29 كانون الأول 2020 | 16:05

أخبار لبنان

‏"حزب الله" يهيئ بنية تحتية لمناطقه لأن "الحكومة تحتاج وقتا"‏

‏

وليد شقير – اندبندنت عربية


لا يلبث "حزب الله" في لبنان أن ينفي ربطه تشكيل الحكومة باستحقاقات خارجية، رداً على ‏اتهامه من قبل خصومه بأنه يرهن قيامها بالأجندة الإيرانية، حتى يعود فيؤكد بسلوكه هذا ‏الاتهام، بطريقة أو بأخرى‎.‎

وما بات متعارفاً عليه في الأوساط السياسية اللبنانية، أن الحزب يقف خلف العراقيل التي يضعها ‏رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وصهره رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، ‏في وجه مهمة الرئيس المكلف سعد الحريري إنجاز الحكومة في سرعة، بعد مضي تسعة أسابيع ‏على تكليفه من قبل الأكثرية النيابية، كي يشكل حكومة اختصاصيين غير حزبيين، تفادياً لغلبة ‏منطق المحاصصة الحزبية والسياسية والطائفية‎.‎

آخر من كرروا اتهام الحزب بالربط بين تأليف الحكومة وبين انتظار تسلّم الرئيس الأميركي ‏المنتخب جو بايدن مهماته في 20 يناير (كانون الثاني) رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد ‏جنبلاط، خلال حديث أدلى به لجريدة حزبه على موقعها الإلكتروني (الأنباء)، غداة مقابلة الأمين ‏العام للحزب حسن نصرالله التلفزيونية، حين قال إن "القوة المركزية في لبنان، أي إيران متمثّلة ‏بحزب الله، تنتظر تسلم الرئيس المنتخب الجديد جو بايدن لتتفاوض معه على الملف اللبناني، ‏الصواريخ، العراق، سوريا، اليمن‎".‎

يتهم الآخرين بما يُتهم به

إلا أن الحزب دأب على رد التهمة بأن الحريري هو الذي يترقب تخفيفاً للشروط الأميركية على ‏تركيبة الحكومة الجديدة‎.‎

من عادة "حزب الله" أن يتهم الآخرين بما يتهمونه به، لكن نصرالله لم يترك مجالاً للشك في ‏الربط بين ولادة الحكومة وبين انتقال السلطة في واشنطن، حين قال في مقابلة تلفزيونية مطولة ‏مع قناة "الميادين" إن علينا أن ننتظر "ما الذي تريده الإدارة الأميركية الجديدة في المنطقة"، في ‏سياق رده على أسئلة عن الوضع الإقليمي، إذ أشار إلى "وجود مقاربات بأن الإدارة الأميركية ‏الجديدة ربما يكون لديها موقف مختلف بالنسبة إلى حل القضية الفلسطينية، وربما في العودة ‏للاتفاق النووي مع إيران‎".‎

واستطراداً، فإن نصرالله لا يفصل الوضع في لبنان عن المعادلات الإقليمية، ولا سيما في سياق ‏الصراع الإيراني – الأميركي، فهو عاد وقال إنه "في ظل الإدارة الحالية (الرئيس دونالد ‏ترامب) لا يمكن أن يحصل ترسيم الحدود" البحرية بين لبنان وإسرائيل، التي تلعب واشنطن دور ‏الوسيط والمسهّل فيها. ثم لفت إلى أن "الحكومة لا تزال تحتاج وقتاً‎". ‎

وأعاد التأخير في التأليف إلى "تأكيد المعنيين وجود أسباب داخلية، والمشكلة الأساسية تكمن في ‏غياب الثقة، وفي شكل أساسي بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري"، لكنه أبقى على شعرة ‏معاوية مع الرئيس المكلف، فأوضح أن "هناك أجواء إيجابية وتعاوناً بيننا وبين الحريري‎".‎

سياسة الحزب تقوم على أن يترك لحلفائه في الفريق الرئاسي العوني أن يخوضوا المواجهة مع ‏الحريري، فتطغى مظاهر التناقضات السنيّة - المارونية، في شكل يجنبه تصاعد الحساسية السنيّة ‏‏– الشيعية، إذا تولى هو وضع الشروط والمطالب التي تعرقل مهمة زعيم تيار "المستقبل" في ‏إنجاز الحكومة‎.‎

