31 تشرين الأول 2020 | 08:24

أخبار لبنان

‏48 ساعة حاسمة للتأليف.. ومخاوف من كورونا وفلتان السلاح

‏48 ساعة حاسمة للتأليف.. ومخاوف من كورونا وفلتان السلاح

كتبت "الجمهورية" تقول: يُسجّل لتكليف الرئيس سعد الحريري هذه المرّة، أنّه الأول في تاريخ ‏حالات التكليف المشابهة له، الذي يترافق بعد أقل من ثلاثة أيام على إتمامه، مع إشاعة مناخات ‏إيجابية توحي بأنّ ولادة الحكومة مسألة أيّام قليلة. وما زالت هذه المناخات هي المسيطرة على ‏المشهد الحكومي، مع ارتفاع ملحوظ في منسوبها، بدا أنّه يؤشّر الى بلوغ طبّاخي الحكومة مرحلة ‏العدّ التنازلي لولادتها، ضمن سقف زمني لا يتعدّى 48 ساعة على الأكثر.‏

وإذا كان الرئيسان ميشال عون وسعد الحريري، ومن خلال لقاءاتهما التي توالت في الأيام ‏الأخيرة، يحرصان على إشاعة هذه المناخات الايجابية بحديثهما عن تقدّم تارة وعن تفاهم تارة ‏أخرى، إلاّ أنّهما، وبحسب الأجواء المحيطة بهما، لا يفرطان لا في التفاؤل ولا في التشاؤم، ‏ويتجنّبان الدخول في لعبة المواعيد، التي تحدّدها "شلّة المبصّرين" في فنجان الرئيسين، بل أنّهما ‏ماضيان في نقاش تفصيلي حول كل ما يتصل بالهيكل الحكومي، تاركين لولادة الحكومة أن ‏تخبّر عن نفسها بنفسها حينما تنضج ظروفها، وأما متى ستنضج هذه الظروف، فالعلم عند ‏الرئيسين عون والحريري وحدهما!‏

حيرة .. واستعجال

تبعاً لهذه المناخات، فإنّه لم يسبق للمواطن اللبناني أن وقع في حيرة كما هو حاله في هذه الأيام، ‏في كيفية مقاربة "ايجابيات" لا يعرف نوعها أو حجمها أو مدى واقعيتها وجديّتها، وبعيداً من ‏تشويش المبصِّرين، هو مضطرٌ لأنْ يصدّقها كونها صادرة عن الرئيسين الشريكين في تأليف ‏الحكومة، اللذين باتا في نظر المواطن اللبناني ملزمين بترجمة سريعة لها، وخصوصاً بعدما ‏أشعراه بأنّهما يقاربان ملف التأليف بجديّة وتعاون لم يُعهدا في مراحل تأليف الحكومات السابقة.‏

لا يُبالغ المواطن اللبناني في استعجاله هذا، لأنّه الوحيد المكتوي بنار أزمة، وُعد بأنّ مطافئ ‏حريقها ستوفرها الحكومة الجديدة وبرنامجها الإصلاحي والإنقاذي. ولا يخطئ المواطن أبداً إن ‏جاهر بأعلى صوته، بأنّ لا عذر للرئيسين في مزيد من التأخير، وفي عقد لقاءات تلو لقاءات، ‏تُغلَّف بالحديث عن تقدّم وتفاهم، فيما هي قد تكون في جوهرها غارقة في تفاصيل شكلية، تراوح ‏عند الأحجام والحصص والحقائب و"الثلث المعطل" ومحاولات إبعاد لهذا الخصم، ومحاولة ‏إرضاء لهذا القريب او ذاك الحليف او الصديق!‏

