المصدر:ياسين شبلي- جنوبية
في زمن " كلن يعني كلن " ، وفي زمن بات فيه اللبنانيون يرمون بأنفسهم في قوارب الموت هرباً من واقعهم الكارثي ، ليس أشد على النفس من أن تقول أو تكتب كلاما يستشف منه دفاعا عن زعيم أو مديحا لمسؤول لأن الوضع الذي وصل إليه البلد والناس لم يعد يسمح بتزكية أحد ، فالكل مسؤول أمام هذا الفشل الذي يضرب كل مناحي الحياة في لبنان وإن بدرجات متفاوتة بين مسؤول وآخر .
لكن في المقلب الآخر لا يمكن أن يستوي الذين يعملون والذين لا يعملون ، ولا الذين لا يعملون حتى مع الذين يعرقلون ويخرِّبون وإلا نكون قد جافينا المنطق والحقيقة ودخلنا في منطقة التدليس والتضليل ، خاصة عندما يتعرض البعض بالتحقير والتجريح – وليس النقد – لمسؤول سياسي معين دون غيره رداً على موقف له أو خيار سياسي بغض النظر عن صوابية هذا الموقف من عدمه وبالأخص عندما يكون هذا الموقف يمثل ” تنازلا ” وصفه الرجل بـ”تجرع السم ” في سبيل حل أزمة ما في البلد وهو يمثل خسارة سياسية وشعبوية كبرى له في ميزان الربح والخسارة وهو مدرك لهذه الخسارة ومتقبل لها لدرجة نعته إياها بالإنتحار السياسي، وطبعا نتكلم هنا عن الرئيس سعد الحريري ، هذا الرجل المعتدل في وقت بات فيه القابض على الإعتدال في لبنان كالقابض على الجمر ، الذي يتلقى السهام من كل حدب وصوب ، من مؤيديه ومن معارضيه ، من حلفائه كما من الخصوم ، الكل يحاول إضعافه بهدف تطويعه ليكتشفوا بعد حين أنهم إنما يضعفون وضع البلد وأنه جزء لا يتجزأ ولا يستغنى عنه من النسيج الوطني والسياسي لهذا البلد ما يدفعهم للتراجع واللجوء إليه وقت الأزمات .
وليس من المبالغة القول بأنه عند كل منعطف مهم في الحياة السياسية اللبنانية تتجه الأنظار فورا وكذلك ” السهام ” صوب سعد الحريري في الوقت الذي يكون الحديث فيه عن نهاية سعد الحريري السياسية في أوساط الخصوم وحتى البعض من ” أهل البيت ” .
حصل هذا في العام 2013 بعد إستقالة حكومة نجيب ميقاتي التي سميت حكومة ” القمصان السود ” بسبب الخلاف بين أعضائها على قانون الإنتخابات والتمديد لأشرف ريفي في قيادة قوى الأمن الداخلي ، يومها عاد مؤقتا بعد غياب دام حوالي السنتين عن لبنان منذ الإنقلاب على حكومته بداية عام 2011 بسبب قضية ” شهود الزور ” التي لم تكن أكثر من ذريعة لإسقاط الحكومة بدليل أن أحداً لم يتكلم عنها بعد ذلك ، عاد وعادت معه قوى 14 آذار لترؤس الحكومة عبر الرئيس تمام سلام ، وهي الحكومة التي أدارت البلد بعد إنتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان دون الإتفاق على خلف له .
أُستقبل يومها من جمهوره ومؤيديه بالترحاب والفرح ، ومن خصومه بالتحفظ والإمتعاض بعد أن كان البعض منهم قد نعاه سياسيا ومن منا لا يذكر تصريح العماد ميشال عون يوم الإنقلاب عن ال ” one way ticket ” لسعد الحريري ، فيما إتهمه البعض من المقربين بإهمال جمهوره وبيئته والتخلي عنها . وحصل هذا مرة أخرى في العام 2016 عندما وصلت الأمور إلى طريق مسدود بعد عامين من الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية فكانت عودته إيذانا ببداية الحلحلة والحراك وشخصت الأبصار نحوه عندما فتح كوة في جدار الأزمة بترشيحه سليمان فرنجية وهو الخصم السياسي له في فريق 8 آذار ، يومها تحمل سعد الحريري كل الإتهامات وواجه كل الإنتقادات بصدره وكانت من بعض المقربين ومن ينسى تصريح أشرف ريفي عندما أعلن إنتهاء الحياة السياسية لسعد الحريري ، وإتهامات القوات اللبنانية له بتجاوزها وطعنها في الوقت الذي كانت قيادتها تتحاور مع التيار الوطني الحر من وراء الكواليس حوارا أنتج فيما بعد إتفاق معراب تحت شعار أوعا خيك . حصل هذا أيضا عند تبنيه ترشيح ميشال عون لرئاسة الجمهورية – وهنا خطيئته الكبرى – بعد إتفاق معراب وكان سقف الإنتقاد هنا عالياً جدا وإنفض من حوله الكثيرون من أنصاره وأصدقائه في الداخل والخارج فكانت المكيدة التي نصبت له في الرياض العام 2017 وظن البعض كذلك بأنها النهاية الحتمية إلى أن عاد مثخنا بجراح الغدر صحيح ، ولكنه وجد الإحتضان من شارعه وبيئته الطائفية والسياسية والوطنية .