المواجهة السنيّة - المسيحية تريحه

ويرى أحد السياسيين البارزين المتابعين لفصول العراقيل في وجه تأليف الحكومة، أنه طالما ‏يتولى عون وباسيل تضخيم مطالبهما التوزيرية التعجيزية، باسم شراكة الموقع المسيحي الأول ‏في الدولة في اختيار الوزراء، وإضعاف قدرة الحريري على إنجاز الحكومة بالنيابة عنه، فإن ‏المواجهة السياسية بينهما على الصيغة الحكومية توفر على "حزب الله" تبعات تأخيرها في شكل ‏مباشر، فالجمهور المسيحي الذي يحمّل الحزب مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية المالية ‏والمعيشية في البلد، نتيجة تحويله إلى منصة للتدخلات الإيرانية في المنطقة، وبالتالي استعداء ‏الدول العربية والغربية، أخذت دائرته تتسع في شكل تصاعدي خلال الآونة الأخيرة، والدليل ‏مواقف البطريرك الماروني بشارة الراعي، الذي أخذ يرفع من درجة تلميحاته إلى دور الحزب ‏في عرقلة ولادة الحكومة، إذ قال في قداس الميلاد في 25 ديسمبر (كانون الأول)، "تفاجأنا ‏بربط تأليف الحكومة بصراعات المنطقة، فبتنا من دون سلطة إجرائية دستورية، وازداد ‏الانهيار"‏‎.‎

وكان أكثر وضوحاً بتحذيره من أنه "وإن كان ثمة من يراهن على سقوط الدولة، فليعلم أن هذا ‏السقوط لن يفيده ولن يفتح له طريق انتزاع الحكم، لأن انتصار بعضنا على بعض مستحيل بكل ‏المقاييس، ولأن اللبنانيين شعب لا يقبلُ اصطناع دولة لا تشبهه ولا تشبه هويته وتاريخه ‏ومجتمعه‎".‎

وفي اعتقاد السياسي المواكب لفشل جهود تذليل العقبات، وآخرها مساعي البطريرك الراعي، من ‏أمام تأليف الحكومة، أن الحزب يكسب في لعبة الاختباء خلف شروط عون وفريقه على ‏الحريري، فحليفه عون يحتاج إلى دعمه في المواجهة التي يخوضها من أجل فرض شروطه ‏الحكومية، والحريري سيحتاج إلى تدخله مع عون وباسيل من أجل خفض سقف مطالبهما ‏التعجيزية عندما يحين وقت قيام الحكومة وفق الروزنامة الإيرانية‎.‎

لا اكتراث بآثار الفراغ الحكومي

المواربة عند "حزب الله" في مقاربة معضلة الفراغ الحكومي لا تقنع أياً من خصومه، حتى الذين ‏يفضلون مهادنته في هذه المرحلة، من باب قناعتهم بأن رفع قبضته عن القرار السياسي اللبناني ‏مرتبط بظروف إقليمية. لكن قيادته لا تكترث لانكشاف دوره وآثار الفراغ الحكومي على ‏الأوضاع المعيشية في البلد، التي ستزداد سوءاً كل يوم يتأخر فيه قيام حكومة مستقلين غير ‏حزبيين، تنفذ الإصلاحات المتفق عليها بحسب المبادرة الفرنسية، تمهيداً لتقديم المساعدات المالية ‏التي توفر السيولة بالعملة الصعبة لوقف انهيار الليرة اللبنانية، وتتيح استيراد المواد الأساسية‎.‎

فنصرالله في حديثه التلفزيوني لم يأتِ على ذكر التدهور في معيشة اللبنانيين إلا لماماً، مبرهناً أن ‏همّه إقليمي قبل أي شيء، بدءاً من اتهامه دولاً عربية وغربية بأنها تسعى إلى اغتياله، وهي ‏الدول التي يفتعل معها مرة أخرى اشتباكاً، في وقت يفترض أن يتكل لبنان على مساعداتها ‏المالية من أجل تصحيح أوضاعه‎.‎

