كتبت إيناس تميم:
لم يعِ آدم يوماً ما، ان اليهوديّة ليست فقط هوية للعبور او أنها هوية لطيّ النسيان والرحيل والهروب، بل إنها محاكاة لمآساة أخرى، أو إن إنهاء هذه المحاكاة عبر تقبل الاخرين له من خلال عطفهم عليه لأنه يتيم الوالدين وأنه أنتقل من غيتو وارسو الى فلسطين أرض الميعاد، حسب ما تخيّل أن هذه الحيلة قد تنجح لو مؤقتاً.
آدم اختلطت عليه الحياة ما بين غيتو اللّد وغيتو وارسو أو أصبح هو الغيتو في تلك الحالتين واصبح كما عرف عن نفسه في إحدى المرات بانه "آدم" ليس عربياً أو يهوديياً في مواجهة الدفاع عن حبه ليهودية، يدافع عن حبه لـِ"رفقة" مع تجنبه الاحساس بالخيانة، الخيانة التي لا معنى لها، كما حول تسليط الضوء الى تعريفها في أكثر من مرة.
حاول آدم ان يكون الحاضر الغائب كما كان رباح حارس الحديقة، او ان يكون مأمون المختفي، لكن في كل الحالات ومهما حاول آدم ان يموت وان يُخلق من جديد في كل فترة كما هو لسان الحال، وصل الى مكان أن "العربي الفلسطيني لا يستطيع ان يخترق واقعه الأليم".
من بعد قراءة ٢١٠ صفحة من الرواية، اتضحى لي أن آدم اختار "الادب العبري" وكأنه يريد ان يعيش الحزن الآلام لكن بغير لغة، ينتقل من العربية الى العبرية، لكن هذه الآلام تتغير ببعض ملامحه او انها تتخذ ملامح والآلام المسيح، ظل يبحث آدم عبر صمته عن هذه الآلام لكي يتعرف على هويته المبعثرة ما بين ابن شهيد وأم مسيحية وهوية اسرائيلية.
قبل رواية أولاد الغيتو ٢ نجمة البحر، كنت أعبر أيضا ما بين القدس ويافا وحيفا وفي شارع رأس النبع بالتحديد مع قيس وليلى في ظلال العائلة لـِ الروائي "محمود شقير"، رأيت حياة القدسييّن وحتى من هاجر الى القدس وأتخذها مكان له وأتخذها مقراً، وكيف ان المحتل يبقى محتلاً، ومن يتعامل معه يبقى خائناً، و أن أختُ قيس رغم مرحها، جمالها، وحبها للحياة، لقد حاولت قتل عسكري اسرائيلي لكنها لم تفلح، وسقطت شهيدة أمام نظرات قيس المفجوعة، أعلم ان لا يوجد اي عقدة، او رسمة، او تشابه بين الروايتين، لكن الانتقال السريع من القدس والقدسيّن الى آدم الذي يحاول التعايش مع اليهودي والبحث عن هوية دون أن يجدها، عرقل أفكاري.
ضمن هذه 210 صفحات من أصل 474 صفحة وصولاً الى دخول آدم الجامعة لكي يدرس اللغة العبرية، يأخذنا الكاتب "الياس خوري" مرة أخرى الى جمال اللغة، اللغة التي كلما تعمقتها تعطيك ثقافة وحضارة أكثر، وجذبٍ وتأثرٍ حتى لو لم تتقنها أو حتى تفهمها.
إن وقع موسيقى اللغة وحالما تتقنها تمسك بها براحة متماثلة في ألحانها، تستطيع ان تدخل الى أزقتها المتعرجة بسهولة، فكيف أن تقرأ فلسفة اللغة عبر هذا الروائي المبدع، عبر اللغة المُقدسة لغة فلسطين، فلسطين المحتلة، فهي لا تتكلم لغة واحدة، بل تدور في فلك اللغات، وهذا ما يأخذنا عبره آدم الذي الى الان لم يصل الى هويته، بينما وصل الى روح اللغة.
كلمات تعددت،تكررت، كلمات وصفت بعضها البعض، كلمات كانت النعت لبعضها البعض.
"الندم، الخوف، الخيانة، الخطر، الاذلال، الموت، الشعر، الادب، اللغة، العربية، العبرية، المجازر، النار، الحريق التهجير،الغيتو" كلمات تختزل لحن الرواية في نصفها، فلقد تأرجح منتصف الرواية بهذه العبارات.
نشتم رائحة الموت من وارسو عبر الطبيب القلب "مارك اديلمان" الذي يختصر فلسفة الموت والحياة في آنٍ معاً.
في مكانٍ ما أحسست بأن الكاتب يتجه الينا عبر هذه الرواية الغيتو 2، الى التعاطف مع غيتو وارسو، احساس ليس أكثر، لا أعلم مدى مصداقية هذا الهدف، لكن لنعود الى نقطة التعاطف إن كانت مطلوبة من القارئ مع اليهود من حيث العذاب والآلام المتشابهة.
بالطبع فإن مجزرة اليهود في بولندا اي غيتو وارسو غير انسانية بتاتاً، لكن ما هو موقع غيتو اللّد؟، أهو الرد على هذه المجزرة، فإذا اليهودي أُظلم في وارسو لقد أَظلم بدوره الشعب الفلسطيني في غيتو اللّد وفي كل فلسطين، فأين شبه للتعاطف، الفلسطيني أيضاً أُظلم في اراضيه، لكن السؤال أين كان الرد؟ أين هي واقعة الغيتو الثالث؟ ما أعلمه ان الفلسطيني لم ينتقم بدوره بشعبٍ آخر كما فعل اليهودي! وإن كان لابد من غيتو ثالث فهو غيتو وقع أيضاً في تنكيل الفلسطيني في مجزرة صبرا وشاتيلا، فأنا أراها الغيتو الثالث الذي أُظلم مرة أخرى ولكن ليس على أراضيه.
لذلك لم أستطيع الى الوصول الى نقطة بداية التعاطف وليس الذروة.
إن اولاد الغيتو2، نجمة البحر من المؤكد لا تهدف الى التعاطف، لكنها في الوقت عينه لم تكن قاسية كافيةً مع الاسرائيلي في جرائمه، فلم. من الممكن لان اولاد الغيتو اسمي آدم وهي الرواية التي يرويها آدم عن حياته أعطت واجب الاتهام والقسوى.
أولا الغيتو 2، نجمة البحر، الكاتب الياس خوري، صدرت عن دار الآداب، لبنان – بيروت، عام 2019، لوحة الغلاف للفنان عبد الرحمن قطناني.
عدد كبير من الشخصيات التي تخوض معركتها في هذه الرواية، عدد من القصص، عدد من الاماكن، استطاع الكاتب ان يجمع بها في سرد جميل جداً ومشوق أيضاً، ويجعلنا ننتظرالقصة التي تليها مع كل شخصية.
تعددت شخصيات هذه الرواية أيضاً من حيث الجنسية والعرق والهوية أو البحث الدائم عن الهوية.
روايةما بين فلسفة اللغة وارتباط الحكايات والاماكن الصامتة، وما بين ذرف دموع الموت الخانقة، يأتي آدام في النهاية بقصة حب خيالية.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.