بول شاؤول
بعد إعلان فوز بايدن بالرئاسة، ما زال (إعلامياً حزبياً غير رسمي) دأبت وسائط التواصل الاجتماعي والشاشات التلفزيونية، والصحف، والإذاعات، بتركيز اهتمامها المتجدد بأسئلة لا تختلف في جوهرها عن دورها أثناء الحملات الانتخابية بين المرشحين، وأثناءها. السؤال الذي يتكرر في العديد من هذه الميديا: هل في رأيك يستطيع بايدن أن يرمم الانقسام العميق بين مكونات الشعب الإميركي؟
هذا السؤال يتضمن الجواب! سؤال في صيغة جواب وجواب في صيغة سؤال يؤكد يقيناً أن هناك فعلاً انقساماً (أو مشاريع تقسيم، أو تقطيع أوصال أو انشقاقات) وهذا غير دقيق بل وغير واقعي) بعض هؤلاء رأى ان تقارب النتائج بين بايدن وترامب (بين 71 مليوناً و 73 مليوناً) نذير يوحي انقسام الأميركيين. وهذا خطأ تاريخي: هل شكل تقارب الأصوات بين ترامب وهيلاري كلينتون "قطيعة"؟ وهل شكل هذا التقارب بين الغور وبوش الابن انقساماً ؟ حتى عندما أحيلت هذه المسألة على المحكمة العليا؟
أنا شخص عرف مرارة التقسيم في بلدي وما يعنيه وما يجسده: خطوط تماس مذهبية بين المناطق، قتل على الهوية، تدمير مدن كاملة، سيطرة الميليشيات في كونتونات مستقلة، زوال الدولة، وانقسام الجيش، والمؤسسات، وقصف عشوائي متبادل على المناطق...
فهل شاهدنا قبل الانتخابات وأثناءها، وبعدها مثل هذه الظواهر، ظهور المسلحين، وبعض أشكال العنف، هنا وهناك. ولكنها بدت عابرة.
فالذين استخدموا مصطلح "الانقسام" على أميركا سبق أن استخدمه أمثالهم في فرنسا، أو "القطيعة" لأن أحزابها "متناحرة" مقسمة بخلفياتها الأيديولوجية والسياسية، وتكررت مقولة نهاية الديمقراطية في فرنسا، وكذلك نهاية الديمقراطية في أميركا، بل راح بعض الإعلام من باب التهويل يروّج "نهاية أميركا نفسها" و "ما بعد أميركا" ومثل هذه التوجهات غزت وسائل الإعلام قبل الانتخابات كمثل حتى احتمال انشقاق بعض الولايات عن الدولة المركزية، أو أن الأميركيين يستعدون لحرب أهلية.
إن كل هذه التوترات والعناوين التشاؤمية المخيفة أسقطتها كلها مسارات الانتخابات السلسة والهادئة والطبيعية، حتى بعد الإعلان غير الرسمي عن النتائج، كانت ردود فعل الجمهوريين في الشارع سلمية، تقتصر على الاحتجاجات وعلى شرعية بايدن أو عدمها.... أي لم تصدمنا لا رؤى الميليشيات المسلحة في الشوارع، ولا التظاهرات العنيفة ولا تحطيم المحال والسيارات...
هل هي أزمة مصطلح؟ فعبارة تقسيم يعني قطيعة سياسية واجتماعية، يتحول فيها الناس إلى أعداء بعضهم البعض، ونظن، أن أفضل تعبير عن الحالة السائدة في الولايات المتحدة هو "الاختلاف" وهو من صميم الأنظمة الديمقراطية، وكذلك التنوع. لم يحصل بايدن لا على كل الأفارقة ولا على كل اليهود، ولا على كل المسلمين، وفي المقابل لم يحصد ترامب كل البيض والإنجيليين وحتى اللاتينيين... أي أن أصوات المقترعين اختلطت: أيعني ذلك تقسيماً أيضاً؟ بل هو اعتراف علني بالآخر: لم نجد تسوناميات بل تنافس.. ولا صراع أعداء بل صراع مواطنين.
نستنتج من ذلك كله: أن هؤلاء المبشرين "بالتقسيم" كانوا ينتظرون ربما أن ينال أحد المرشحين 99 بالمئة من الأصوات كاللتي كان ينالها "الاستبداديون" (بالإرهاب والقمع) أمثال القذافي وصدام حسين وحافظ الأسد... لترسخ نتائجها الجاهزة الوحدة الوطنية المفقودة، انها الأنظمة الشمولية والتوتاليتارية هي التي تقضي على التعدد.. بأحادية السلطة، تحت عنوان الوحدة الوطنية المزعومة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.