أسعد حيدر

11 كانون الأول 2020 | 15:41

كتب أسعد حيدر

النظام الخامنئي وجرة السم


لا يكفي ان يقال ان النظام الخامنئي مأزوم بعد مقتل العالم - الجنرال محسن فخري زادة . تعدد روايات المسؤولين على اختلاف مواقعهم حول كيف قتل هذا العالم الذي يوصف بأنه "أب" المشروع النووي ، تؤكد العجز الكامل أمام الاختراق الاسرائيلي الاميركي الى قلب النظام الأمني الإيراني المتعدد الأذرع والممارسات … المأزق الكبير والحقيقي الذي يواجهه النظام في طهران انه منذ اغتيال الجنرال قاسم سليماني قبل عام تقريبا وحتى اغتيال العالم والجنرال زادة انه يقف أمام مفترق طرق يفرض عبوره اختيارات أساسية تتضمن الاستعداد لخلافة القائد خامنئي ( رهبر )كما يسمى في ايران رسميا وليس المرشد والذي يشمل شبكة من الصراعات والاختيارات الاستراتيجية المشدودة الى طبيعة النظام كله وتوجهاته وليس فقط اسم الخليفة تماما كما حصل قبل ثلاثة عقود لدى البحث في خلافة الإمام الخميني رغم الفارق الكبير بين الشخصيتين والدورين والمرحلتين … الى جانب ذلك تضخم وجوب الإجابة على السؤال الكبير والمزمن والملح كثيرا حاليا ما العمل في مواجهة الولايات المتحدة الاميركية بعد ان وصلت المواجهة الى ابعد بكثير مما كانت عليه بعد احتلال السفارة الاميركية في طهران واحتجاز الدبلوماسيين الاميركيين ٤٤٤يوما أنتجت انتخاب رونالد ريغان وولادة "الريغانية " ؟

في الأساس لا ايران ولا الولايات المتحدة الاميركية تريدان الاشتباك لأنه يعني الانزلاق نحو حرب لا يمكن ضبط حدودها ، لكن ايضا طهران وواشنطن محرجتان جدا لأنهما لا يمكنهما الوقوف مقيدتان أمام حافة المساحة المفتوحة لحقل الرمال المتحركة خصوصا طهران في زمن تبدو فيه تهديدات الرئيس المغادر للبيت الابيض دونالد ترامب جدية لانه يريد ترك النار مشتعلة اينما يمكنه أمام الرئيس المنتخب جو بايدن ، أيضا فإن الأخير لا يمكنه الظهور بأنه الرئيس "الأعرج " منذ اليوم الاول لدخوله البيت الابيض … لذلك يلعب الطرفان بشراسة في خلال الوقت الضائع ولكن مع ما يمكن الاطلاق عليه "تكبير الحجر الذي ينتج عدم رميه "! . وإذا كانت اميركا تقف في حالة انتظار الفعل الايراني فان النظام الخامنئي يبدو أمام خيارين كلاهما اكثر من مر ،لانه يتطلب "شرب جرة من السم وليس كأسا من السم" فإن التزم الجمود وعدم الرد بانتظار الوقت المناسب البعيد يخسر مصداقيته خصوصا على الصعيد الداخلي والشعبي واذا رد دخل في مواجهة مكشوفة لم يعتد على خوضها سابقا …

الروايات المتعددة لعملية اغتيال فخري زادة ومن مواقع مهمة وعبر قيادات فاعلة تؤكد اولا الاحراج العميق والواسع للنظام الخامنئي ، لانه مهما يكن فإن الاختراق كان ضخما سواء. كانت العملية قد جرت الكترونيا او عبر مجموعة دخلت ايران ونفذت وخرجت سالمة ، ذلك أنه في الحالتين يمكن تكرارها ضد هدف مختار بعناية ودقة وبوسائل اخرى ومختلفة … والملاحظ ان الرواية الاولى كانت الاكثر واقعية ثم تدحرجت الروايات حتى وصلت الى تجسيد العجز الكامل ، من ذلك :

