سعد الحريري .. كرامة وطن - خالد صالح

 كتب خالد صالح 

ليس سهلاً أن تكون رئيسًا للحكومة اللبنانية في ظل ما يدور داخليًا وخارجيًا .. وليس سهلًا على الإطلاق أن تكون رئيسًا " سنيًا " للسلطة التنفيذية في لبنان في دائرة تلتهب بالصراعات المذهبية، وليس سهلاً أن تكون عربيًا وعروبيًا في واقع تتصادم فيه المحاور ميمنة وميسرة .. بإختصار ليس سهلًا أبدًا أن تكون سعد الحريري ..

منذ تلك الاطلالة المتلفزة التي صارح بها الجميع، طأطأ أولئك المتفذلكون، سياسيًا وإعلاميًا، رؤوسهم خجلًا وأُسقط في أيديهم كل محاولاتهم للنيل من هامة هذا الرجل، المقربون والأبعدون، خاطبهم باللغة الوطنية فأصاب، وواجههم باللغة السنيًة وردّ كيدهم إلى نحرهم، وجادلهم باللغة السياسية فتفوّق بإمتياز.. 

أي ثمن باهظ يدفعه الإنسان حتى تتضح له حقيقة نفسه وحقيقة الأشياء، هو ثمن زهيد أمام " ما حدا أكبر من بلدو "، قالها بكل فخر " أنا من مدرسة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، تربيت على ثقافة الحوار والعيش المشترك، أريد الحياة الكريمة للبنانيين والعلم والعمل، هذه ثقافة وطنية تعمل مع الجميع وترى الجميع، ونحن لسنا هواة مشاكل وخلافات ومعارك ولا يمكن أن نسكت عن الخطأ وتجاوز الخطوط الحمراء والأصول والأعراف "..

هل يدرك أولئك " الحانقون " على سعد الحريري قيمة ما يسعى إليه ؟، هل باتوا على يقين أن سعد الحريري اليوم ينطبق عليه المثل " ابنك لا تعلموا الدهر بيعلموا " وأنه تعلّم فأفطن، وقرأ فتيقّن ؟، هل تأكدوا أن قصة " نأكلك لحمًا ونرميك عظمًا " أصبحت نظرية مستحيلة التطبيق، و" المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين " راسخة في الوجدان قبل الأداء؟ ..

ومنذ يوم التكليف وإدراك البعض للواقع الجديد، لم تهدأ الغرف السوداء عن " الفبركات "، والصمت سلاح سعد الحريري الأمضى، شنوا الحملات بكل ما يملكونه من أسلحة، فكانت ابتسامته ردّا صاعقًا على مهاتراتهم، فهو يدرك أن " الطريق المستقيم " هو أقصر الطرق لبلوغ الهدف، والهدف السامي الذي وضعه نصب عينيه إنقاذ لبنان ووقف الانهيار وإعمار بيروت، واي هدف أسمى مما يسعى إليه ..

بـ " حكمة وروية " استعاد المنطق السياسي السليم، رئيس الحكومة المكلف هو من يشكل الحكومة بالتشاور مع رئيس الجمهورية، وحصره الحل بحكومة إختصاصيين مستقلين غير الحزبيين وهذا ما يتماشى مع مطالب الناس، فوضع الأمور في نصابها الحقيقي و‏لم يهرب من إطلاع اللبنانيين على الصورة بدقّتها، كان ديناميكيًا في مقاربته للأمور،وديناميكيًا حين قرر السير بها، لأنها تتعلّق بالبلد والبلد وحده، وهذا جاء في أسلوب السهل الممتنع بعد أن أضحى متمرسًا في مقاربة أمور السياسة من باب رجل الدولة المسؤول ..

أن تكون مسؤولًا مثل سعد الحريري عليك أن توفّر لمقام المسؤولية متطلبات وتقديرات موزونة .. والرئيس الحريري في داخل السلطة كما خارجها، يقارب قضايا الوطن المصيرية من كونه " رجل دولة " .. ويؤمن أنه من حق اللبنانيين عمومًا معرفة كل شيء، كي لا يمارس المصطادون في الماء العكر أي محاولة لتظهير الرئيس بصورة المتهاون أو المهادن أو المتنازل أو المخالف لروح ونصوص الدستور، وهذه قيمة مضافة على أداء رجل دولة بكل ما للكلمة من معنى ..

مع سعد الحريري صلاحيات رئيس الحكومة بخير، ومقام الرئاسة الثالثة محصّن، وجوهر بقاء هذا الوطن مُصان بأشفار العيون، ووثيقة الوفاق الوطني هي السبيل الأنجع، ودور الطائفة السنية أساسي ولا يمكن لأحد اختزاله لأنهم " عصب البلد " و " من دون عصب لا قيامة لبلد "، ومقاربة الظروف من باب الاستشعار بالخطر هي ملاذنا الأخير، وهنا يتقمّص " الحريري الابن " روحية وحضور " الحريري الأب "، لبنان لن يقوم إلا بجناحيه المسلم والمسيحي ..

ليس سهلًأ أن تكون سعد الحريري، فوحده بوسعه إعادة الحيوية للسياسة اللبنانية، ووحده القادر على صوغ المسار الانقاذي للبنان، فهو حامل الأمانة والراية والارث الكبير وسمات الوطنية الحقة، وهو المرجعية الكبرى التي يعرفها الجميع فأصبح من الركائز الاساسية لأي خارطة طريق، وهو رجل الدولة الذي يعجز هواة الاشاعات على تطويقه أو " حشره " في الزاوية ولو هطلت السماء " تغريدات "..

التاريخ أكد لنا، أن الطغاة وقادة الحروب مصيرهم النسيان، بينما العظماء فيخلدهم أبد الدهر، وها هو سعد الحريري يؤكد بما لايدع مجالًا للشك أن درب الجلجلة يحتاج لصبرٍ وأناة، وأن كرامة الوطن أهم من اي مكاسب ضيقة من هنا أو هناك، وتقول الحكمة " قل لي من تعاشر أقل لك من أنت "، فمن عايش وعاصر وتتلمذ على يدي الرفيق الشهيد، سيحمل مشعله حتى الرمق الأخير ..

ليس سهلا أن تكون سعد الحريري .. فهو " كرامة وطن " ..