"تضيق قبـور الميتين بمـن بها... وفي كل يوم أنت في القبر تكبرُ"
كيف لا أيها الرفيق وأنت الغائب الذي لن يعود يوماً والحاضر الذي لن يتركنا أبدا
كيف لا وأنت المقتول الذي لا يموت ونحن المشتاقون الذين لن ننساك أبدا
فــــ "ما مات من تحت التراب.... كم بين هذا الطين من أحياء"
الكلام عنك أيها الرفيق يبدأ لكنه لا ينتهي، كيف لا وأنت تلك الهامة الوطنية والعربية التي قلّ نظيرها، كيف لا وأنت رجل ليس ككل الرجال وزعيم ليس ككل الزعماء وعظيم ليس ككل العظماء.
من بساتين الليمون في صيدا، فاح عطر رفيق الحريري في 1 تشرين الأول عام 1944، في يوم لم يكن يوماً عادياً لولادة طفل أصبح فيما بعد رجلاً بحجم وطن وربما أكثر....
ها هو طفل يترعرع في أحضان عائلة حسنة السمعة وطيبة الخصال، منحته فيضاً من الحب والحنان وصبغته بسمة التواضع وميزة التفاؤل ليشب بشخص المكافح وعقيدة القائد الذي انتظرناه، فأتانا في العام 1992 رسول محبة وسلام، مبلسماً لجروح دامية ومداوياً لآلام شعب ونافضاً غبار الحرب عن أشلاء وطن.
لم يبخل الحريري يوماً على لبنان أرضاً وحجراً وبشراً، فجعل منه سويسرا الشرق وقبلة الغرب. قاده في أحلك الأوقات وأصعبها، حمل همومه وقضاياه على كتفيه وجال أصقاع العالم لضمان أمنه واستقراره. كان مصمماً على كل شيء، فلم يعرف الخوف والاستسلام والهوان طريقاً إليه. امتلك من الحنكة والذكاء والحكمة ما جعله الرقم الأصعب في المعادلة السياسية، فكان صاحب الأفعال لا الأقوال، إن تكلّم فعل وإن وعد أوفى.
عشية عيدك الـ 76 أيها الرفيق، لا يوجد كلمات تعبر عن حالة اليأس والإحباط التي نعيشها، نفوسنا حزينة حتى الموت، وقلوبنا تفيض شوقاً إليك. اشتقنا إليك أبو بهاء، اشتقنا إلى كل ذاك الأمان الذي كنت تمنحنا إياه، اشتقنا إلى راحة البال التي غابت عنا، اشتقنا إلى بسمتك الهادئة التي كانت تحيي فينا الرجاء، اشتقنا إلى صوتك الذي كان يشعرنا بأننا كنا بخير، كنت ذاك السند الذي نتكئ عليه مهما قست علينا الأيام، كنت ذاك الرفيق الذي يغير أحوالنا من حال إلى حال، كنت ذاك الخصم الذي يهابه الجميع والحليف الذي يشرف الجميع.
نتذكرك اليوم ونسأل أنفسنا ماذا لو أنك معنا في هذا الوقت العصيب، هل كنت ستسمح بهذه العبثية والفوضى وبأن يؤخذ لبنان رهينة المحاور والصراعات؟ هل كنت ستسمح بقتل اللبنانيين وتدمير مستقبلهم؟ هل كنت ستسمح بهذا القهر والظلم والاستبداد؟
حتماً لا، فلو أنك معنا اليوم على قيد الحياة لما تجرأ علينا الأعداء والخصوم، لو أنك معنا لبقي لبنان وطن الأحلام الذي بنيته، لو أنك معنا لطردت كل من يحرمنا الأمن والأمان، لو أنك معنا اليوم لما سكننا الخوف وتلاعبت بنا أهواء الحاقدين.... فنحن يا رفيق لم نعد نحتمل كل هذه المآسي من بعدك.
ما أحوجنا إليك وأنت المدرك بهمومنا، ما أحوجنا إليك وأنت العالم بأوجاعنا، ما أحوجنا إليك وأيامنا اليوم ما عادت تشبه أيامنا معك، كنت الأمل... فما أضيق العيش بعدك.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.