ربما هو السياسي الوحيد الأكثر تعرضا للهجوم والإنتقاد من بيئته بالذات، ومن مؤيديه بشكل عام في الوقت الذي ” يقدس” فيه الآخرون زعماءهم وينزهونهم عن النقد!
وكان قانون الإنتخاب الذي وافق عليه كمسار طبيعي من وجهة نظره وكتحصيل حاصل بعد التسوية التي أقامها مع التيار الوطني الحر والتي كان فيها ضحية حسن ظنه بشركاءه وكانت – غلطته الكبرى بالممارسة – التي دفع ثمنها غاليا فيما بعد بحيث فقد حوالي نصف كتلته النيابية ، وتضعضعت صفوف مؤيديه وإنفض الكثيرون من حوله ومنهم من كان من أقرب المقربين بحيث قفزوا من السفينة التي ظنوا أنها غارقة لا محالة ، وعانى الأمرين في فترة ما بعد الإنتخابات وبعد رفع الغطاء السعودي عنه ، جراء تصرفات شركائه في السلطة ، فالكل بات ينتقد ويهاجم سعد الحريري لإعتقادهم بأنه يمثل الحلقة الأضعف من حلقات السلطة ، المؤيدون منهم لما إعتبروه عن حق تراخيا في مواجهة التعطيل الذي يمارسه الآخرون ، والمعارضين لنهجه أصلا والذين كانوا يتحينون الفرصة ولا يزالون للإنقضاض عليه وعلى زعامته ، لا بل هو ربما السياسي اللبناني الوحيد الأكثر تعرضا للهجوم والإنتقاد من بيئته بالذات ، ومن مؤيديه بشكل عام في الوقت الذي ” يقدس ” فيه الآخرون زعماءهم وينزهونهم عن النقد ، ولكنه النقد على طريقة ” العتب ع قد المحبة ” ولذلك نرى أنه وفي كل مرة وعند أول أزمة خطيرة أو منعطف يواجه البلد ترنو الأنظار وتشخص صوب ما يقوله سعد الحريري أو يفعله حتى من قِبَل خصومه السياسيين .
مع إندلاع ثورة ١٧ تشرين إتجهت الأنظار أيضاً إلى سعد الحريري ، فالشارع يطالب برحيل ” كلن يعني كلن وسعد واحد منن ” وأطراف السلطة والقابضين على زمامها أعطوا ” إرشادهم ” بأن تغيير الحكومة غير ممكن لأن البديل غير جاهز ، وسعد الحريري في الوسط يتعرض للضغوط من الجانبين حتى إذا ما فشلت مبادرته بورقة إصلاحية رفضها الشارع قدم إستقالته ورماها في وجه الشركاء في السلطة الذين لم يستسيغوا الأمر فبدأت الضغوط عليه عبر الشارع المضاد لمحاولة إعادته إلى بيت الطاعة عبر التخريب الممنهج في وسط بيروت على رمزيته لديه تارة ، وعبر التلويح بالشعارات المذهبية مثل الشعار الشهير ” شيعة شيعة شيعة ” بما يعنيه من فتنة مذهبية تارة أخرى.