عدّادات الشؤم

المواطن اللبناني في ترقّب حذر لمسار تأليف الحكومة، تتجاذبه من جهة رغبة جامحة في أن ‏يرى تلك "الإيجابيات" المحكي عنها، وقد جرى تقريشها بنقلة حكومية نوعية، ومن هنا لسان ‏حاله يقول، إنّ الرئيسين ليسا امام سقف زمني مفتوح لتحقيق هذه النقلة، ومن جهة ثانية خوف ‏كبير من أن يُصدم بأنّ هذه الإيجابيّات ما هي إلاّ أبر مخدرة، وغيوم حاجبة لـ"جبل حكومي ‏وهمي"!‏

جوهر استعجال المواطن هو حلمه بحكومة تنتشله من بين عدّادات الشؤم، التي تمرّك ارقاماً ‏موجعة في مختلف المجالات:‏

‏- أرقام الإصابات بفيروس "كورونا" التي اصبحت قياسية وتقترب من 100 الف اصابة، وبدأت ‏تطرق باب الـ2000 إصابة يومياً، ولم يعد مجديًا معه أي كلام، لا عن تقصير سلطة فاقدة كل ‏حواس المسؤولية، ولا عن اهمال مواطن مجرم بعدم تقيّده بالإجراءات الوقائية البديهية، بحق ‏نفسه واهله ومجتمعه. ولعلّ هذا الخطر، يحفّز فريق التأليف على التسريع بحكومة قرارات ‏جريئة، لمكافحة هذا الوباء الذي يهدّد ارواح كل اللبنانيين بالدمار الشامل.‏

وقد لفت في هذا الاطار، ما قاله وزير الصحة حمد حسن لجهة الإقفال التام، وكذلك ما أكّد عليه ‏رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاصم عراجي، حول ما وصفه "الإقفال العام ضروري"، الّا ‏انّه اشار الى انّ "هذا الاقفال لن يأتي بالنتيجة المطلوبة، من دون تطبيق الإجراءات والتزام كامل ‏وشامل من الجهات والقطاعات كافة".‏

وكشف عراجي، أنّ "لقاح كورونا لن يصل الى لبنان قبل منتصف عام 2021، وذلك بعد التأكّد ‏من انّه آمن وفعّال بالدرجة الأولى".‏

ونبّه الى أنّ "الوضع الصحي حرج ويتطلب مزيداً من الجهود من المستشفيات الخاصة، ‏خصوصاً على أبواب الشتاء، في ظلّ التخوف من موجة جديدة لكورونا"، مشدّدًا على "وجوب ‏زيادة عدد الأسرّة بأسرع وقت، وفتح أقسام لمرضى كورونا في جميع المستشفيات الحكومية ‏والخاصة من دون استثناء".‏

‏- أرقام السرقات وعمليّات السطو على المنازل والمحال التجارية والدوائيّة، والنشل والتشليح ‏على اختلافها، والتي بلغت حداً قياسياً في مختلف المناطق. والتي بدأت تشيع جوًّا من الذعر ‏والقلق الشديد لدى المواطنين الآمنين.‏

‏- أرقام سرقات السيارات التي تزايدت بشكل كبير في أكثر من مكان.‏

‏- أرقام جرائم القتل التي ارتفعت معدلاتُها بشكلٍ مخيف. وصارت كمسلسل يومي يتنقل بين ‏منطقة واخرى.‏

‏- أرقام الاعتداءات، والافتراءات، والخوّات، التي بلغت مستويات شديدة الخطورة جراء فوضى ‏السلاح المتفلّت.‏

‏- أرقام الأموال المسلوبة يوميًّا من المواطنين، التي ذابت بالكامل في سوق الدولار السوداء، أو ‏جراء ارتفاع اسعار السلع الغذائية والاستهلاكية الاساسية بشكل جنوني، على مرأى ومسمع ‏السلطة القائمة التي تكتفي بالتفرّج، من دون ان تُقدم على قرار تستر فيه عجزها وتراخيها الوقح ‏امام هذه الجريمة.‏

