9 تشرين الأول 2020 | 14:31

هايد بارك

الحريري.. سيد الكلام - هدى علاء الدين

الحريري.. سيد الكلام - هدى علاء الدين

كتبت هدى علاء الدين

أطلّ الرئيس سعد الحريري يوم أمس في حوار ناري انتظره الخصوم والأعداء قبل الحلفاء والأصدقاء، وهو الذي إن تكلم أنصت له الجميع وإن عاتب أظهر الحقيقة وإن هاجم أسقط الأقنعة عن الوجوه المزيفة.


ظروف اطلالته التلفزيونية كانت استثنائية ومختلفة عن سابقتها، فالحريري معارضاً خارج الحكم، محرراً من قيود التسوية، نائياً بنفسه عن كل معادلة باطلة ورافضاً لأي ميثاقية مزيفة، أكثر صرامة في اتخاذ القرارات المصيرية وفي أساليب التعاطي مع الحلفاء والأحزاب السياسية، لا هدف رئيسي أمامه اليوم وغداً سوى تشكيل حكومة تعيد إعمار بيروت وتنقذ لبنان من حالة الانهيار الاقتصادي والمالي التي تعصف به.


بكلام واضح وصريح وحازم وبشجاعة مطلقة، اعترف الرئيس سعد الحريري بتحمل المسؤولية أمام اللبنانيين قبل أن يحملها للآخرين على عكس غيره من المتخاذلين الذين رفضوا الاعتراف بها، واضعاً النقاط على الحروف بشأن علاقته مع الحلفاء وحيثيات تسميته لمصطفى أديب واتفاق قصر الصنوبر وما فعله من أجل إنجاح المبادرة الفرنسية وموقفه من المداورة وإصراره على حكومة أخضائيين وعلاقته بالمملكة العربية السعودية ومهاجمة الأقلام المأجورة له في لعبة إعلامية مكشوفة، مشيراً إلى أن لبنان ليس أمام أزمة نظام بل أزمة عقول متحجرة لم تجلب سوى الفوضى والدمار، ومؤكداً أنه ليس هو من يغلق الباب على الأمل الوحيد ولن يكون ذاك الذي يضع المسمار الأخير في نعش لبنان الذي يعيش فترة الفراغ بانهيار.


لم يترك الحريري تفصيلاً صغيراً إلا وتطرّق إليه، وبالفم الملآن قالها: "أنا ضد الحرب وضد السلاح، أنا مرشح لرئاسة الحكومة من دون جميلة أحد ومعروف من أنا... بعض المنتقدين والمزايدين يريدونني أن أهدد وأنا لن أفعل ذلك، أنا إبن رفيق الحريري المعتدل". رسم خارطة طريق للإنقاذ وأعلن عن مبادرة سيقوم بها هذا الاسبوع ستكون بمثابة جرعة الأوكسيجين الأخيرة من أجل إنعاش المبادرة الفرنسية التي أفشلها بالأمس من يسارعون اليوم إلى تعويمه. وجّه رسالة قوية إلى من يعزف على وتر الأخوة الأعداء ويراهن على مقولة فرّق تسد، وتكلّم بأصله عن شقيقه الأكبر بهاء، رافضاً بصرامة التحدث عن العائلة. كما أعلن جهارة أن حليفه اليوم هو فقط الشعب اللبناني وأن من يريده سيصوت له في الانتخابات المقبلة مبدياً استعداده لتقبل نتائجها مهما كانت، فهو لا يخشى الخسارة أبداً.


مخاوف كثيرة ومقلقة عبر عنها الحريري تتعلق بالسلاح المتفلت وبالوضع الأمني المتردي، والخشية من تركيب تسويات تقلب كل المعادلات الوطنية بهدف تغير النظام والانقلاب على الدستور، مفضلاً الخروج من الحياة السياسية على أن يدخل في لعبة السلاح ويكون شريكاً بالحرب الاهلية وقتل الشعب اللبناني.


وإلى بيروت التي تقف وحيدة وسط محنتها وألمها ووجعها، بيروت التي أجبرت قسراً على التأقلم مع تدميرها وقصفها وتحمل الأيادي التي تعيث بها خراباً، بيروت التي يرقص كارهوها فرحاً على أنقاضها، توجه ابن رفيق الحريري إليها بلهجة الابن البار العطوف والموجوع، معبراً عن ثقته وإيمانه بأن هذه العاصمة العصية على الجميع ستنهض من جديد رغماً عن كل من يقف في وجه إعادة إعمارها.


نعم، اعتذر سعد الحريري عن قساوته على الأحزاب السياسة وعلى جمهوره الصادق والوفي وعلى نفسه، طالباً من الأحزاب الكف عن اللعب والدوران، والسير قدماً بالمبادرة الفرنسية لأنها جميعها كانت الأقسى على المبادرة وعلى لبنان واللبنانيين. لكن من يعتذر لسعد الحريري عن كل التآويل والفبركات وخيبات الأمل وطعنات الغدر وسهام الحقد والكراهية التي أصابته، من يعتذر لسعد الحريري عن محاولة تدمير مشروع والده وإقصاءه من الحكم، عن اغتيال معنوي وسياسي يستهدف وطناً بأكمله.

مرة جديدة، يثبت الرئيس سعد الحريري أنه الرقم الأصعب في المعادلة السياسية اللبنانية وأنه سبيل الخلاص الوحيد للبنان وعنوان الأمل في زمن اليأس والإحباط، هو فقط من يمتلك الجرأة على الكلام فباح بكل هواجسه بجرأة وشفافية مطلقاً صفارة الإنذار الأخيرة علّ من يكابر ويعطل يدرك فداحة خطأه. هو فقط من يمتلك القدرة على التغيير وإنقاذ الوطن، ونحن بحاجة إلى هذا الوطن.

هذا هو سعد رفيق الحريري وهكذا سيبقى... سيد الكلام إن حكى ونقطة عالسطر.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

9 تشرين الأول 2020 14:31