10 كانون الأول 2020 | 21:21

كتب بول شاوول

مختارات للشاعرة الروسية الكبيرة مارينا تشفتايا

مازلتُ أفكر في الغبار الذي تبقى على شفتيكَ!


الشاعرة الروسية مارينا تشفتايا من أكبر الشعراء الروس، وصديقتها الشاعرة آنا أخماتونا. تعرضت للتنكيل والتهديد والقمع من النظام السوفياتي الستاليني، خصوصاً بعد ابتداع نظرية "الواقعية الاشتراكية" التي فرضت على الشعراء والكتّاب والفنانين أن تكون كتاباتهم مضادة للذاتية والرومانسية، وتخدم الثورة البولشفية وسلطتها الستالينية. هذه النظرية التي صادرت كل شعر داخلي وذاتي وفردي واعتبرته "خيانة" للثورة، أسسها جدانوف وشارك في بداياتها غوركي وانضم إليها بكل أسف الشاعر الكبير مايا كوفسكي، هربت مارينا إلى فرنسا، وهناك صاغت أهم تجاربها.

ولدت الشاعرة عام 1892 وفي عام 1941 انتحرت وأنهت تجربة إنسانية رهيبة وقلقة، لكن غنية وطليعية.


في الصالون:

في عالم الرؤى الليلية

نحن الأطفال الملوك.

الظلال الطويلة تنزل،

المصابيح تلمع خلف النوافذ،

الصالون العالي يظهر

تنفس المرايا لونها

تتنفس المرايا لونها

ولا دقيقة برسم الضياع!

شخص ما يخرج من الزاوية.

فوق البيانو الأسود، كلانا

نحن الإثنين ننحني والخوف يقترب،

ملتفين بشال أمي

نسحب حابسين أنفاسنا خوفاً.

فلنذهب لنرى ما يحدث

على ستار الأعداء الظلاميين.

اسودّت وجوههم

من جديد نحن منتظران؟

نحن حلقات سلسلة سحرية

ولا نفقد في المعركة أبداً شجاعتنا.

المعركة الأخيرة وشيكة

وستزول مملكة الظلمات

نحن نحتقر السالفين

لأيامهم الكئيبة والبسيطة...

نحن نعرف، نعرف كثيراً

ما لا يعرفونه.

(1908 – 1910)

اقترب مجنحاً

1

اقترب، مجنحاً،

وجفونك تنقشع على نظرتك المشرقة.

مت مشتعلة

في أبهتِ الساعات

عمّ يمكن أن تكفّر.

هاتان الدفعتان الأخيرتان الفقيرتان؟

فكّر، تدق

الساعة الرابعة.

2

ذهب من دون أن يُرى،

حاملاً الكلمة الأغلى.

لكن لا أحد سمع

نداءك الأخير.

وضاع في بحر الضوضاء

الصرخة التي مزّقت صدرك ونفسك.

وردية، غرقت

في الصباح المضطرب...

3

لو كنتم تعرفون، أيها المارّة،

المشدودون بنظرات أخرى جذابة

مثل نظرتي، كم نار أشعلت،

كما حياة عشت من أجل لا شيء،

وكم حمية، كم اندفاعة

وفرت من أي ظل مفاجئ أو ضجة...

وقلبي، عبثاً مشتعل

مهجور، يتساقط رماداً.

آه، القطارات المتطايرة في الليل

حاملة أحلامنا في المحطات...

لو كنتم تعرفون كل ذلك،

وأنا عارفة، ما كنتم تستطيعون أن تعرفوا.

لماذا كلمتني بهذه الفجاءة

في دخان السيجارة الأبدي

وكم من حزن أسود

يزمجر تحت شعري المضيء.

(1913)

إلى بايرون (الشاعر الإنكليزي)

أفكر في صبح مجدك

في صبح حياتك،

عندما شيطاناً استيقظت

والله من أجل الإنسان.

أفكر في حاجبيك

اللذين يطوقان شعلة عينيك

إلى حمم دمك القديم

الذي يجري في عروقك

أفكر في أصابعك جد الطويلة –

في شعرك المعقود

والنظرات التي كانت تفترسك

في الصالونات والممرات.

أفكر في هذه القلوب، الغنية جداً،

لم يكن عندك وقت للقراءة

بين أقمار تنبثق

وتنطفئ لمجدك.