• ان اسرائيل هي المجرمة وهي قتلت العالم بواسطة عملية مركبة من مجموعات عسكرية محترفة جدا ( دخلت وخرجت سالمة وبمشاركة داخلية ) ، وبدعم من الأقمار الصناعية التي كان دورها المراقبة وتحديد وقت الوصول وخلو الطريق من الأمن وانها اقدمت ( تبعا لاختلاف المصادر) الى سحب العالم الضحية من سيارته و"إعدامه " امام زوجته… في هذه الرواية القاتل هو اسرائيل بدعم اميركي … وهنا يمكن تحديد وجهة الثأر واختيار الهدف المناسب .

• ان العملية كلها جرت الكترونيا من المراقبة الى التنفيذ برشاش إلكتروني دقيق جدا الى درجة ان زوجة العالم الضحية لم تصب بجرح بسيط في وقت أصيب فيه بأكثر من رصاصة قاتلة … وإذا كانت هذه الرواية صحيحة فالويل لكل المسؤولين في ايران وحتى في العالم لأنه يمكن إعادتها وتعميمها ضد أي خصم مهما علا شأنه وبدون كلفة ومخاطر .

• جرى فيما بعد تدحرج الاتهامات من اسرائيل واميركا وصولا الى حلف "الناتو "على لسان احد اقطاب النظام العسكري والسياسي الجنرال محسن رضائي … ولعل هذا الاتهام ما يؤكد على العجز عن الرد لأنه إذا كان النظام الخامنئي لا يجسر على مواجهة اسرائيل ومن ثم اميركا فكيف واين سيواجه "حلف الناتو " ؟

• ان توقيت العملية المؤلمة جدا اضاف إرباكات كبيرة جدا تؤكد لماذا تقف إيران ومعها كل النظام امام مفترق طرق استراتيجي… مسالة انتخاب رئيس جديد وان كانت في حزيران القادم تبدو مهمة جدا لانها تضيف "الملح على جرح الاختيارات الاساسية للنظام" ذلك ان المرشحين المتزاحمين المبكرين جداها هم ستة جنرالات أبرزهم الجنرال دهقان المستشار العسكري للقائد خامنئي ودون بروز مرشح مدني واحد . مما يؤشر الى "عسكرة "النظام تدريجيا بانتظار حسم خلافة القائد خامنئي ، كل هذا يجري في ظل حملة قاسية ضد الرئيس حسن روحاني تبدو بداياتها مفتوحة على التصعيد، من ذلك الملاحقة الجزائية لنائبه عيسى كلانتري بتهمة مركبة باهنة ذكرى الإمام الخميني ويأتي هذا بعد ادانة نائبة روحاني السابقة شهندخت موردي والحكم عليها بالسجن لعامين "بتهمة تقديم معلومات ووثائق سرية مهددة للأمن القومي"…

بعد انسحاب "حماس "العلني من الانخراط في أي حملة ايرانية ضد اسرائيل ، والتحفظ غير المعلن لحزب الله في الانخراط في أي مواجهة عسكرية تنهي لبنان المحاصر والمهزوز أصلا بأزماته حتى ولو حقق انتصارا مستحيلا ، يبقى العراق ساحة مفتوحة، فهو "كيس الملاكمة " الجاهز ايرانيا وأميركيا لتفريغ الاحتقان المدروس لانه حتى واشنطن ترامب أجرت "تظاهرة عسكرية" عندما أرسلت القاذفتين الاستراتيجيتين ب_٥٢ اللتين لن تستخدما سوى في حرب مفتوحة ومدمرة ، وبدوره فإن الرئيس المنتخب جو بايدن وفي تأكيد له بأنه ليس "اوباما الثالث" عين لأول مرة وزيرا للدفاع أفريقي ضمن نهجه في تلوين ادارته بألوان الشعب الاميركي كله فإنه لا يجب تناسي نقطة مهمة جدا في التاريخ العسكري للوزير بأنه هو الذي قاد الهجوم العسكري على العراق عام ٢٠٠٣


يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

أسعد حيدر

11 كانون الأول 2020 15:41