‏- أرقام الفقراء التي لم تعدْ مراكز الإحصاء قادرة على احصائها، فخط الفقر صار نعمة، امام ‏الحال الذي انحدر اليه الناس، إذ أنّ بعض تلك المراكز، تقدّم صورة اكثر من سوداوية واكثر ‏كارثيّة، وتشير الى أنّ نسبة الذين أصبحوا تحت خط الفقر المدقع بدأوا يقتربون من نسبة ‏الـ70% من الشعب اللبناني.‏

‏- أرقام العجز في المالية العامة التي بلغت حداً خيالياً، باتت معه كل خيارات معالجته غير متاحة ‏او بمعنى ادق منعدمة.‏

‏- أرقام الخسائر المالية في مختلف القطاعات، والإفلاسات المتتالية لآلاف المؤسسات، وما نتج ‏منها من جيش للمسرّحين والعاطلين من العمل.‏

‏-أرقام المهاجرين التي تسجّل ارتفاعاً رهيباً، للقاصدين بلاد الله الواسعة، بحثاً عن الرزق ومورد ‏العيش، بعدما انعدمت السبل امامهم في بلدهم.‏

‏- أرقام ايام الانتظار التي تُهدر منذ الانفجار الكارثي في مرفأ بيروت في الرابع من آب، من ‏دون ان تصدر نتائج التحقيق بما تسبّب به، ومن دون ان توفي السلطة بالوعود المتتالية ‏بالتعويض على آلاف المواطنين الذين حلّت بهم هذه الكارثة.‏

التأليف عالق بالأرقام!‏

يُضاف الى ما تقدّم، أنّ مسار التأليف، ووفق ما يرشح حوله من معلومات، لا يزال بدوره عالقاً ‏ايضاً في دوّامة الرصد وإحصاء الأعداد والارقام؛

‏- عدد اللقاءات بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف حول ملف التأليف، التي تتمّ بوتيرة يومية ‏ومن دون تحديد سقف زمني لها. والتي تكتفي فقط بضخّ ايجابيات ولكن من دون تظهير حجمها ‏وماهيتها. وثمة تشكيك بأنّها لو كانت هذه الايجابيات جديّة فعلاً لكانت اقترنت بما يترجمها. ‏‏(اللافت في هذا السياق، مبادرة "تكتل لبنان القوي" الى تقديم اقتراح تعديل دستوري يرمي الى ‏تحديد الفترة الزمنية لدعوة رئيس الجمهورية للإستشارات النيابية بشهر واحد، كما تحديد مهلة ‏شهر للرئيس المكلّف لتشكيل الحكومة).‏

‏- عدد وزراء الحكومة والجدل القائم حول حكومة من 18 وزيراً، او حكومة من 20 وزيراً. ‏والمناخ العام ما زال يغلّب حكومة الـ"18" على حكومة الـ"20". فما هو مؤكّد حتى الآن، هو أنّه ‏لم يتمّ الحسم بشكل نهائي، لأي من الصيغتين. بل ما زال هذا الأمر نقطة تجاذب بين إصرار من ‏الرئيس المكلّف على حكومة الـ"18"، ورغبة رئيس الجمهورية بحكومة الـ"20"، لتمثيل الفريق ‏الدرزي الارسلاني في هذه الحكومة، وعدم اقتصار هذا التمثيل فقط على الفريق الجنبلاطي.‏

‏- حجم الحصص الوزاريّة لكلّ طرف، فحكومة الـ"18" تتوزّع فيها الحقائب ( 4 سنّة، 4 شيعة، ‏و1 درزي، في مقابل 4 موارنة، 2 روم ارثوذكس، 1 كاثوليك، 1 ارمني، 1 اقليات). والثلث ‏المعطل زائداً واحداً في هذه الحكومة هو 7 وزراء. ويبدو جلياً أنّ الرئيس المكلّف يسعى الى ‏التفكيك المسبق لعبوة "الثلث المعطّل" وعدم جعلها عاملاً مهدّداً لحكومته وسيفاً مصلتاً فوق ‏رأسها عند أي محطة. خصوصاً وانّ بعض المعلومات تشير الى وجود توجّه لدى رئيس ‏الجمهورية وفريقه السياسي، لبلوغ هذا الثلث، عبر الظفر بالنسبة الاعلى من التمثيل المسيحي في ‏الحكومة، مضافاً اليه التمثيل الدرزي والارمني. فحتى الآن لم تظهر أيّ مؤشرات توحي بأنّ هذه ‏العبوة قد أُزيلت من طريق التأليف.‏