سياسة بايدن نحو لبنان: اكبحوا جماح "حزب الله‎"‎

إلا أن أوساط بعض معارضي الحزب يلفتون إلى قول نصرالله إن الحكومة ستأخذ وقتاً، بما يعني ‏أن في حسابه إمكان تدهور الأوضاع الحياتية أكثر في البلد. وينبّه هؤلاء إلى تأكيده بأنه "معني ‏بحماية بيئة حزب الله، والرهان على صبرها"، فالحزب يخطط وفق المعلومات للتخفيف من ‏معاناة بيئته في المناطق التي يسيطر عليها، بمجموعة إجراءات تدل على سعيه، بدعم من إيران، ‏إلى التكيّف مع الانهيار الآتي جراء استمرار الانسداد السياسي أمام الحكومة المقبلة‎.‎

تستند الأوساط التي تتابع ما ينويه الحزب من خطوات، إلى ما أعلنه جنبلاط عن "أنهم مرتاحون ‏في وقتهم، ونرى كيف يستفيدون من الفراغ في لبنان، ومن يركّب أجهزة‎ ATM ‎في مناطقه تمكن ‏من سحب مبلغ يصل إلى حد 5 آلاف دولار نقداً، فيما المواطن اللبناني العادي يذهب إلى ‏المصارف و"يتشرشح"، ولا يستطيع غير سحب كمية قليلة جداً بالعملة اللبنانية"، فتسهيل ‏حصول الجمهور الموالي لـ "حزب الله" على الأموال النقدية عبر مؤسسة "القرض الحسن" ‏المالية التابعة له، والتي وضعتها واشنطن على لائحة العقوبات منذ مدة، بات شائعاً بعدما ‏انتشرت صور آلات سحب الأموال النقدية في وسائل الإعلام اللبنانية‎.‎

تسويق مواد غذائية إيرانية وسورية

كما أن الحزب تسلم ويتسلم من إيران وسوريا شحنات بضائع ومواد غذائية يتولى تسويقها ‏بأسعار متدنية، نظراً إلى انخفاض كلفة إنتاجها في هذين البلدين، في متاجر ضاحية بيروت ‏الجنوبية والجنوب والبقاع عبر تجار، فيستفيد من أثمانها في عملية تمويل نفسه، من بين أساليب ‏أخرى‎.‎

وثمة من يتوقع أن يلجأ الحزب إلى الإفادة من تجربة شركة كهرباء زحلة الخاصة، التي جدد ‏البرلمان اللبناني امتيازها لإنتاج الكهرباء سنتين إضافيتين، في ظل قصور وزارة الطاقة ‏ومؤسسة كهرباء لبنان المملوكة من الدولة عن تأمين التيار الكهربائي 24/ 24 ساعة. وهو ‏يخطط لإنشاء شركة مشابهة في ضاحية بيروت الجنوبية وفي البقاع والجنوب اللبناني، بحيث ‏يضمن إضاءة هذه المناطق، في مقابل احتمال انتقال المناطق التي تغذيها كهرباء لبنان إلى ‏العتمة بعد مدة إذا لم يتأمن التمويل اللازم لتشغيل وتطوير معاملها، وهذا يعني أنه سيفرض لاحقاً ‏تشريع الترخيص لشركات كهذه تابعة له‎.‎

أما في مجالات أخرى، فإن الحزب يتكل على تأثيره ونفوذه في المؤسسات الرسمية المعنية بها، ‏مثل المساعدات الاجتماعية أو الزراعية التي تقدمها وزارات، والطبابة عبر وزارة الصحة، ‏وغيرها مما تبقى من إمكانات لدى القطاعات الحكومية، لا سيما أن لديه دالة على رئيس حكومة ‏تصريف الأعمال حسان دياب‎.‎

في اختصار، يسعى الحزب إلى إقامة بنية تحتية حيث يتيسر ذلك في مناطق سيطرته، تلاقي ‏استحسان بيئته الشعبية تفادياً لاتساع النقمة ضده، مما يعني أن توقعه أن تطول الأزمة لأن ‏الحكومة تحتاج وقتاً، له تبعات اجتماعية، يعمل على التعاطي معها لتثبيت سيطرته في مناطق ‏نفوذه خصوصاً‎.‎

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

29 كانون الأول 2020 16:05