وبعد عدة محاولات فاشلة لإقناعه بالعودة بشروطهم جرت محاولات أخرى للإتفاق على شخصية سنية تحظى بدعمه وبتغطية منه فشلت كلها مع تصاعد الرفض الشعبي الذي كان يتعرض هو الآخر عند كل مفصل من مفاصل المشاورات لضغوطات من قبل أنصار السلطة ممثلة للأسف بأنصار الثنائي الشيعي الذي كان هو رأس الحربة بالضغوط على الشارع وكذلك على الحريري ليعود رئيسا للحكومة في الوقت الذي كان ” الثنائي المسيحي ” إذا صح التعبير رافضا لعودته ولو من منطلقات مختلفة وهو ما أدى إلى حكومة اللون الواحد حكومة حسان دياب ، وكان ما كان من أمرها إلى أن سقطت بإنفجار المرفأ وما خلفه من أوضاع مأساوية ضاعفت الأعباء على المواطنين جراء ما سبقه من تدهور مخيف في سعر صرف الليرة أمام الدولار الأميركي وإنعكاساته الإقتصادية والإجتماعية وكذلك حجز أموال اللبنانيين في البنوك فكان أن عادت الأمور إلى المربع الأول خاصة مع تدخل الرئيس الفرنسي حاملا معه مبادرة للحل بدأت بجمع الأطراف السياسية في محاولة منه لوضع خارطة طريق تبدأ بتشكيل حكومة إختصاصيين مستقلين غير حزبيين تقوم بالإصلاحات اللازمة ، فكان أن إختار نادي رؤساء الحكومة السابقين مجتمعا السفير مصطفى أديب مرشحا مستقلا لتشكيل هذه الحكومة بدعم فرنسي واضح.
فبدأت بعض الأصوات كالعادة بالتصويب على سعد الحريري شخصيا ووحده من بين رؤساء الحكومة السابقين ، سواء من بيئته أو من خارجها ، من بيئته بذريعة أنه خضع للضغوطات مجددا وتراجع عن مواقفه بعدم تغطية هذه السلطة ما بقي هذا العهد إلا بشروطه هو من جهة، ومن جهة أخرى إعتبرها البعض هزيمة وتنحية له رضوخا لمطالب التيار الوطني الحر بعدم ترؤسه للحكومة بغياب جبران باسيل ، ومن خارجها أيضا فريق أعتبر هذه التسمية بأنها خشبة خلاص لهذه السلطة ومساهمة منه في إنتشالها من فشلها لأنه يمثل جزءا لا يتجزأ منها ، وآخر إعتبر بأن سعد الحريري بتسميته الرئيس المكلف إنما يكون هو من يشكل الحكومة بدعم فرنسي وغربي وبالتالي هو جزء من منظومة الضغط على محور المقاومة خاصة مع بدء صدور العقوبات الأميركية بحق بعض الشخصيات القريبة من حزب الله. وهذا ما قد يكون دفع بـ” الثنائي الشيعي ” للتمسك بوزارة المالية ومحاولة تطويبها بشكل دائم للطائفة الشيعية تحت إسم الميثاقية والتوقيع الثالث وغيرها من الذرائع وهو ما أدى إلى إنسداد أفق تشكيل الحكومة المنتظرة والتي كان الرئيس الفرنسي قد أمهل الأطراف السياسية مدة 15 يوم لتشكيلها . مرة أخرى تأتي المبادرة من بيت الوسط بإعلان الحريري ما قد يعتبره البعض ” إنتحارا سياسيا ” حسب البيان وهو موافقته على بقاء وزارة المالية مع الطائفة الشيعية لمرة واحدة فقط مع حفظ حق الرئيس المكلف بتسمية الوزير وهو ما فتح كوة في جدار الأزمة ، ومرة أخرى تُفتح النار على سعد الحريري من بيئته أولاً مؤيديه وخصومه ، وبدأت تدبج المقالات في الموقع إياه عن سعد الحريري ” المتخصص بهزيمتنا ” وعن ” تخييب الحريري للجمهور السني واللبناني وربما العربي ” بطريقة تبدو وكأن الحريري هبط على بيئته ليحكمها من على ظهر دبابة وبالحديد والنار ، أو كأنه يضع العراقيل أمام من يحاول ” تحرير ” البلد ونزع سلاح حزب الله ، في مبالغات لا يمكن أن يكون هدفها لا المصلحة الوطنية ولا مصلحة الطائفة التي يدعون الدفاع عنها ، وما هي سوى حرتقات سياسية بالشخصي من أناس لا هم لهم سوى التشويش والمزايدة