‏- عدد الوزارات التي يفترض أن تشملها المداورة. كان القصد منها لحظة طرحها هو إجراء ‏خلطة سياسية للوزارات، وعلى نحو يُعاد فيه توزيعها بمبادلات بين القوى السياسيّة. ولكن لحظة ‏التطبيق، بدا أنّ هذه المداورة هي النقطة الأصعب في مسار التأليف، اذ تبيّن انّ وزارة المالية ‏ليست وحدها المستثناة منها، بل أنّ ثمة وزارات اخرى هي في حكم المستثناة وغير القابلة للتخلّي ‏عنها. الأمر الذي قزّم طرح المداورة من عنوان عريض وشامل، الى عنوان جزئي ومحدود، ‏حوّلها من مبادلات للحقائب بين القوى السياسية الى مبادلات بين طوائف الوزراء، ولكن من ‏ضمن الفريق الذي كان يتولاها في الحكومات السابقة.‏

فعلى سبيل المثال، وفق ما يجري التداول به في موازاة مشاورات التأليف، فإنّ رئيس الجمهورية ‏يريد الاحتفاظ بوزارات اساسية، كالدفاع والعدل والاقتصاد. اضافة الى ابقاء وزارة الطاقة في ‏يد "التيار الوطني الحر"، والرئيس المكلّف يريد الاحتفاظ بوزارة الاتصالات، على ان يقترح لهذه ‏الوزارات وزراء من طوائف مختلفة غير طوائف الوزراء الذين يتولونها حالياً، كأن يُسمّي ‏رئيس الجمهورية مثلاً وزيرًا مارونياً لوزارة الدفاع بدل الوزير الارثوذكسي الذي سمّاه في ‏الحكومة السابقة، ووزيراً ارمنياً لوزارة الطاقة بدل الوزير الماروني، ووزيراً كاثوليكياً للعدل ‏بدل الوزير الماروني وهكذا.. والأمر نفسه ينسحب على سائر القوى السياسية.‏

الصحة والاشغال

واذا كانت المعلومات المسرّبة من مسار التأليف عن حسم شبه نهائي للوزارات السيادية (المالية ‏للشيعة، الخارجية للسنّة، الداخلية والدفاع لرئيس الجمهورية والتيار)، فإنّ النقاش حول سائر ‏الحقائب، وخصوصاً تلك التي تٌعتبر اساسية، لم يصل بعد الى خواتيم حاسمة. فحصة تيار ‏المردة، لم تُحسم بعد ما اذا كانت وزيراً واحداً او اثنين. اضافة الى حقيبة الاشغال التي يتولاها ‏حالياً، والتي لا يمانع المردة في مبادلتها بما يعادلها. كما لم تُحسم بعد هويّة الحقيبة التي ستُسند ‏الى وزير يسمّيه جنبلاط، بين أن تكون وزارة الصحة التي يريدها، او وزارة التربية، وكذلك ‏الامر بالنسبة الى وزارة الصحة التي يبدو انّ هناك توجّهاً لانتزاعها من "حزب الله". لكن لدى ‏الحزب تساؤلات: هل نحن فشلنا في وزارة الصحة لتُنتزع منا؟ ثم أي وزارة بديلة لها وتوازيها ‏ستُعرض علينا؟ هنا تكشف مصادر موثوقة لـ"الجمهورية"، بأنّ وزارة الاشغال قد عُرضت من ‏قِبل الرئيس المكلّف على "حزب الله" بأن يسمّي وزيرها، ولكن الحزب، وعلى أهميّة وزارة ‏الاشغال، لم يبدِ حماسة لهذه الفكرة.‏

