كتبت صحيفة "النهار" تقول: بدأ لبنان امس ما يمكن اعتباره المحاولة الأخيرة الأكبر والأخطر لمنع تكريس واقعه كأحد البلدان النماذج الأعلى كارثية في العالم في مواجهة جائحة كورونا بعدما تجاوزت نسب الإصابات وحالات الوفاة فيه في الأسابيع الأخيرة المستويات العالمية الاسوأ اطلاقا. واذا كانت حالة الطوارئ الصحية التي بدأ تنفيذها امس مع تدابير منع التجول والاقفال العام تحتاج الى أيام عدة للحكم على مستوى الجدية في التزام إجراءاتها سواء من جانب المناطق والمواطنين او من جانب الدولة بمؤسساتها وأجهزتها وقواها العسكرية والأمنية المعنية بتنفيذ الإجراءات والسهر على التزامها بحزم، فان التقديرات الاستباقية المستندة الى المراحل السابقة لا تبدو متفائلة ابدا في اجتراح اختراق حقيقي من شانه خفض مستويات الكارثة الوبائية التي كان من ظواهر تفاقمها ان أدخلت رؤساء الطوائف الى المعترك بقوة لتوجيه نداءات ذات خلفيات دينية الى المواطنين لالتزام إجراءات الحماية وعدم التسبب بالعدوى للآخرين.
ولكن "الفاجعة" الحقيقية لا تقتصر فقط على الاعداد القياسية المحلقة يوميا للاصابات والوفيات او على ما كشفه مدير مستشفى رفيق الحريري الحكومي الجامعي الدكتور فراس ابيض من ان أربعة مرضى بكورونا أصيبوا في الساعات الأربع والعشرين السابقة بسكتات قلبية من بينهم شاب يبلغ من العمر 19 سنة، بل في السكتة السياسية القاتلة التي ألمت بدولة بدت كأنها اختفت فعلا طبقا للمخاوف المتكررة التي سبق لوزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان ان أبداها قبل ان تنحسر الوساطة الفرنسية بدورها تحت وطأة مخطط إفشالها المنهجي الذي تولاه فريق تعطيل تأليف الحكومة الجديدة. فالواقع السياسي المواكب لانطلاق المواجهة اللبنانية الفاصلة مع الوباء المتسع والمنتشر في كل انحاء لبنان لم يكن مرة بمثل هذه الصورة الدراماتيكية والسوداوية حتى في حقبات الحروب. وطبع الشلل الكامل حركة المقار الرئاسية والسياسية باستثناء بعض اللقاءات في عين التينة ربما للرد على موجة الشائعات الكاذبة عن صحة رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي سيرأس بعد ظهر اليوم جلسة مجلس النواب في قصر الاونيسكو لاقرار قانون الاستخدام الطارئ للقاحات.
اما في بعبدا فلم يسجل أي نشاط فيما الرئيس سعد الحريري موجود في الإمارات وسط ترجيحات لقيامه بجولة قد تقوده الى مصر وفرنسا. وعكس هذا الشلل، مع غياب أي مشاورات ووساطات متصلة بالازمة الحكومية، مناخات بالغة السلبية بدأت الكواليس السياسية تتداولها حيال احتمال ان تكون الازمة الحكومية تحولت قسرا وبفعل متعمد من فريق تعطيل تاليف الحكومة الى ازمة نظام من خلال الانقلاب المتدرج على تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة. وابدت مصادر سياسية بارزة ومعنية بمجريات الازمة لـ"النهار" مخاوف كبيرة من التداعيات التي أفضى اليها الهجوم السياسي والشخصي الحاد بحيث باتت الازمة بلا أي ضوابط وانتفت كل الوساطات وأسقطت الواحدة تلو الأخرى ووضعت البلاد امام ازمة مفتوحة تماما لا افق زمنيا وسياسيا لا داخليا ولا خارجيا من شأنه ان يضع حدا لها بما ينذر بتحلل بقايا القدرة الرسمية الفعلية على مواجهة اخطار الانهيارات والأزمات التي يغرق لبنان في مصائبها. ولفتت المصادر في هذا السياق الى ان احتواء التصعيد من الافرقاء السياسيين لم يعد يشكل ضمانا كافيا للحد من التداعيات الخطيرة للازمة السياسية بعدما بات اجهاض تشكيل الحكومة الجديدة التي تعتبر باب الإنقاذ الوحيد للبنان من مصير كالح، يحتم خروج جميع القوى من مخابئ النأي عن صراع افتعله العهد وفريقه السياسي ووضع البلاد في ظله امام امر واقع مخيف.