دون تقديم أي بديل واقعي أو تحرك يمكن أن يستنهض الناس لوقف ما يسمونه ” إنبطاح ” سعد الحريري وتنازلاته على حد زعمهم مع أن الساحة السياسية والشعبية مشرعة أمامهم للتحرك وكسب الموالين والمؤيدين . من جهة أخرى يتعرض سعد الحريري بعد مبادرته للتنمر ممن كانوا يتهمونه بأنه هو من يشكل الحكومة وبالتالي هو المسؤول عن العرقلة ليتساءلون اليوم بخبث عن الصفة التي يتحدث بها سعد الحريري كي يقبل ويرفض ويفرض ويحرم ويهب الوزارات ، وبهذا يكون سعد الحريري كما يقال ” لا مع ستي بخير ، ولا مع سيدي بخير ” . ترى ما هو سر سعد الحريري ؟ الكل يهاجمه ويتنمر عليه أحياناً ، والكل يلجأ إليه عند الشدائد ، الكل يريده ولكن ليخوض معاركهم وبشروطهم هم . فبعض السُنة يريده أردوغان ، والبعض الآخر يريده محمد بن سلمان ، والبعض منهم يريده رفيق الحريري . وبعض الشيعة يريده خليط من حسن روحاني وقاسم سليماني ، والبعض الآخر يريده خليطا من موسى الصدر ومحمد مهدي شمس الدين وهاني فحص . بعض المسيحيين يريده بشير الجميل والبعض الآخر يريده ميشال عون . وبعض الدروز يريده خليط من كمال جنبلاط و مجيد أرسلان ، والبعض الآخر يريده حافظ الأسد . وهو لا يرى نفسه ولا يريد أن يكون سوى سعد رفيق الحريري . عندما ينقلب أحدهم ، ويهادن آخر تحت شعار أوعا خيك ، فهو الذكي الألمعي العالم ببواطن الأمور ، وهو الزعيم النبيه الذي لا يشق له غبار في دهاليز السياسة ، أما عندما يفعلها سعد الحريري فهو المنبطح الإستسلامي الإنهزامي الذي لا يفقه شيئا في ” علم ” السياسة ، وهو الساذج الذي ” يضحك ” عليه الآخرون كما كتب رضوان السيد في مقاله الأخير .
رأس حربة بمواجهة حزب الله
يريدون له أن يكون رأس حربة في مواجهة محور حزب الله في لبنان مع ما يعنيه هذا في ظل ميزان القوى الحالي وفي ظل الإستكبار والتغول الذي يمارسه هذا المحور ، ما يعنيه هذا من حرب مذهبية شيعية – سنية إذا ما إندلعت لن تبقي ولن تذر وقد تطيح بما تبقى من أمل ضئيل في قيامة لبنان ، يزايدون عليه وهم بالقطع يعلمون بأن أزمات لبنان ومشاكله على مدى تاريخه كانت مرآة وصدى لمشاكل المنطقة والإقليم وبالتالي فإن حلها يخضع لتوازن قوى معين في المنطقة وأن التغيير الكبير لن يحصل إلا في لحظات نادرة تتقاطع فيها المصالح المحلية والإقليمية والدولية لتولِّد واقعا جديدا ، أما الإعتماد على الخارج والركون إلى مخططات الدول الكبرى فى وقت الصراع والخطط التكتيكية فهو المقامرة بعينها التي قد توصل إلى اللعب بمصير ألوطن بأكمله عند حصول التسويات والصفقات ، لا نقول هذا من باب اليأس أو الإنهزامية ، وليس معنى هذا الإستسلام للواقع المرير ، بل المقصود هو أن تتم مقاربة الأمور بعقلانية وتبصر وحنكة ومرونة حتى تحين فرصة التغيير الحقيقي بأقل الخسائر الممكنة ، وليس عن طريق العنتريات الفارغة التي قد ترضي العامة لفترة ولكنها بالتأكيد ستكون مؤذية جدا على المدى الطويل ويدفع ثمنها العامة أنفسهم الذين لا يملكون كل المعطيات التي يمتلكها عادة المسؤول أو السياسي الذي من واجبه الأخلاقي والسياسي والوطني أن يتعامل معها بواقعية بعيدا عن الدوغمائية والغوغائية لأنه كما يقال في الأمثال الشعبية بأن ثمة فرق شاسع بين ” حكي القرايا وحكي السرايا”. اليوم وقد إعتذر مصطفى أديب عن عدم إكمال مهمته بتشكيل الحكومة بسبب من تعنت الثنائي الشيعي وقلة حيلة العهد وسيده وهو الوحيد القادر لو أراد على إتمام المهمة وهو ” العهد القوي ” ، نطرح السؤال برسم المزايدين ماذا خسر سعد الحريري والطائفة التي يمثلها جراء محاولته تسهيل تشكيل الحكومة التي – جرت عليه اليوم إنتقاد الرئيس الفرنسي – أكثر مما خسر كل لبنان ؟ وماذا ربح خصومه ومنتقديه في أوساط الطائفة وغيرهم من جراء التعنت وسقوط التكليف ؟