اللافت هنا، ما كشفه مواكبون لمسار التأليف لـ"الجمهورية"، بأنّ عرض الأشغال على "حزب ‏الله" فيه شيء من المجازفة، فهذه الوزارة على صلة بالمرافئ وتحديداً مرفأ بيروت الذي يتطلّب ‏إعادة اعمار، وأيضاً بمطار بيروت، وكذلك بأعمال البنى والإنشاء على المستوى العام، وبالتالي ‏اسنادها الى وزير يسمّيه "حزب الله" قد لا يكون فقط محل تحفّظ داخلي، بل محل اعتراض ‏خارجي، وخصوصاً من قِبل الدول الكبرى، التي إن كانت في وارد تقديم اي مساعدة وخصوصاً ‏لإعادة اعمار المرفأ، فستحجم عن ذلك. والمثال وزارة الصحة التي يتولاها وزير سمّاه "حزب ‏الله"، حيث تقاطعها الولايات المتحدة الاميركية بشكل كامل، اضافة الى أنّ المجتمع الدولي بشكل ‏عام يتعاطى معها بما يشبه المقاطعة ايضاً.‏

قبل 3 تشرين

على أنّ الحسم النهائي لتأليف الحكومة، وكما تؤكّد مصادر مواكبة له لـ"الجمهورية"، يفترض ‏جولة مشاورات سياسية مكثفة وسريعة، يجريها الرئيس المكلّف بالتوازي مع مشاوراته مع رئيس ‏الجمهورية، على أن تشمل رئيس مجلس النواب نبيه بري و"حزب الله" وتيار المردة والحزب ‏التقدمي الاشتراكي، وذلك بهدف حسم توزيع الحقائب الوزارية، بما قد يمهّد للحسم النهائي لهذا ‏التوزيع بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف. على أن يصار بعدها الى اعلان ولادة الحكومة ‏ضمن مهلة لا تتجاوز مطلع الاسبوع المقبل.‏

نصائح

على أنّ مشاورات حسم توزيع الحقائب هذه، تتزامن مع نصائح تبديها مراجع سياسية للرئيس ‏المكلّف، بقطف الحكومة قبل يوم الثلثاء 3 تشرين الثاني، الذي يصادف يوم اجراء الانتخابات ‏الرئاسية في الولايات المتحدة الاميركية.‏

وبحسب معلومات "الجمهورية"، فإنّ هذه النصائح يؤكّد عليها رئيس سابق للحكومة، وتنطلق من ‏خلفيّة انّ كل الاحتمالات واردة بعد الانتخابات الاميركية، حيث يُخشى إن لم تتشكّل الحكومة قبل ‏‏3 تشرين الثاني من ظهور مستجدات قد تُدخل ملف التأليف مجدّداً في متاهة الانتظار الى امد ‏غير محدّد، كما قد تتحرّك شهوات ورغبات لدى بعض الاطراف، تعيد خلط اوراق التأليف ‏وبالتالي تؤخّر ولادة الحكومة.‏

الموقف الاميركي

الّا انّ مصادر سياسية معروفة بإطلاعها على الموقف الاميركي، تؤكّد لـ"الجمهورية"، ان لا ‏رابط من الاساس بين الانتخابات الرئاسية الاميركية وتأليف الحكومة اللبنانية، لا من قريب ولا ‏من بعيد. فالأكيد انّ لبنان ليس موجوداً حالياً ضمن الأجندة الاميركية، الّا ضمن الحدود المعمول ‏فيها منذ امد طويل، وتحت العناوين الاميركية العريضة التي يعبّر عنها المسؤولون الاميركيون ‏بين حين وآخر، وتتناول موضوع الحكومة دون الخوض في تفاصيلها، اضافة الى موضوع ‏العقوبات على "حزب الله" وحلفائه، وهي سياسة معتمدة لدى كل الادارات الاميركية، سواء ‏أكانت جمهورية او ديموقراطية، يُضاف اليها العنصر الاساس الذي استجد، والمتعلّق بمفاوضات ‏ترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل.‏

