كتب المحامي حسان الرفاعي:
يُنتخب رئيس الجمهوريّة بالأكثريّة المطلَقة من النّوّاب على الأقل، لمدّة ستّ سنوات، في حين لا تمكن إزاحته ولو أراد ذلك كلّ نوّاب المجلس النّيابيّ، أي (١٢٨ نائبًا) كونه يؤدّي دور الحكم غير المسؤول سياسيًّا في النّظام الجمهوريّ البرلمانيّ.
يُنتخَب رئيس مجلس النّوّاب في الدّورة الثّالثة (إذا اقتضى الأمر) بأكثريّة نسبيّة من النّوّاب الّذين يؤمّنون النّصاب، (أي بعدد يقلّ عن ٣٥ نائبًا من أصل ١٢٨)، ولا يُمكن إزاحته ولو أراد ذلك ١٢٨ نائبًا، إلّا بشروط وظروف أشبه بالمستحيلة، و ذلك من أجل استقرار هذا المركز إلى الطّائفة الشّيعيّة.
وحده رئيس الحكومة، رئيس مجلس الوزراء، تسميه أكثريّة نيابيّة، وتلزم رئيس الجمهوريّة باسمه، وهو يخضع في كلّ لحظة من ولايته لمحاسبة النّوّاب والشّارع. ولعله المركز الأكثر خضوعًا للدّيمقراطيّة.
لئلّا يبقى رئيس الحكومة خاضعًا لاستنسابيّة رئيس الجمهوريّة، نصّ دستور الطّائف على مبدأ الاستشارات النّيابيّة الملزِمة، لتحرير مركز رئيس مجلس الوزراء من استنسابيّة رئيس الجمهوريّة. نتيجة هذه الإستشارات، يُسمّى رئيس الحكومة وفق ما فرضته الإرادة النّيابيّة على رئيس الجمهوريّة. هذا الرّئيس المكلّف وحده من يقوم باستشارات نيابيّة غير ملزمة كي يؤلّف حكومته، ويكون وحده مسؤولًا عنها وعن سياستها وأفعالها أمام مجلس النّوّاب.
إنّ الرّئيس المكلَّف تشكيل الحكومة عليه أن يراعي في تشكيلته رأي الأكثريّة النّيابيّة الممثّلة للإرادة الشّعبيّة تحت طائلة أن يسقط عند امتحان نيل الثّقة.
إنّ مشاركة رئيس الجمهوريّة غير المسؤول سياسيًّا، والّذي لم يطّلع على آراء النّوّاب في استشارات التّأليف الّتي لا يحضرها، لا يمكنه في أيّ شكل من الأشكال أن يكون أداةً لتفشيل وعرقلة قيام أيّ حكومة لا يرضى عنها بحجّة معايير وموازين.... لأنّ في ذلك تعدّيًا على دور رئيس الحكومة المكلَّف وعلى إرادة المجلس النّيابيّ الّذي فرض اسم الرّئيس المكلَّف على رئيس الجمهوريّة عبر الاستشارات الملزمة.
انّ مشاركة رئيس الجمهوريّة في توقيع مرسوم تأليف الحكومة هي فقط لتمكينه كحكَمٍ مؤتَمَن على حسن تطبيق الدّستور من التّصدّي لأيّ تشكيلة تحمل في طيّاتها خطرًا على البلاد واستقرارها، أو لأنّها تتضمّن وجهًا أو وجوهًا استفزازيّة صاحبة سوابق.
إنّ مشاركة رئيس الجمهوريّة ودوره في ولادة الحكومة لا يمكن أن تتساوى مع دور وإرادة رئيس الحكومة المكلّف لأنّ رئيس الجمهورية غير المسؤول سياسيًّا يستمرّ في موقعه إن فشلت الحكومة في حين أنّ رئيس الحكومة، المسؤول الأوّل عن سياسة حكومته يذهب معها في أيّ لحظة.
يجب ألّا تتحوّل مشاركة رئيس الجمهورية في التأليف إلى أداةٍ مُعرقِلة تُستعمَل لتأخير التّشكيل وإظهار الرّئيس المكلّف على أنّه غير قادر على التّأليف، لأنّ في ذلك إلتفافًا منه على مبدإ الاستشارات المُلزمة. إذ هكذا، يبقى رئيس الجمهوريّة معرقلًا التّأليف بهدف الحَوْل دون وصول الرّئيس الّذي فرضته الاستشارات الملزمة إلى المجلس النّيابيّ حيث امتحان الثّقة.
لتجنّب كلّ ذلك حمل المرحوم الرّئيس صائب سلام، أفكارًا إصلاحيّة في نيسان ١٩٨٩ إلى مؤتمر تونس الّذي سبق بأشهر اتّفاق الطّائف، حيث اقترح عند اختلاف رئيس الجمهوريّة والرّئيس المكلّف حول التّشكيلة الحكوميّة أن يقوم رئيس الحكومة بعرض حكومته على مجلس النّوّاب. فإن نالت ثقة ٦٠% من النّوّاب اعتُبرت الحكومة قائمةً رغمًا عن إرادة رئيس الجمهوريّة، أمّا إن لم تنل هذه الثّقة فتُعاد الاستشارات النّيابيّة الملزمة.
إنّ تدخّل رئيس الجمهوريّة في تفاصيل التّأليف على قدم المساواة مع رئيس الحكومة المكلّف يَفرض بالمقابل أن يرحل الرّجلان معًا (أي رئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة) إن فشلت الحكومة وذلك وفق مبدإ التساوي في الغُنْمِ والتساوي في الغُرْمِ.
إنّ الاستمرار في محاولة فرض بِدَعٍ وممارسة رئاسيّة على نظامنا البرلمانيّ، تشوّه هذا النّظام وتودي حتمًا بما تبقّى من استقرار.
إنّ التّلاعب اليوم بالدّستور بالشّكل الّذي يفعله الفريق الاستشاريّ لرئيس الجمهوريّة، هو أشدّ فتكًا بلبنان وباللّبنانيّين من المتفجّرات التّي نقلها ذات يومٍ ميشال سماحة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.