين، ضحايا الفساد المستشري في عروق مسؤولينا. نصلي من أجل راحة أنفس ضحايا أبرياء، لا ذنب لهم إلا أنهم يعيشون في دولة ينخرها الفساد والجشع للسلطة، وتعم فيها الفوضى واللامسؤولية إلى درجة التسبب بقتل الأبرياء، وتدمير أحياء من العاصمة، ومنازل عديدة لمواطنين يرزحون تحت عبء التدهور الاقتصادي والمالي. مر أربعون يوما على التفجير الرهيب الذي خض قلب لبنان، وهز الضمير العالمي، أما الضمير المحلي فلم يهتز لأنه مات منذ زمن بعيد. حملت مئات العائلات صليب الألم والحزن، وصلاتنا اليوم هي من أجل أن تشهد تلك العائلات قيامة حقيقية لهذا البلد الذي، كلما نهض من سقطة، تعود سقطة أخرى لتغرقه في مستنقع أعمق وأنتن. نصلي من أجل ضحايا مستشفى القديس جاورجيوس الجامعي، من ممرضات ومرضى وذوي مرضى. نصلي من أجل أطفال سلبت منهم حياتهم قبل أن تنطلق. نطلب الراحة الأبدية لشابات وشبان تخرجوا من الحياة قبل أن يستطيعوا حمل شهاداتهم الثانوية والجامعية، وقبل أن يشاهدوا نظرة الفخر في أعين والديهم".

أضاف: "ندعو ربنا المحب البشر أن يتغمد بواسع رحمته أمهات وآباء رحلوا قبل أن يتعرفوا على مواليدهم الجدد، أو أن يفوا بوعودهم التي قطعوها لأطفالهم. نصلي من أجل شيوخ أجلاء لم يستطيعوا الوصول إلى الراحة المنشودة في شيخوخة مكرمة. نصلي من أجل ضحايا تفجير أثيم لم يفرق بين عرق ولون وسن وطائفة، فكان نموذجا بشعا عما كنا نود الوصول إليه بفرح، من خلال بناء دولة لا تفرق بين أبنائها، بل تكون جامعة لجميع الأطياف تحت راية واحدة شريفة. افتدى هؤلاء الضحايا، إلى أي فئة انتموا، بدمائهم الزكية، وطنا ممزقا، مشرذما، ينخره سوس الفساد. وبدلا من أن تحترم دماؤهم، عدنا نسمع بالمحاصصة التي تزيد الشرخ عوض اللحمة. سياسيو بلادنا أدمنوا فن الرقص على الجثث، لأنهم اعتادوا على رائحة الدماء التي لطخوا بها أيديهم. لا يأبهون إلا لجيوبهم وكراسيهم وحصص أحزابهم وتياراتهم، أما الإنسان فلا قيمة له عندهم ولا وجود له في حساباتهم".

وتابع: "صحيح أن عاصمتنا بيروت نكبت بانفجار المرفأ، والمشهد تكرر وأهل المدينة يعيشون ذعرا دائما، إلا أن نكبتها الأولى هي انعدام المسؤولية وغياب الأخلاق والضمير عند طبقة سياسية لا تتحمل المسؤولية ولا تعرف المحاسبة، ومجموعة من الموظفين نخرها سوس الفساد والإهمال وليس من يحاسب أو يعاقب. ما جرى عصر الرابع من آب جريمة ضد الإنسانية، ضد إخوة لنا فقدوا أرواحهم أو أحباءهم أو أرزاقهم والسقف الذي يأويهم. والسؤال المشروع لماذا؟ وكيف يسمح إنسان، مهما كبرت مسؤوليته أو صغرت، بجريمة كهذه؟ كيف يتغاضى عن وجود كمية هائلة من المواد القابلة للانفجار، ولمدة سنوات، في قلب المرفأ الموجود في قلب العاصمة؟ كيف يتجاهل أي إنسان، مسؤولا كبيرا كان أو صغيرا، هذا الأمر وإن لم يكن من صلاحياته؟ وهل من اعتبار للصلاحيات أو التراتبية في وضع كهذا؟ ألم يؤنبه ضميره ويقض مضجعه؟ وهل حياة الإنسان رخيصة إلى هذا الحد؟ أمام تهديد ينذر بكارثة هل يتوقف المسؤول أمام الصلاحيات؟ الإهمال القاتل والبيروقراطية المجرمة والتخاذل الجبان بالإضافة إلى المصلحة، كلها تكاتفت ضد المواطن الضعيف والعاصمة الثكلى. وحتى اليوم، وبعد انقضاء أربعين يوما على الكارثة، لم يطلعنا أحد على نتيجة التحقيق ولم نسمع إلا ببضعة توقيفات وكأن ما حدث لا يستأهل استنفار الدولة بأكملها. والمؤلم أكثر أن الحرائق في المرفأ تتوالى والسكان هلعون، والأطفال خائفون، وليس من يطمئن أو يثلج القلب".

