كتب خالد صالح (*):
" في البال أُغنيةٌ .. يا أختُ عن بلدي
نامي لأحفرها .. وشمًا على جسدي "
محمود درويش
يا وطني .. أَرمي على كفّيك قلبي مثلما يرمي الصغارُ حقائبَ الدرسِ الصغيرة .. وأنام في عينيكَ، يا عينيكَ يا أرضي الأخيرة .. وأعودُ من يومي إليك كما يعودُ الجندُ مِن حربٍ كبيرةْ .. عامٌ مضى ثمّ عامٌ آخر يمضي .. وما زالَ بعضي يُرمّمُ بعضي .. وما أزالُ أبحث عن قلبي، وما زالَ الوجع وطني وأرضي .. عَامٌ مَضى أين قَلبي ؟
لن أفقده .. وكما كلَّ عامٍ سَأتفقّدُ قَلبي ..
عندما خضع دولة الرئيس سعد الحريري لعملية تمييل لشرايين القلب، اختصر منسق شؤون الاعلام في تيار المستقبل عبد السلام موسى " كل الكلام بعبارة واحدة فيها من الدلالات الشيء الكثير فقال : " سلامة قلبنا " ..
" قلبنا " .. هل بلغ هذا الرجل الوطني الكبير هذا المقام ليحتلّ منزلة القلب منّا ؟، وكيف يمكن لأي زعيم أن يصبح بمنزلة القلب بالنسبة لنا كلبنانيين أولا وكمستقبليين ثانيا ؟ .. وإن كان " سعد الحريري " هو " القلب " الذي ينبض في ثنايا صدورنا، فما الذي ينبض في صدر " سعد الحريري " ؟ ..
هذا الرجل الذي وجد نفسه على بغتة قاسية من الزمن، يحمل على كتفيه " جثمان رجل " بحجم وطن، فلمعت في عينيه بيارق إيمان لا تهتز نحو إكمال مسيرة عملاق صبغ التاريخ والجغرافيا باسمه، فشمّر عن ساعديه وقال : لا .. لن تقف سفينة العزة والكرامة والحرية والسيادة والعلم والبناء عند حدود الاثنين الأسود في 14 شباط 2005 ..
لم يكن بوسع سعد الحريري إلا أن يحمل وطنه في صدره، فمحبة الوطن لا تحتاج للتعلم أو التكلّف، حب الوطن عنده فطرة مجبولٌ عليها، وهذه الفطرة هي نبض قلبه، والدم الذي يجري في عروقه، وترجمته أفعاله إلى وقائع، يهيب لها الزمان ويتعطر بها المكان، كيف لا ومعشوقه الأبدي لبنان ..
لم يكن يملك سعد الحريري المفاضلة بين الخيارات، فالوطن عنده أولا ولا شيء يقع لديه في المرتبة الثانية، إذ ترتبط مسيرة ونهضة الوطن بقيادات وشخصيات وقامات وطنية، خدمت بكل أمانة وشرف ومسؤولية، فهو ابن مدرسة قدمت ومازالت تقدم الكثير من الانجازات الوطنية لتكتمل مسيرة الوطن كما أرادها رفيق الوطن بعنوان " كونوا لوطنكم يكن وطنكم لكم " ..
أدرك سعد الحريري المعنى الحقيقي للحديث النبوي الشريف " إن في الجسد مضغة إذا صلحت صَلحَ الجسد كلّه، وإذا فسدت فَسدَ الجسد كله ألا وهي القلب " .. فالوطن بمنزلة القلب لديه، لهذا أراد صلاحه ورقيه ونهضته والحياة التي يستحقها، بذل في سبيل قلبه الغالي والنفيس، ما ترك بابًا إلا وقصده بحثًا عن طوق نجاة له، دفع من رصيده ما لا يقدر بثمن، امتهن سحر تدوير الزوايا لأجل " عيون القلب "، فتمايز بهذا الحب، فحاربوه لأجله وكتبوا الكثير بحقه، فهم يعلمون أنه يتقدم الجميع بهذه الخاصية العظيمة، عندما جعل الوطن يسكن صدره ..
اليوم الوطن موجوع، يستغيث، يصرخ بالصوت الهادر، إن لم يكن حبكم لي كحب سعد الحريري فهو ليس حبًا، كفاكم ظلمًا وجورًا وأنانية قاتمة وقاتلة، توقفوا عن " حرق " جسدي الغض بلغة طائفية من هنا ومذهبية من هناك، تخلّوا عن عنجهيتكم وكبريائكم المزيف وفائض قوتكم الواهن كخيوط العنكبوت، واعيدوا لي إشراقة الحياة وألقها، وتأكدوا إن صمت نبضي فلا قيامة لكم ..
نعم سعد الحريري " قلبنا " .. والوطن " قلب سعد الحريري " .. وقلب قلبنا موجوع !!ت
(*) مسؤول شؤون الاعلام في منسقية "تيار المستقبل" في البقاع الغربي وراشيا
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.