"النهار" -وجدي العريضي
لم تأتِ زيارات الرئيس المكلف سعد الحريري إلى الخارج من فراغ أو لـ"شمّ الهوا"، كما يزعم مغرّدو "التيار الوطني الحر" بمن فيهم نوابه، من دون أن يدرك هؤلاء أنّ هذه الجولات، وفي هذه اللحظة الحرجة التي يمرّ بها لبنان، قد تعيد اليه بريق أمل. وسبق لـ"النهار" أن ذكّرت بعد "قمّة العلا" بأنّ لبنان كان حاضراً من قِبل قادة مجلس التعاون الخليجي، وسط تأكيدات ممزوجة بالعتب والاستياء، بأنّهم لن يتخلوا عن لبنان. والسؤال المطروح هو: هل ثمة إشارة خضراء خليجية للرئيس المكلف ليتحرك ويضع الجميع أمام مسؤولياتهم؟ في حين أنّ استقبال الرئيس الحريري في الخليج وفي هذا التوقيت بالذات، وأمام سلطة تدين بالولاء لإيران و"حزب الله"، مؤشّر إيجابي جدّا وفي الوقت عينه رسالة الى خصوم الحريري الذين يحاولون الاستفراد به، بأنّ السعودية والإمارات والكويت وقطر وكل الخليج يدعمون جهوده لخلاص بلده.
هذه الحركة لم يهضمها "التيار البرتقالي"، وهو ما ظهر جلياً في الساعات الأخيرة من خلال حوارات تلفزيونية ومواقف سياسية وتغريدات تنتقد جولات الرئيس المكلف، وأكثرية هؤلاء برّرت مواقف المسؤولين الإيرانيين وكلام السيد حسن نصرالله، ما يعني أنّ فريق الممانعة عاد ليمارس هواية التعطيل. والأنكى أنّهم يقولون بوضوح: لا نريد سعد الحريري رئيساً للحكومة، وهو ليس رجل المرحلة. فمن هو رجل المرحلة؟ هل هو حسان دياب الذي جاء به "حزب الله"؟ وهل من يزور العواصم الخليجية ويحظى بثقتها لايُعدّ رجل المرحلة؟
في السياق، تؤكد مصادر سياسية مطلعة لـ"النهار" أنّ المسألة تخطت تأليف حكومة من 18 وزيراً أو 20 وكل ما يمتّ الى مسار التشكيل بصلة، بل ثمة تصفية حسابات تحتوي على مخزون هائل من الأحقاد، ففيديو قصر بعبدا كان رسالة وفي الوقت عينه ظاهرة لم يسبق أن مرّت في تاريخ الرؤساء المتعاقبين منذ الاستقلال، وثمة رسائل أخرى تُعدّها دوائر القصر بتوجيهات من "ميرنا الشالوحي" وفي ظل توزيع أدوار بين "حزب الله" و"التيار"، فجميعهم لا يريدون الحريري والمبادرة الفرنسية، بل يسعون إلى هدر الوقت وترقُّب ما ستؤول إليه الأوضاع في المنطقة، لأنّ "حزب الله" لا تهمّه العناوين المالية والاقتصادية والسياحية والاستثمارية، بل إن همّه يحمل بُعداً عقائدياً واستراتيجياً، وهو يفتّش عمّا يحصّن سلاحه ودوره ويبقيه ذراع طهران من بيروت إلى سوريا والعراق وغيرها.
وتضيف المصادر أنّ رئيس الجمهورية يتقن لعبة التصعيد والنبرة العالية والتعطيل، الأمر الذي سبق وشهدناه في كل مراحل حياته العسكرية والسياسية، في حين أنّ رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل يتابع الخطى ذاتها وهو أيضاً من المصدومين بتكليف الحريري وبتسليمه لرئيس الجمهورية مسوّدة حكومية تضمّ وزراء اختصاصيين، وهذا ما دفعه إلى التصعيد والتأكيد أنّ ذلك لن يمر، على ما نقل أكثر من شخص التقاه أخيراً، الامر الذي يعيد الأمور إلى نقطة الصفر، لا سيما أنّ رئيس الجمهورية ومستشاريه وحتى باسيل كانوا يراهنون على اعتذار الحريري الذي قد يستعيد شعبية في بيئته السياسية، وهذا ما أحدث إرباكاً وبلبلةً إزاء قراءاتهم الخاطئة التي بنوا عليها أوهامهم من دوائر المستشارين و"المطبّلين".
وهنا السؤال: ماذا بعد؟ خصوصاً أنّ المكتوب يُقرأ من عنوانه، فلا العمّ ولا الصهر يريدان الحريري في السرايا، والرئيس المكلف لن يعتذر بل سيتابع حراكه وجولاته، وهذا هو الأمر المجدي الذي يعيد الى لبنان رئته الخليجية، لا سيما أنّ السعوديين سيعودون إلى البلد عندما تتبلور الأمور من خلال سفيرهم والدعم الذي سيقدمونه للبلد، ولكنّ كل ذلك لن يبصر النور إلا بعد تمرير الاستحقاقات الدستورية العالمية، خصوصاً أنّ الرياض اليوم مرتاحة لإنجازات "قمة العلا" والخطوات التي تحققت والمشاريع العملاقة التي ستُنفَّذ. فهل سيلتقط لبنان الفرصة ليستفيد من هذه الأجواء والمُناخات؟ هنا يعتقد بعض السياسيين المخضرمين أنّ "حزب الله" لن يُقدم على تسهيل أي حلّ لولادة الحكومة وسواها قبل تيقُّنه من أنّه محميّ من طهران في حال عادت المفاوضات بينها وبين الإدارة الأميركية الجديدة.
وربطاً بهذه المعطيات، قد يكون الرئيس الحريري يحمل في جعبته من خلال هذه الجولات "كلمة سر" ما تفضي إلى ما يريده الخليجيون، في وقت لا يتوقف العهد عند هذه المسائل، فهو يدرك أنّ فترة السنتين المقبلتين لرئيس الجمهورية في قصر بعبدا ستدفعه إلى فعل كل شيء من أجل باسيل ، ومن يواكب الدائرة الضيقة في القصر يعلم علم اليقين أنّهم يفتشون إما عن تمديد أو فراغ أو نقل السلطة عبر فتاوى من جهابذة الدستور المحيطين بالرئيس. والسؤال الآخر: هل يتحمل لبنان وزر هذه المعادلات وتصفية الحسابات والنكايات وهو بلد مفلس ومنهار؟ لذا قد تبقى تلوح في الأفق بارقة أمل في الدقائق القاتلة، عبر حراك دولي مرفق بضغوط لا يستهان بها، ومن دون ذلك فالأمور ستظلّ تدور في حلقة مفرغة، لأنّ كل فريق كشف أوراقه بوضوح، وذلك ما تبيّنه حركة الحريري والمواقف الدولية التي قد تصدر من باريس إلى واشنطن.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.