أضاف: "مسكين ابن بلادي. مسكين من تشبث بأرضه وقرر أن يجاهد للعيش فيها. مسكينات الممرضات الأربع اللواتي فقدن أرواحهن في مستشفى القديس جاورجيوس فيما كن يقمن بواجبهن الإنساني. مساكين هم المرضى الذين قضى عليهم الانفجار المجنون في مستشفى القديس جاورجيوس وغيره من مستشفيات العاصمة، والسكان الأبرياء الذين أصيبوا أو أصيبت منازلهم. مساكين نحن جميعا لأننا، رغم الكارثة التي حلت بنا، ما زلنا نشهد تراشق الإتهامات وتقاسم الحصص وتبادل الشروط والتمسك بحقائب، وتناتش الفرص في بلد يئن ألما وبؤسا وشقاء".

وتابع: " تشدد كنيستنا ، في كل أعيادها، على أن الفرح والخلاص والبركة هي للجميع، لا لفئة معينة. هذا ما لم يفهمه أي زعيم أرضي، ولم يقم به أي مسؤول سياسي، وخصوصا المسيحيين منهم. كل منهم لحزبه، لتطلعاته، لمصالحه، لارتباطاته، يدين الآخرين المختلفين. لم يرسل الله ابنه الوحيد إلى العالم ليدين العالم، بل ليخلص به العالم، الديان العادل لم يدن العالم بل خلصه، أما أنتم فجل ما تقومون به هو إدانة بعضكم البعض، في حين ينصب كل منكم نفسه مخلصا للبلد، معتدا بكتلته وشعبيته وحصصه وسلاحه. اللبنانيون أصبحوا يشمئزون من خطاباتكم الممجوجة، ومن طرقكم المعوجة. ألم يحن الوقت لتتحدوا، على الأقل من أجل أن تستريح الأرواح التي أزهقت، وتبرد الدماء التي أهرقت، ولكي يفرح ذوو الشهداء، الذين استشهدوا منذ عقود وحتى اليوم، على مذبح هذا الوطن، بأن تقدماتهم الغالية أزهرت لبنانا حلمت به أجيال بعد أجيال، لبنانا ناصع البياض، لن تخالط بياضه حمرة دم بعد اليوم؟"

وأردف:"ألم تكتفوا من فساد يدمي القلوب والجيوب ويهجر البنين والبنات؟ هل تنتظرون أن يفرغ البلد فتصبحون حكاما على أنفسكم أو على الحجر؟ هل يعجبكم الدمار؟ هل ستتركونه مقصدا سياحيا يدر عليكم بالمال أم ستعيدون الإعمار، إعمار الكرامات قبل المنازل؟ دمرتم النفوس والأجساد فماذا تريدون أن تدمروا بعد؟ دمرتم الاقتصاد والسياحة والتجارة والثقافة والتربية والعائلة... ماذا بقي؟ كل هذا الدمار سيعود عليكم خرابا، لكن الشعب سيقوم من تحت ركامكم، وستشرق شمس العدل والعدالة، وينال كل واحد ما يستحقه ثوابا أو عقابا. آن الأوان لتجتمعوا وتتحاوروا بصدق وشفافية من أجل الخير العام، وخصوصا المسيحيين منكم، علكم تتشبهون بمن حملتم اسمه، بالمسيح المحب، الوديع والمتواضع القلب، الذي تألم ليفتدي شعبه".


".

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

13 أيلول 2020 13:08