ولفتت المصادر، الى انّ ما يُحكى عن رابط بين الانتخابات الرئاسية الاميركية وبين الملف ‏الحكومي اللبناني، هو رابط وهمي غير موجود، اخترعه بعض اللبنانيين الذين اعتادوا على تكبير ‏الحجر، وبالتالي فإنّه مع بقاء الادارة الاميركية الحالية او تغيّرها، فإنّ الموقف الاميركي من ‏لبنان هو هو، مع حكومة جديدة تنفّذ برنامج اصلاحات تعبّر عن تطلعات الشعب اللبناني، ولا ‏يتحكّم بها "حزب الله".‏

أين المبادرة الفرنسية؟

على أنّ السؤال الاساس الذي فرض نفسه في الآونة الأخيرة: اين المبادرة الفرنسية؟ وهل ستتأثر ‏في ظلّ التطورات الأمنية المتسارعة التي تشهدها فرنسا والمواجهات التي تحصل مع من تسمّيهم ‏باريس بـ"الإسلامويين المتطرّفين"؟

في قراءة سياسية للتطورات الاخيرة في فرنسا، تبرز فرضية انّ هذه التطورات قد ترخي ‏بتداعياتها على المبادرة الفرنسيّة الإنقاذية للبنان، وتخفّف من وهجها والاندفاعة في اتجاهها. ‏فضلاً عن انّها قد لا تبقى في موقع الاولوية الفرنسية، خصوصاً وانّ الوضع في فرنسا كما هو ‏واضح يميل الى مزيد من الاضطراب والى مزيد من العلاقات المتدهورة مع دول اسلامية، مع ‏الاشارة في هذا السياق الى انّ السفارة الفرنسية في قصر الصنوبر، التي شكّلت نقطة جامعة ‏للقادة اللبنانيين، كانت بالأمس مستهدفة بتظاهرات اسلامية متشدّدة اعتراضاً على حملة باريس ‏على "الاسلامويين". وبالتالي صار العمل بالمبادرة الفرنسية محفوف بالإحراج للجانب اللبناني، ‏بالنظر الى الاصوات التي ترتفع من قِبل جهات لبنانية معيّنة ضد فرنسا.‏

إلّا أنّ مصادر سياسيّة موثوقة معنية بالمبادرة الفرنسية، تخالف هذه القراءة، وتعتبرها مبالغاً فيها ‏وتلبّي ما يبغيه المتضررون من هذه المبادرة، الذين يريدون نسفها من الأساس.‏

وتكشف المصادر، بأنّه على الرغم من الأحداث في فرنسا، فإنّ المبادرة الفرنسية قائمة، وهو ما ‏أكّد عليه الجانب الفرنسي مجدّداً، بأنّ الالتزام بها نهائي، وأنّ باريس لن تتخلّى عن لبنان، ولا ‏رابط على الاطلاق بين ما يجري في فرنسا وبين هذه المبادرة، وبالتالي لا تغيير في السياسة ‏الفرنسية الخارجية، وخصوصاً تجاه لبنان، الذي تتحضّر باريس لعقد مؤتمر الدعم الخاص به ‏خلال تشرين الثاني، وتأمل ان تشارك فيه الحكومة اللبنانية الجديدة، التي ما زالت باريس تحث ‏على تشكيلها في اقرب وقت ممكن.‏

السعودية

الى ذلك، أشارت صحيفة "المدينة" السعودية، إلى أنّه "ليس مهماً إن كانت الحكومة اللبنانية ‏المقبلة، التي جرت الموافقة على سعد الحريري لترؤسها، مصغّرة أو متجاوزة للعشرين وزيراً، ‏المهم هو أن يتكاتف الجميع مع الحريري لاجتياز النفق الذي أدّى بلبنان إلى ما هو عليه الآن من ‏تمزق وضائقة اقتصادية".‏

