كأنما الانتخابات التي جرت في الثالث من هذا الشهر في الولايات المتحدة بين ترامب وبايدن، تحفل بالمفارقات الشيء: وخلافه المفاجأة والتوقع النسبي، الهدوء وحذره، القبول والرفض، نتائج المجتمع الانتخابي وتميزه عن الاقتراع المباشر، عمليات اقتراع بمسيرتها ثم التشكيك فيها، مضاعفة أعداد المقترعين بشكل غير مسبوق (مئة مليون نحو 60% من الناخبين) يقابلها مطالبة ترامب بوقف الفرز في ولاية ميشيغن وسواها. ومطالبة بايدن بعدم إعلان النتائج إلا بعد فرز آخر بطاقة وورقة اقتراع.
ترامب يعلن فوزه ليل الثلاثاء الماضي، وبايدن يرمز إليه بطريقة مبطنة ثم مباشرة، ترامب يرفع دعاوى قضائية تشكك بالنتائج، (خصوصاً في بنسلفانيا)، ويرى بايدن أن الانتخابات لم يُشبها أي اختلال قانوني.
كل هذه المعمعات والارتدادات أهي من صُلب الديموقراطية؟ نعم! وهي مستمرة منذ نحو قرنين.. لكن، برغم ذلك، نتساءل: ألم يئن الأوان لتعديل أو لتطوير هذا النظام الانتخابي القائم على ثنائية الاقتراع المباشر العمومي، وعلى تصويت المجمع الانتخابي، واحد يفوز هنا ويسقط هناك، هيلاري كلينتون تفوقت على ترامب عام 2016 بنحو ثلاثة ملايين صوت ليفوز عليها ترامب بنتائج أصوات هذا المجمع! شيء غريب: كأنما هناك انتخابات في جمهوريتين مختلفتين!
وهذا ما سبق أن حصل مع المرشحين الغور وبوش الابن الأميركيين، حيث فاز الأخير بنحو 500 صوت في ولاية فلوريدا، وحسمت المحكمة العليا لمصلحة الأخير.
إذا كان هذا القانون "الصُلب" يثير مثل هذه التفاوتات والمشاكل والأزمات ألا يمكن أن يفكر المسؤولون الأميركيون حتى البحث في آلياته وتحديد مطباته، والإكباب على حلول توحد النتائج، كما هي الحال في فرنسا، وألمانيا، وانكلترا، وسائر البلدان الديموقراطية، وتلغي هذه الثنائية؟
نقول هذا لأن هذه القضية طرحت مؤخراً في سجالات متلفزة، أو مقالات في الجرائد والصحف، وأظهرت تبايناً في المواقف والآراء بين الخبراء والسياسيين.
لكن، يبدو أن هذا الأمر جزء من المحظورات عند الأميركيين لارتباطه بتاريخ أميركا بعد انتهاء الحرب الأهلية قبل نحو قرنين.
وإذا تجاوزنا هذه المسألة، وكان علنياً، بعد انتهاء فرز معظم الأقلام، إلى إعلان الفائز في الانتخابات (على الأرجح بايدن) يقابله فوز الجمهوريون في مجلس الشيوخ.
يمكننا القول وتجاوزاً لهذه النتائج وتداعياتها، أن لا حزب الجمهوريين خسر كلياً، ولا الحزب الديموقراطي ربح كلياً، فالديموقراطيون حاولوا بكل الطرق اكتساح الحزب الجمهوري في الرئاسة، لكن لم يكن هناك اكتساح فعلي، بل اختراق واسع لدى الجبهتين، وحاول المحافظون انتزاع مجلس الشيوخ من سيطرة الجمهوريين، فخاب أملهم.
في هذا الإطار، ومن خلال متابعتنا مسارات القوانين، نرى أن الشعب الأميركي هو الرابح الأكبر في هذه التجربة، وأنه قدم صورة ديموقراطية مضيئة للعالم، بل أظهر هذا الشعب أنه أكبر من أحزابه، وهذا هو المهم!
لكن تبقى المخاوف قائمة، ماذا لو أدت النتائج التي باتت معروفة إلى التشكيك بحجة التزوير؟ أو حولت إلى المحكمة العليا، وعارضت أحكامها ما قد أعلن من فوز هذا المرشح أو ذاك؟ ماذا لو "اشتعل الشارع" وانفجر العنف بين مؤيدين هذا الحزب أو ذاك، لأي بين يسار متطرف وشريحة اجتماعية مستنفرة من جهة، وبين يمين لا يقل تطرفاً عن الأول، نظن، كما سبق أن قلنا، أن مثل أشكال هذا العنف إذا اندلعت فستكون محدودة وموضعية، لا أكثر ولا أقل بل نحدد أكثر: نتابع موجات الشحن والتجييش وبعض التظاهرات في الشوارع، وملامح عنف هنا، أو فوضى هناك، لكن، نتمنى أن نقول: أن كل ذلك لن يدوم طويلاً، وأن الجميع سيخضعون لنتائج الانتخابات...
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.