أفكر في هذا الصالون الغامض،

في المخمل المنحني على الدانتيل،

عليك، وأنت قرأت لي من أشعارك

وعليّ، وأنا قرأت لك من أشعاري.

ما زلت أفكر في الغبار

الذي تبقى على شفتيك وعينيك

في كل تلك العيون التي ترقد مستريحة

فيهم. كلهم، فينا...

.A.S.E

1

بتحد أضع خاتمه!

أنا زوجته أمام الأبدية، ليس على هذه الورقة.

وجهه حاد

كسيف.

فمه أخرس، الزوايا منخفضة،

حاجباه مؤلمان ورائعان.

في وجهه الفاجع امتزجت

سلالتان قديمتان.

إنه دقيق كالأغصان النابتة.

عيناه مدهشتان غير مجديتين.

تحت الحاجبين المجنحين، المنبسطين،

هوتان.

أبقى وفية لوجهه الفروسي،

لكم جميعاً من تموتون وتعيشون بلا خوف

في الأيام المقدرة نغني

مثل هذه الأناشيد قبل الذهاب إلى المقصلة.

2

أنا لا أفكر، ولا ألوم، ولا أناقش نفسي.

أنا لا أنام.

لا أرغب في شمس، ولا قمر، ولا بحر

ولا مركب.

لا أحس درجة الحرارة المرتفعة بين هذه الجدران،

ولا كم الحديقة خضراء.

وهذه الهدية، التي طالما رغبت، وانتظرت –

ما عدت أنتظرها.

لا يبهجني هذا الصباح، ولا هذا القطار

الصخب المبتهج

أعيش من دون أن أرى النهار، ناسية

من الزمن، السنة والساعة.

كأن على جبل مشقوق – راقصُ صغير.

أنا ظل، ظل، أنا قمرية

من قمرين مظلمين.

(1914)

إلى ابنته

مع السنونوة جئت،

في الساعة ذاتها

فرح جسم صغير،

عينين جديدتين.

الولادة في شهر آذار

أترى يا رب هذه التحية

يعني أن تكوني عصفورة

على الأرض

السنونوات تغوص في السماء

المنازل رأساً على عقب:

الطفل يغرد، والعصفور يزقزق

خارجاً.

الأيام، في تشرين الثاني قصيرة،

طويلة الليالي.

السنونوة بأذنابها الزرق –

ما وراء البحار!

برودة هذه الأراضي القاسية

تضغط على الصدر الناعم.

السنونوات أخذت

الطفل.

إكليل فقير على الجبهة، جامد،

جفون ناعمة جامد الطرف.

نامي يا طفلتي، عصفورة الله،

نامي، نامي!

(1914)

الحرب، الحرب

الحرب، الحرب! بحور وأيقونات...

المهاميز تقعقع،

لكن ليس لي ما أفعل لا للقيصر

ولا لخلافات الشعوب.

كما على حبل مشقوق

أرقص – راقص صغير.

أنا ظل ظل. أنا قمرية

بين قمرين مظلمين.

(1914)

الأوراق ماتت...

ماتت الأوراق على قبرك،

وهذا يوحي الشتاء.

إصغ إليّ، أيها الراحل، إصغ إليّ أيها الحبيب:

أنت مع هذا مازلت لي.

كنت تضحك تحت "حجيجك"!

القمر عالٍ.

لي: مؤكد وثابت

مثل هذا الصباح.

مرة أخرى، وصرة الثياب في يدي

سأجيء باب المستشفى

ذهبت إلى هذه البلدان الحارة.

بالبحار الواسعة.

كنت أعانقك،، ألعب الساحرات!

أسخر من هذه الظلمات الأبدية!

لا أؤمن بالموت ستعود من المحطة!

إلى بيتي.

سيان الأوراق المتساقطة؛ على

التيجان،

الكلمات مشطوبة، ممحوة.

حتى ولو اعتقد العالم كله أنك ميت،

فأنا ميّتة أيضاً.

أرى، أحس أحسك في كل شيء.

تسقط الأوراق من تيجانك.

لم أنسك فلا تنسني

أبداً.

بهذه الوعود أعرف الغرور

واللامجدي.

رسالة في العدم. رسالة في اللانهاية –

رسالة في الفراغ.


يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

10 كانون الأول 2020 21:21