ولفتت إلى أننا "لمسنا بوادر إيجابية هذه المرة، خصوصاً وأنّ كلاً من الرئيس اللبناني ميشال ‏عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، توصلا إلى قناعة بأنّ الوقت قد حان من أجل التوافق ‏الوطني ووضع الكتف على الكتف للخروج من الأزمة، رغم التحدّيات التي ستواجه الحريري، ‏والتي تتعلق بكيف ستكون آلية التوافق على تعيين الوزراء".‏

وفي حين اعتبرت أنّ المرحلة تتطلب وجود الحريري ولا غيره على رأس الحكومة المقبلة، ‏بالنظر إلى تمتعه بعلاقات دولية واسعة وثقة لدى المؤسسات الدولية والدول ذات الثقل ‏الاقتصادي، وعلى رأس أولئك روسيا والولايات المتحدة، أشارت الى اننا كلنا امل في ان يتخطّى ‏الحريري معضلة صعوبة تشكيل الحكومة، ويتعاون معه الذين لم يسمّوه، ليجتاز لبنان مرحلة ‏الخطر".‏

نصرالله

وأطلّ أمس الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله، متمنّياً "ان يتمكن الرئيس المكلّف سعد ‏الحريري بالتعاون مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من تشكيل حكومة بأسرع وقت"، ‏مؤكّداً "انّ الامور ايجابية ومعقولة".‏

وقال نصرالله، في كلمة له لمناسبة عيد المولد النبوي: "من جهتنا سنتعاون وسنسهّل بقدر ما ‏نستطيع، وهناك الكثير مما يُنقل في بعض وسائل الاعلام غير صحيح". واضاف: "الوقت الآن ‏ليس للتناقضات بل للتعاون والانفتاح ما أمكن للوصول الى تشكيل حكومة".‏

وعن ارتفاع عداد اصابات كورونا، قال نصر الله: "وصلنا الى اعتاب الالفي اصابة يومياً، وكل ‏المستشفيات تصرخ، وأعداد الوفيات ترتفع يوماً بعد يوم، وتساهل بعض الناس بمسألة كورونا ‏غير شرعي وحرام، وهذه مسؤولية انسانية ترتبط بالجميع، سواء بالتباعد الاجتماعي وارتداء ‏الكمامة والتعقيم"، ورأى أنّ "التعايش ممكن ولكن من خلال الالتزام بالضوابط وإلاّ فإننا سنذهب ‏الى واقع خطير جداً".‏

وإذ دان نصرالله حادثة نيس بشدة، أكّد أنّ "هذه الحادثة يرفضها الاسلام، ولا يجوز ان يحسبها ‏احد على الاسلام الذي يحرّم قتل او ايذاء الابرياء، وكل حادثة مشابهة او تأتي دائماً بالنسبة الينا ‏كمسلمين هي مرفوضة ومدانة في اي مكان وقعت واياً كان المستهدف".‏

الترسيم

من جهة ثانية، أكّدت السفارة الأميركية في بيان امس، أنّه "بناءً على التقدّم المحرز خلال اجتماع ‏‏14 تشرين الأول الحالي، اجتمع ممثلون عن الحكومتين الإسرائيلية واللبنانية يومي 28 و29 منه ‏بوساطة من الولايات المتحدة وباستضافة مكتب المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان ‏كوبيتش". اضاف البيان: "تأمل الولايات المتحدة ومكتب المنسّق الخاص للأمم المتحدة في لبنان، ‏أن تفضي هذه المفاوضات إلى الحل الذي طال انتظاره. وقد أعرب الطرفان عن التزامهما ‏متابعة المفاوضات الشهر المقبل".‏



الجمهورية ‏

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

31 تشرين الأول 2020 08:24