التزام...…ولكن !
اذاً دخلت البلاد امس مرحلة الاقفال التام والشامل لمحاولة حصر تفشي وباء كورونا ومد الجسم الطبي والاستشفائي ببعض الوقت والاوكسيجين ليلتقط انفاسه ويتمكن من الصمود. وفي اليوم الاول من الاقفال الذي يستمر 10 أيام سجلت نسبة كبيرة ومشجعة جدا للالتزام بالإقفال في معظم المناطق اللبنانية بما فيها في المخيمات الفلسطينية وقدر مدير شعبة العلاقات العامة في قوى الامن الداخلي العقيد جوزف مسلم نسبة التزام الاقفال بـ 94 في المئة ، علما ان زحمة سير صباحية سجلت على الطرق بفعل انتشار حواجز القوى الأمنية . اما اذونات الخروج من المنزل لغير المستثنين من الاقفال، فطبعها تخبّط كبير يوجب اصلاحه وحلّه لتأمين التقيد بهذه الآلية في الأيام المقبلة. ولكن المفارقة البالغة السلبية تمثلت في ان اليوم الأول من الاقفال سجل في نهايته أسوأ الاعداد الصادمة للاصابات مع رقم قياسي جديد للاصابات بلغ 5196 إصابة وأعلى رقم يومي للوفيات سجل منذ وصول الجائحة الى لبنان بلغ 41 حالة. وسجلت وزارة الصحة في هذا السياق ارتفاع نسبة الفحوصات الإيجابية للاصابات بكورونا لكل مئة فحص الى 17.6 في المئة. وبات معلوما ان هذه الأرقام والاعداد والنسب التي تتقدم أسوأ النسب العالمية تعزى الى كثافة الإصابات واتساعها على نطاق واسع في كل لبنان كما الى الواقع الاستشفائي الخطير الذي تعانيه المستشفيات جراء حالات الاكتظاظ امام أقسام الطوارئ وفي الأجنحة وغرف العنايات الفائقة.
وفي حين يأتي الاقفال في ظل تفاقم الازمة المعيشية والاجتماعية اعلن وزير الشؤون الإجتماعية والسياحة رمزي مشرفية ان إقرار مجلس أمناء البنك الدولي القرض المخصص لدعم شبكة الأمان الاجتماعي بقيمة 246 مليون دولار "سيمكننا من زيادة عدد المستفيدين من برنامج الاسر الاكثر فقراً إلى ما يقارب 200 ألف عائلة" وشدد على ان "مساعدة الأسر الفقيرة واجب وطني وحقٌّ مكرّس للمواطن على دولته". كما أعلنت الهيئة العليا للاغاثة، في بيان، أنه "استنادا إلى قرار وزارة المال دفع مساعدة مالية بقيمة 75 مليار ليرة لبنانية كسلفة خزينة للهيئة العليا للإغاثة، وتنفيذا للخطة الاجتماعية الهادفة إلى مساعدة الأسر التي ترزح تحت أوضاع معيشية حادة بسبب الإجراءات المتخذة لمواجهة كورونا قامت الهيئة بتحويل كامل المبلغ إلى حساب خزينة الجيش، واعتمادا إلى آلية تم وضعها من قيادة الجيش والادارات المعنية في الدولة، واستنادا إلى جداول إسمية يعدها الجيش والادارات المختصة وفق مبدأ الأولوية والحاجة".
قانون اللقاحات
في المقابل، تتجه الانظار الى مجلس النواب الذي يلتئم بعد ظهر اليوم في الاونيسكو لاقرار قانون يتيح للبنان استيراد لقاحات كورونا وعلى رأسها لقاحات شركة فايزر، وسط مطالبات بفتح باب الاستيراد للقطاع الخاص ومن اكثر من شركة . وعشية الجلسة لفت نقيب الأطباء شرف أبو شرف الى ان لجنة الصحة النيابية كانت قد ناقشت هذا المشروع ووضعت فيه الأطر القانونية والطبية لحماية المواطنين، خصوصا ان الدول الغربية بدأت بإعطاء اللقاحات ضد وباء كورونا منذ شهرين، والمضاعفات السلبية من حرارة بسيطة أو وجع في العضل، قليلة جدا.
وقال في بيان "ان نقابة الأطباء تطالب السادة النواب بربط مشروع قانون اللقاحات بمعايير المواصفات والجودة المتوفرة في بلد المنشأ، وبربطها بالشروط نفسها التي تطبقها الدول الأوروبية، حفاظًا على صحة وحقوق المواطن والدولة" .
النهار
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.