لبنان الخاسر الأكبر
بالنتيجة لبنان هو الخاسر الأكبر بكل مكوناته الطائفية والسياسية ، الفارق الوحيد أن القناع قد سقط مجددا عن الوجوه الكالحة ذوات الضحكات ” الصفراء ” المعروفة إلا للقليل ، وطبعا ليس من بينهم سعد الحريري الذي خبرهم مرات ومرات ، والتي كانت تدعي على الدوام بأن فعل التعطيل الذي تمارسه إنما هو ناتج عن تعلقها بالميثاقية ودفاعها عن المشاركة ، ليتبين اليوم مرة أخرى أن القضية في مكان آخر من الإقليم ، وأثبت سعد الحريري للجميع مرة أخرى أنه كعادته ومن قبله أبوه الشهيد مستعد دائما للتفاهم ومحاولة الوصول إلى قاسم مشترك يقي لبنان واللبنانيين شرور الغرور والإستكبار والتعنت وصراع الأمم الذي يدفع ثمنه عادة الضعفاء من الدول والشعوب الصغرى ، الرجل يحاول ويحاور ويجتهد ، قد يصيب وقد يخطئ ولكن الأكيد أنه ليس ” ساذجا ” ولا ” متخصص هزائم ” ولا يغريه طعم السم ، فعلاقاته الدولية وإتصالاته تسمح له بالإطلاع على معطيات الأوضاع الإقليمية والدولية وهي معطيات بالتأكيد غير متواجدة أمام هواة المزايدة و ” الدونكيشوتية ” الذين يبنون أوهامهم وتحليلاتهم على تصريح من هنا أو خطاب من هناك صادر عن أصنامهم العربية والأجنبية الذين لا يتوانون عن خوض معاركهم السياسية والإستراتيجية بمصالح ودماء غيرهم من الشعوب مثلهم مثل من يعادونهم وبذلك يجعلون منا ومن وطننا مجرد أدوات يستهلكونها ومن ثم يرمونها متى إنتفت الحاجة إليها ، والأوضاع التي وصلنا إليها في بلدنا الغارق في الحروب والصراعات منذ نصف قرن أكبر دليل وتأكيد على ما نقول . وفي النهاية نقول أن هذا الحديث ليس إبراءً لسعد الحريري مما وصلت إليه الأوضاع ، وليس إنقلابا على مقولة ” كلن يعني كلن ” بل تأكيدا عليها بمعنى أن الكل مسؤول والكل يجب أن يكون تحت المحاسبة وتحت القانون وتحت الدستور ولا خيمة فوق رأس أحد ، فما وصل إليه البلد لا يحتمل المجاملات والإبراء ، لكنه أيضا لا يحتمل الإفتراء الممنهج لأن فيه تضليل للناس وتضييع للحقيقة وتمييع للمسؤوليات ، فليكن الجميع تحت المحاسبة وليحاسب كل حسب مسؤوليته ومدى ما ألحقه من ضرر بالبلد والناس سواء عن تبعية مقصودة للخارج أو سوء تقدير أو إهمال أو فساد ممنهج ، هذا على المستوى القانوني أما على المستوى السياسي فهذا متروك للناس ووعيها لضرورة المشاركة في صنع مصيرها ومستقبلها عبر تعاملها الإيجابي لا السلبي مع ما يرسم لها ولمستقبلها وما يعد لها من قوانين خاصة الإنتخابية منها قد لا تكون على مستوى طموحاتها وتطلعاتها للتغيير الحقيقي لا الترقيعي . من هنا نبدأ .. وليس بالإفتراء أو الإبراء تتم المحاسبة ، بل بإتباع الطريق القانوني والسياسي بعد إصلاح الحياة السياسية التي هي الأساس في إصلاح وتطهير بقية المؤسسات في الدولة وعلى رأسها مؤسسة القضاء التي تمثل الذراع القوية للدولة في تطبيق الإصلاحات ، تطهيرها من الفساد الناتج عن الزبائنية . فهل نحن فاعلون ؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.