كتب زياد ضاهر (*)
"المثالثة" ، "تغيير النظام" ، "مؤتمر تأسيسي" .... كلها مصطلحات اطلقها حزب الله بالتكافل والتضامن مع حليفه التيار العوني. لكل منهما أسبابه التي تلتقي على اقتسام السلطة بما يؤمن مصالحهما في السيطرة على الدولة أو ما تبقى منها! ،واعادة هيكلة تشمل "الصيغة" و "هوية" و "دور لبنان" بما يخدم المرجعية الاقليمية للحزب و الأطماع السلطوية للتيار.
السؤال المتكرر عن جدوى "التسوية السياسية" مع الحزب و التيار العوني كل تلك السنوات سؤال مشروع ، ومهما كانت غاية السائل فلا بد من الاشاره الى أن التسوية هي تعديل في المواقف و المطالب بشكل مؤقت!، فالتسوية لا تعني أن حزب الله و التيار العوني تغيرت مشاريعهم و لا تخلوا عنها، ولا الرئيس سعد الحريري تغير أو تخلى عن مشروع الدولة والاعتدال ، لكن اللحظة السياسية بظروفها الداخلية والاقليمية و ألامكانية المحدودة لأطراف التسوية على تنفيذ مشاريعهم فرضت ويسرت ولادة تسوية.
اذا، التسوية فعل مؤقت ، غالباً ، لا يغير بطبيعة أطرافها، بانتظار توفر ظروف تسمح لأحد أطرافها بتنفيذ مشروعه.
أنهى سعد الحريري التسوية و خرج من السلطة طوعاً واحتراما لمطالب الناس التي ملأت الساحات ، لكن الحكم آل الى حزب الله و التيار العوني و حلفائهم فحكموا البلاد و كلفوا حسان دياب بتشكيل حكومتهم وحدهم.
امطروا الدستور بأعراف تخدم هدفهم الاساس بتغيير "الصيغة اللبنانية" و العودة الى "النظام الرئاسي" المهيمن على كل شيء. التقييم العلمي يبني على النتائج ، فما وصلت اليه البلاد نتيجة تتلخص بالانهيار على كافة الصعد ، شكلت اجابة وافية لكل سائل عن نتيجة الاستئثار بالحكم و تعيين رئيس حكومة بصفة "وزير أول"!.
متابعة أداء الرئيس سعد الحريري خلال عام من بداية الثورة في 17شرين الأول 2019 الى الآن يقودنا الى محطة أساسية تبدأ مع انطلاقة المبادرة الانقاذية الفرنسية، الأمر الذي يوجب رصد الآتي:
• تطبيق الدستور: طبق الرئيس سعد الحريري جوهر اتفاق الطائف في لحظة سياسية هي الاشد حراجة على خصومة ، فحولها فرصة لتطبيق الدستور في وجه مشاريع تشويه الدستور لناحية آليات التكليف و التشكيل خلال مرحلة تكليف الدكتور مصطفى أديب و ما بعدها.
• في التكليف: عطل الاعراف الدخيلة على الدستور في مجال التكليف ومحاولة فرض مرحلة "المشاورات" التي يجريها رئيس الجمهورية قبل "الاستشارات" الملزمة ، وذلك فيه تعدّي على دور مجلس النواب في اختيار رئيس الحكومة. وكانت مبدرة الرئيس الحريري التي اعلن عنها خلال اطلالته الاعلامية مع الاعلامي مارسيل غانم فرصه لانعاش المبادرة الفرنسية وكانت أولى نتائجها غياب مشهد "المشاورات" قبل " الاستشارات" المحرّفة للدستور.
• في التأليف: اذا كانت رئاسة الجمهورية عصية على التدخل في شؤونها وكما هو الحال في رئاسة المجلس النيابي، فالرئاسة الثالثة أيضا عصية على أي تدخل يمس في صلاحياتها الدستورية حتى في مجال التأليف.
• المسؤولية الدستورية والسياسية: عملياً تشارك القوى السياسية و الرئاسة الأولى والثانية في تشكيل حكومات الوحدة الوطنية، لكن ، لا تبعات سياسية أو قانونية على أي طرف يساهم في التشكيل وتبقى المسؤولية السياسية والقانونية على رئيس الحكومة، ويمكن الاستدلال على ذلك بمراجعة للخطاب الذي دام سنة كاملة وأكثر عن مسؤولية الحكومات المتعاقبة عن التقصير في ادارة البلاد حيث صبّت على موقع رئاسة الحكومة كل ادعاءاتها، بينما جُلّها كانت حكومات "وحدة وطنية" .شاركت فيها كافة القوى السياسية ولكنها لم تتحمل و لن تعترف بأي مسؤولية عن أي تقصير، بل ساهمت في تركيز الهجمات على موقع الرئاسة الثالثة .
• التغيير: أطلق الرئيس الحريري مشروع تغيير في الاداء السياسي داعياً الجميع لتطبيق الطائف، فتحدث عن تغيير حقيقي في آليات الحكم والادارة للبلاد. حيث تختار السلطة التشريعية رئيس الحكومة من خلال الاستشارات الملزمة، و يتحمل الرئيس المكلف مسؤولياته أمام البرلمان في تشكيل حكومته لتمثل أمام البرلمان لنيل الثقه أو حجبها، على أن لا يتحول تمثيل الطوائف في الحكومة مطية لتمثيل الاحزاب.
لا يجوز بأي حال من الأحوال تطبيق مقاربة اصلاح مسار تشكيل الحكومات على مسار التكليف، فالفصل بين تكليف رئيس السلطة الثالثة وتشكيل حكومته مقتضى دستوري. رئيس الحكومه ليس وزيرا أول بل هو أحد الركائز الثلاثة للنظام التمثيلي للمكونات الاجتماعية في البلد وله بعدين أساسيين:
- المشاركة السياسية "للسنه" في صنع القرار على مستوى القيادة الاعلى للبلاد من خلال اختيار ممثل شرعي ووازن لتحقيق الرضى العام والاستقرار، كما هو الحال على مستوى رئاسة الجمهورية و مجلس النواب.
- التوازن بين الرئاسات و فصل السلطات بما يشكل الممر الالزامي لمنع الهيمنة واحترام المؤسسات، فلا تهيمن الرئاسة الاولى على الثالثة و لا تتداخل الصلاحيات بين السلطة التشريعية و التنفيذية، وهذا مبدأ مؤسس للأنظمة الديمقراطية الذي وضع اسسه المفكر الفرنسي مونتسكيو.
ربما احتاج حزب الله الى كل تلك الدماء و السلاح و المساهمات في حروب الاقليم للوصول الى مقايضة بين تضحياته مقابل مكتسبات في النظام السياسي اللبناني كتطبيق عملي لشعار"الخروج من القمقم" ، وكذلك فعل ميشال عون في تبديل عداواته التاريخيه الى ولائات مصلحية لتحقيق حلم رئاسة الجمهورية تحت شعار "تصحيح التمثيل"، وعلى العكس من ذلك بالنسبة لسعد الحريري الذي واجه "التغول" على الدولة والمؤسسات والدستور تارة بالتسوية السياسية وتارة اخرى بالشرعية والدستور ، وربما يصح القول أنه كان عصياً على من اراد "ادخاله القمقم المذهبي" و منيعا على من أراد "تزوير التمثيل".
(*) عضو مكتب سياسي في "تيار المستقبل"
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.